"بحب بلدي
ويسكرني الغنا والناس
وأحب صوت المكن
لما يكون داير"
... والناس كما هى بكل أحلامها، وأحزنها، وأفراحها، وأوجاعها..الناس هى الناس..هى التى تجعل الحياة (تتحب)..!
أول أمس كنت فى طريقى إلى مدينة الإسكندرية لحضور ندوة كتاب( لا شىء هنا) فى قصر ثقافة الانفوشي.
فى الطريق مررت بوسط البلد - القاهرة - حتي وصلت إلى ميدان رمسيس ومنه إلى شارع صغير. فى الشارع جلست على مقهى فى انتظار موعد القطار... وضعت بجوارى مجموعة كتب اشتريتها قبل قليل من بائع كتب قديمة. الآن أمامي سندوتش بطاطس بارد و(كباية) شاي ساخن وضجيج لا يتوقف.
(المقهى - بعد قليل)
بعدما مرت ١٠ دقائق تقدم شاب فوق الثلاثين تقريباَ ناحيتى يبيع زجاجات (البرفان) - تصنيع منزلى - وأنا لست ممن يحبون البرفان أصلاَ. بعد لحظات من الحديث المتبادل بيننا اعتذرت عن الشراء واقترحت عليه الجلوس معى ليشرب( كوباية ) شاي فى هذا الجو البارد. الشاب - اسمه حسن المصري- رفض طلبى وهو يواصل تركيز بصره على الكتب التى بجواري..وهى: كتاب (مع طه حسين - سامي الكيالى- شادية من الطفولة إلى الحجاب - محمد حمزة. الف ليلة وليلة - الجزء الأول. كتاب البخلاء - جزء ١ و٢ - الجاحظ ) ثم تسمرت عينيه على هذا الكتاب وبدأ معى مفاوضات شاقة لشراء الكتاب بأى ثمن!.
أنا - إعجابا به - واصلت معه المفاوضات حتى نهايتها؛ فجدته خريج كلية آداب جامعة عين شمس- قسم فلسفة، ويعشق الكتب والقراءة، والثقافة..و..و..و ( وجع القلب )!
وعندما يأس من المفاوضات عرض علىّ ٣ زجاجات ( برفان ) وثلاثة أضعاف المبلغ الذي اشتريت به الكتاب إذا وافقت
..لكننى - وأنا حزين من أجله - رفضت العرض قائلاً:
- ولكنك يا أخى قد تهدر ما اكتسبته طيلة يومك؟
رد مبتسما: " أعمل آيه ؟ بحب القراءة والثقافة والكتب"!
قال ذلك وهو يضحك - وأنا كذلك - لحظة مغادرته للمكان بعدما انتهي من عرض بضاعته على رواد المقهى.
(الندوة - قصر الانفوشي)
بعد قليل غادرت المقهي واستقليت القطار إلى الإسكندرية حيث التقيت هناك بالسادة الحضور فى القصر العريق والجميل.. فى القطار - وقاعة الندوة - قبل أن تبدأ - ظلت صورة هذا الشاب المثقف الذي - رغم تواضع دخله المادي - يحب الثقافة. ويحب الكتاب ويسعى لقراءة كتاب الجاحظ.
الجاحظ الذي ولد سنة ١٥٠ هجرية ومات وعمره ١٠٠ عام تقريباَ.
(الندوة - بعد ساعتين)
دهشتي من لقاء المصري - وهذا اسمه كما ذكره لى - زادت بعدما رأيت فى قاعة ندوات القصر صورته، وهوايته، وشخصيته فى عيون، ووجوه، وعقول الحضور.
رأيتها فى كلمات الدكتور بهاء حسب الله. والدكتور محمود عوضين. والأديب رشاد بلال. والروائية منى عارف. والباحث طارق سالم والأديب وحيد مهدي. الدكتور حسين عبد البصير. والشاعر جمعة البقاري. والأديب فؤاد فرغلى. والأديب أشرف خيري. والسياسي محمد أبو ضيف. والأديب مصطفي عواد. والدكتور أحمد على والباحث طارق سالم. والدكتورة فايزة صقر وغيرهم من الحضور الكريم...
لقد رأيت فى كلامهم، ونقاشهم، ونقدهم، وضحكهم، وحبهم، وقولهم، ما رأيته - مع اختلاف التفاصيل - فى وجه ( حسن المصري) ذلك الشاب - المصرى - الذي يستطيع بكل سهولة أن يضحي بكل شىء من أجل الثقافة، والأدب، والفكر، والحياة، والناس...فالمثقف الحقيقي هو الإنسان الذى يُحب الناس ويعرف ما عرفه - الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودى - أن:
"أي فكرة صحيحة على الخدود تنباس
مدي الخطاوي يا بلدي يا ضحكتي الحرة
مدي الخطاوي يا بلدي وانتي شايلة الناس".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصور المصاحبة :
من ندوة قصر الانفوشي بالأسكندرية
أول أمس الأثنين ٢٠ فبراير -٢٠٢٣.