عقلية القطيع .. كيف يدمر الجهل دولاً

عقلية القطيع .. كيف يدمر الجهل دولاً
بقلم/ ياسر أبو معيلق
في خمسينيات القرن الماضي، أجرى عالم النفس الأمريكي سولومون (سليمان) آش تجربة مثيرة للغاية حول تأثير المجتمع على عقلية الفرد وآرائه.
كانت التجربة تتكون من ثمانية أفراد، سبعة منهم يعلمون بالغرض الحقيقي منها، والثامن كان متطوعاً قيل له إن هدف التجربة قياس القدرات البصرية.
أعطى آش لكل فرد من عينة التجربة صورة تحوي عدداً من الخطوط مختلفة الأطوال، وصورة أخرى تحوي خطاً واحداً، وطلب من كل فرد أن يقول بصوت عال أي من الخطوط في الصورة الأولى يماثل في طوله الخط في الصورة الثانية، على أن يكون المتطوع آخر شخص يعطي إجابته.
في البداية، كان الأفراد السبعة يعطون الإجابة الصحيحة لكل صورة يتم تقديمها لهم. ولكن مع تقدم التجربة، بدؤوا (بتعليمات من الدكتور آش) بإعطاء إجابات خاطئة.
من أصل ١٨ صورة أعطيت لعينة التجربة، أعطى الأفراد السبعة المتعاونون مع الدكتور آش إجابات خاطئة على ١٢ منها. من بين كل المتطوعين، اختار ٧٥٪ منهم الالتزام برأي الجماعة وإعطاء إجابات خاطئة. هؤلاء الـ٧٥٪ الذين أجابوا خطأ كانوا قد أعطوا إجابات صحيحة عندما كانوا وحدهم في الاختبار بنسبة ٩٨٪.
إذن، فإجاباتهم الخاطئة - بحسب استنتاج الطبيب النفسي الأمريكي - كانت بسبب رغبتهم في اتباع رأي الجماعة.
يقول عالم نفس أمريكي آخر، رولو ريس ماي: "الشجاعة في مجتمعنا لا يقابلها الجُبن، بل الامتثال":
The opposite of courage in our society is not cowardice, it is conformity
تجربة أخرى أوردها في ذات السياق، وهذه المرة من كلية العلوم البيولوجية في جامعة ليدز البريطانية عام ٢٠١٣:
في هذه التجربة، أعطى البروفسور ينس كراوزه عينة الدراسة الحرية التامة للمشي في قاعة كبيرة، ولكنه اختص عدداً قليلاً من الأفراد بتعليمات مفصلة للمشي في مسار معين. كان ممنوعاً على أفراد العينة التواصل مع بعضهم البعض، وكان عليهم إبقاء مسافة معقولة بين كل واحد منهم.
نتيجة الدراسة كانت أنه، وفي كل المحاولات دون استثناء، شكل الأفراد "الأحرار" تجمعاً عفوياً مشى وراء من تلقوا تعليمات البروفسور. الأغرب من ذلك هو أنهم قالوا فيما بعد إنهم لم يكونوا يدركون بأنهم يتبعون أحداً.
خلاصة التجربة، بعد عدة تحويرات وتغييرات في المكان وحجم المجموعة وعدد من يتلقون التعليمات المفصلة، كانت أن أقلية بنسبة ٥٪ تكفي للتأثير على الـ٩٥٪ الأخرى لتتبعها، سواء في المشي أو في أمور أخرى، بحسب البروفسور كراوزه.
ما الهدف من هذا المقال؟
- أن تدركوا أن إجماع الناس على رأي ما لا يجعله بالضرورة صحيحاً. صحة أمر ما تأتي من اتفاقه مع المنطق والعقل، وليس من عدد من يتبنونه.
- أن تعوا لكونكم تابعين أم متبوعين .. وفي الحالتين أن تنتبهوا إلى ما عليكم من واجبات ومسؤوليات: واجب تصحيح المتبوع لو كنت تابعاً، ومسؤولية اختيار الطريق الصحيح لو كنت متبوعاً.
- ألا تحقّروا من رأي أو فكرة فقط لأنها ليست سائدة، أو تخرج عما هو مألوف ومعروف، فلربما يكون فيها الحل والإنقاذ.
(الصورة رمزية)