القوة الناعمة في العلاقات الدولية

بقلم / رويدة إبراهيم
القدرة على الحصول على ما تريد باستخدام لغة الحوار والجذب بدلاً من أستخدم أسلوب الإرغام أو دفع المال هي ما يسمى بالقوة الناعمة، القوة الناعمة من المفاهيم الحديثة نسبياً على مستوى العلاقات الدولية ويتطور بتطور الدول اختلاف أهدافها وإمكانياتها.
إن اهتمام بعض الدول في نشر الثقافة في الدول أخرى والقيام بمبادرات إنسانية وتقديم منح دراسية وكذلك منظمات خيرية في بعض الدول التي ترى أن لها مصالح مشتركة معها ولو كانت على المدى البعيد يعد شكل من أشكال القوة الناعمة الذكية.
مصطلح القوة الناعمة من صياغة الكاتب جوزيف ناي نائب وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والذي تولى مناصب عديدة أخرى، صاغ جوزيف ناي هذا المصطلح في كتابه الصادر عام 1990 بعنوان "قدرة القيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية" وقام بتطوير المفهوم في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان "القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية".
استخدام القوة الناعمة بدلاً من القوة الصلبة وهي قوة الحرب والسلاح التي أثبتت عدم فاعليتها وهناك أمثلة عديدة تثبت عدم فاعلية القوة الصلبة مما دفع الدول العظمى لاستخدام مفهوم جديد لتحقيق المصالح الدولية ألا وهو القوة الناعمة.
مفهوم القوة الناعمة:
يرى جوزيف ناي بأن القوة الناعمة هي القدرة على التوصل إلى الغاية المطلوبة من خلال جذب الأخرين، وليس باللجوء إلى التهديد أو الجزاء وهذه القوة تعتمد على الثقافة والمبادئ السياسية والسياسات المتبعة في الدولة.
أما نيل فيرغسون (2003) فهو مؤرخ ومؤلف وكاتب أسكتلندي يقول بأن القوة الناعمة هي قوة غير تقليدية مثل السلع الثقافية والتجارية، كما تحدث الدكتور إبراهيم نوار في ندوة بعنوان " مصادر القوة الناعمة ومكانة مصر في العالم" وهو كاتب صحفي يعرف القوة الناعمة بأنها هي القوة التي تعتمد على إحراز النفوذ بواسطة الإقناع والترغيب وتوفير مقومات التقدم والرقي لجعل الآخرين يحذو باتجاه اتباعه وتقليده".
القوة الناعمة إذ تعتمد في الحصول على النفوذ والسلطة باستخدام أسلوب الإقناع والترغيب باستخدام لغة الحوار بعيداً عن استخدام لغة السلاح التي يأتي من ورائها في كثير من الأحيان الدمار والخسائر المادية وإن كانت ضئيلة.
القوة الناعمة قدرة على خلق حوافز لفتح باب مدخل لتكوين شبكة علاقات دولية تعاونية تعود بالفائدة على أطرافها، فلم يعد استخدام القوة الناعمة بحاجة إلى الاعتماد بشكل أساسي على المؤسسات الحكومية والجهات الرسمية إنما يعتمد على الهيئات والمؤسسات غير الحكومية مثال على ذلك منظمات المجتمع المدني والشركات المساهمة.
مصادر القوة الناعمة:
حدد جوزيف ناي، ثلاث مصادر رئيسية للقوة الناعمة أثناء تطوير مفهوم القوة الناعمة وهي: الثقافة، القيم السياسية، السياسة الخارجية. ولكن هناك مصادر فردية متنوعة ومتعددة للقوة الناعمة معتمدة على تلك المصادر الرئيسية الثلاثة وتم ذلك عبر ستة مؤشرات فرعية وسبع فئات من بيانات الاقتراع الدولية.
ومن المتفق عليه أن من أنواع القوة الناعمة: الاقتصاد، المساعدات، القيادة ، السمعة ، التعليم
وتكمن مصادر القوة الناعمة في العوامل المؤثرة على قرارات الدول وهي كالتالي:
- قوة تأثير الطاقة المتمثلة في النفط.
- قوة تأثير الأمن الغذائي.
- قوة تأثير الاقتصاد.
- قوة تأثير الأنترنت.
- قوة تأثير الإعلام.
مؤشرات القوة الناعمة:
توجد دراسة بحثية للدكتورة /وفاء داود عن القوة الناعمة وتطبيقاتها تستعرض ثلاث أنماط لتطبيق مفهوم القوة الناعمة لبعض الدول التي تمتلك هذه القوة الذكية مثل : مصر، إيران، أمريكا، الصين ويتم معرفة مصادر هذه القوة ومدى تطبيقها من خلال عدد من المؤشرات ويعبر كل مؤشر فيهم عن مورد من موارد القوة الناعمة ، أهم هذه المؤشرات مدى انتشار لغة كل دولة من تلك الدول على مستوى العالم ،المؤشر الثاني مدى حرية الصحافة والإعلام ، المؤشر الثالث مقدار ما تصدر الدول من أفلام ومسلسلات ودى حصولها على جوائز دولية في الفن والأدب والمؤشر الرابع هو مدى تعبير السياسة الخارجية لكل دولة عن المصلحة المشتركة للدول الأخرى والشرعية الدولية.
وفي هذا السياق تم تطوير مؤشرات لقياس القوة الناعمة وذلك بغرض البحث عن العوامل المؤثرة في صناعة السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول، وتعتبر جداول "القوة الناعمة 30" الذي طوره جوناثان ماكلوري إضافة تطبيقية شديدة الأهمية النظرية جوزيف ناي في القوة الناعمة ، وبفضل التقارير الصادرة من تلك المؤشرات يمكنك بنظرة واحدة معرفة ترتيب 30 دولة تقدماً في مؤشرات القوة الناعمة على مستوى العالم.
مقارنة القوة الناعمة والقوة الصلبة:
التهديد باستخدام القوة في إطار نمط الردع أو الإجبار شكل من أشكال القوة الصلبة ومن المتعارف عليه أن هذا الشكل من أشكال القوة يوافق القوة العسكرية في كثير من الأحيان بغرض الدفاع أو الهجوم ضد الخصم ، فالدفاع يهدف إلى منع الطرف المقابل من تحقيق أهدافه عن طريق صد أو هجوم يتم شنه على الدولة ، أما الهجوم هو مبادرة الدولة باستخدام قوتها العسكرية ضد دولة أخرى بهدف إلحاق الهزيمة ، والأمثلة على هذه القوة المدمرة كثيرة ، بدأ من الحرب العالمية الأولى والثانية وما خلفته من دمار استمر على مدى سنين حيث كانت الحرب العالمية الثانية أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية مات عشرات الملايين من الناس بسبب الإبادة الجماعية والجوع والمجازر وهذا نتاج سلوك نهج القوة الصلبة التي كانت متبعة بين الدول في القرن العشرين.
ولكن بمطلع القرن الواحد والعشرين بعد ما تم صياغة مفهوم القوة الناعمة من قبل جوزيف ناي عام 1990 أدركت الدول العظمى قوة لم تستخدمها من قبل قوة بلغة عصرية حديثة لا تخلف دمار وتتبع لغة الحوار بدون أي خسائر مادية قوة تحقق مصالح دولية في إطار السلام وتحقيق المصلحة المشتركة للطرفين.
فلا يوجد أي وجه للمقارنة فيما بين استخدامنا القوة الصلبة مقابل مزايا القوة الناعمة، فالثانية تقوم على مبدأ التعاون الدولي ونلاحظ توغل هذه القوة مؤخراً في الكثير من النشاطات منها التعليمية مثال على ذلك برامج المنح الدراسية التي يتم تقديمها سنوياً من قبل بريطانيا مثل منحة تشيفنينغ بتمويل من مكتب وزارة الخارجية والكومنولث والمنظمات الشريكة، وكذلك منحة الفولبرايت حيث تدير هذا البرنامج منظمات تعاونية ومكتب الشؤون التعليمية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية ويتلقى تمويلاً من الكونغرس الأمريكي.
هذه المنح والبرامج واحد من عدة برامج التبادل الثقافي التي تهدف إلى تحسين العلاقات بين الثقافات والكفاءات من خلال تبادل الأفراد المتخصصين والإفادة والاستفادة من معرفتهم ومهاراتهم.
نماذج القوة الناعمة مختلفة ومتنوعة وكذلك الفائدة والنفع الذي يأتي من بعدها واسع الانتشار على المدى البعيد، فلا وجه للمقارنة بين القوتين فشتان بين الثرى والثريا.
الخاتمة:
مستقبل القوة الناعمة: سيطرة الشعوب على بعضها البعض وبالأخص من قبل الدول العظمى والدول التي تليها وتتبع سياستها والمدخل الأساسي لهذه السيطرة الثقافة والإعلام ومجال الاتصالات، ولكن يوجد وجهان لهذه السيطرة مما يجعل الطرف الثاني يؤمن بالجانب الإيجابي ويتغاضى عن الجانب الذي قد يكون سلبي على المدى البعيد لما حقق له الجانب الإيجابي من مزايا وتحقيق المصالح.
وفي ظل التطورات التقنية الرقمية الحديثة في مجالي الاتصالات والإعلام، لم تعد القوة الصلبة كافية لتحقيق أهداف الدول لذلك برزت القوة الناعمة التي تعتمد على وسائل وآليات ذكية وسهلة، مثل الثقافة والإعلام ووسائل التواصل عبر الأنترنت، هنا نستطيع ملاحظة أن مستقبل القوة الناعمة حالياً تحت مظلة تطور العالم الرقمي.