مستقبل حكومة نتنياهو

كتبت: منة الله عبد المجيد
باحثة متخصصة في الشئون السياسية
مقدمة
منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، والتي شهدت أحداث "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة حماس، وما تركه من صدمة كبيرة لإسرائيل؛ حيث أنها كانت من غير المتوقع بالنسبة لإسرائيل حدوث ذلك وخاصة في ذكرى أكتوبر للعام الماضي ولكنها صُدمت باقتحام السياج الذى يفصل قطاع غزة عن الأراضي الإسرائيلية، ونجاحهم في أسر عدد من المستوطنين الإسرائيليين وكذلك تدمير عدد من المعدات العسكرية الإسرائيلية ولكن جاء الرد الإسرائيلي أكثر صعوبة ودموية حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن البلاد في حالة من الحرب وقد قالها متوعدا لحماس وعم الخراب والدمار في قطاع غزة، ومن الجدير بالذكر أن تلك الحرب أُطلق عليها "الحرب الكاشفة" حيث أنها لها تأثير واضح على الصعيدين الإقليمي والدولي حتى أن القوى الدولية الكبرى التي تمتلك سياسات الضغط حالت دون تحقيق نتيجة مرضية تجاه تلك الحرب الدائرة، حيث أنها لم تنهى العدوانية من جانب إسرائيل على الشعب الفلسطيني ومن ناحية أخرى كشفت تلك الحرب أن العالم أصبح يشهد معارضة متزايدة للنفوذ الغربي بشكل كبير، وإذا تحدثنا عن حكومة نتنياهو الحالية ومدى تأثير استمرار وجودها على مستقبل الحرب في غزة سوف نجد أن الأمر يزداد سوءاً مع بقاء حكومة نتنياهو التي تعد هي التي تحكم إسرائيل للمرة السادسة بعد أن كان نتنياهو رئيساً للحكومة على فترات متباعدة بين الأعوام للمرة السادسة يعلن نتنياهو تشكيله للحكومة، بعد ان كان رئيسا للوزراء في فترتين متباعدتين بين الأعوام 1996-1999 و2009-2021 ويرى عدد من المحللون السياسيون أنه الأسوأ في تاريخ إسرائيل وذلك يرجع إلى السياسة الداخلية التي يتبناها إلى الوقت الحالي .
المحور الأول: الحرب علي غزة في إطار حكومة نتنياهو:
في ظل بقاء الهجوم الذى شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر كان يعد بمثابة فشل ذريع للمؤسسات الأمنية والاستخباراتية في ظل بقاء نتنياهو في الحكم والذى يعد أطول رئيس وزراء استمر في السلطة _ومن وجهة النظر الإسرائيلية_ حقق إنجازًا دبلوماسيًا غير مسبوق ولكن في ظل الأحداث التي حدثت في الفترة الماضية أدت إلى انقلاب الرأي العام ضده في الشارع الإسرائيلي حيث أن هجوم السابع من أكتوبر كان بمثابة القشة التي جاءت لتهدم ما تبقى من الإرث السياسي لنتنياهو ومن الجدير بالذكر أن الرأي العام الإسرائيلي كان مشتعلاً بالفعل ضد نتنياهو قبل أحداث السابع من أكتوبر حيث يعود ذلك إلى سعى نتنياهو إلى عمل مجموعة من التعديلات في النظام القضائي مما تسبب في حدوث حالة من الانقسام الداخلي وأيضاً حدثت موجة من الاحتجاجات استمرت لشهور، كما قامت حكومة نتنياهو بمجوعة من الاعمال العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وذلك بهدف إرضاء حكومته التي تضم أحزاب متطرفة كما تم الاستيلاء على الكثير من الأراضي الفلسطينية بغير حق بطرق غير قانونية واقتحام ساحة المسجد الأقصى مرات متكررة كما أن الكثير من الإسرائيليون حملوا نتنياهو مسؤولية تلك الظروف التي ادت إلى انهيار قطاع غزة وكذلك نظام الدفاع الإسرائيلي في جنوب إسرائيل وذلك ما تم التأكيد عليه من قبل عدد من استطلاعات الرأي الإسرائيلية منها استطلاع الرأي الذى صدر من قِبل مركز الحوار الإسرائيلي في أحداث أكتوبر 2023، والذى نصت على أن 56% من الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو عليه أن يستقيل في نهاية تلك الحرب الدائرة وأن 60% من الإسرائيليين يعتقدون أن حكومة نتنياهو هي المسبب للفشل الأمني والذى جعله اكثر وضوحاً الهجمات التي قامت بها حماس ضد حكومته.
المحور الثاني : استطلاعات رأى حول مستقبل حكومة نتنياهو
ينظر إلى طوفان الأقصى أنها بمثابة الصاعقة التي وقعت على إسرائيل، والتي لم يتم التدبير لها ولم يكن من المتوقع حدوثها بالنسبة لإسرائيل، فمن المتوقع أن تلك الأزمة سوف تكون إعلان غير مباشر عن انتهاء مسيرة نتنياهو السياسية حيث يرى بعض الباحثين أن موقف نتنياهو أصبح ضعيف وعلى المستوى الدولي من الممكن أن يفقد الدعم الغربي له وذلك في ظل حالة الدمار الغير مسبوق التي حدثت لغزة بجانب ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين بسبب الهجمات المستمرة بشكل يومي، وعلى المستوى المحلي أيضاً من غير المحتل بالنسبة للإسرائيليين نسيان الفشل الأمني والاستخباراتي لنتنياهو والذى كان سبباً في وقوع هجوم 7 أكتوبر وفى ذلك الصدد أشارت عدد من استطلاعات الرأي التي أجريت بواسطة صحيفة معاريف في 10نوفمبر 2023 إلى أن 52% من الإسرائيليين يؤيدون عدم بقاء نتنياهو في السلطة وفى المقابل 26% فقط مؤيدين بقاءه في السلطة ويعتقد البعض أيضاً أن مقدار الفشل الأمني في صد هجمات حماس سوف يجبر نتنياهو في النهاية إلى التنحي من منصبه.
وكان هناك عدد من استطلاعات الرأي حول مستقبل الحرب حيث كشف استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للدراسات في واشنطن في الولايات المتحدة، في 21 مارس 2024، أن 46% من الشباب الأمريكي يرون أن الرد الإسرائيلي على هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة رداً غير مقبول؛ كما أشارت نتائج الاستطلاع إلى وجود انقسام في الشارع الأمريكي بشأن الحرب على غزة، كما أكدت النتائج أن معظم الشباب يرفضون الحرب على غزة ويرون ان السلوك الإسرائيلي في الحرب غير مقبول كما رأى 53% من كبار السن أن الرد الإسرائيلي مقبول في مقابل 29% من ذات الفئة رأوا أن الرد الإسرائيلي مقبول، ولكن لم يأت هذا الاستطلاع بجديد حول وجهة نظر اليهود الأمريكيين حول الحرب على غزة حيث أشار الاستطلاع أن 62% من اليهود الأمريكيين يرون أن سلوك إسرائيل مقبول.
المحور الثالث: سيناريوهات حول مستقبل حكومة نتنياهو
يوجد عدة سيناريوهات حول مستقبل حكومة نتنياهو يتمثل السيناريو الأول في بقاء حكومة نتنياهو وتمسك الائتلاف الحزبي الحاكم بمقاعده وإدراكه أن حل الكنيست الحالي والذهاب إلى انتخابات مبكرة ليس حلاً ولن يجلب له نفس المقاعد التي لديه الأن ولكن يوجد هناك حالات قانونية تحول دون بقاء نتنياهو في السلطة والتي تتمثل في:
- نزع الثقة عن حكومته بأغلبية 61 عضو وفي تلك الحالة يتم حل الكنيست بشكل فورى والعمل على تحديد موعد انتخابات مبكرة وذلك وفقاً ل" قانون أساس الحكومة ".
- عدم النجاح في تمديد قانون "أنظمة الطوارئ" الإسرائيلي الذى ينص على معاملة المستوطنين بالضفة الغربية معاملة المواطنين الإسرائيليين.
- عجز رئيس الوزراء عن أداء مهامه وقد تم ذلك التعديل في القوانين في مارس 2023 على مثل عجزه لأسباب عقلانية أو جسمانية.
- إدانة رئيس الوزراء بتهم جنائية ففي تلك الحالة يتم إصدار حكم قضائي ضده ولكنه يستغرق مدة طويلة قد تصل لعام ويعقبه عام أخر للاستئناف.
أما عن السيناريو الثاني يتمثل في سقوط حكومة نتنياهو وهو احتمال قائم ولكنه يرتبط في تحقيقه بتماسك الائتلاف الحكومي المكون للحكومة، فيما يلي بعض الحالات التي من خلالها سقوط حكومة نتنياهو :
- أن يقوم نتنياهو بعقد صفقة سياسية على أن يتم بموجب تلك الصفقة إسقاط بعض التهم عنه مقابل تنحيه من منصبه أو التوقف عن الترشح للانتخابات.
- حدوث انقسام داخلي في حزب الليكود حيث يتم ذلك في حالة اتجاه بعض من أعضاء الكنيست إلى التصويت ضد حكومة نتنياهو.
ختامًا، وإجمالاً يوجد ضبابية وعدم وضوح حول مستقبل حكومة نتنياهو وذلك يرجع إلى الضغوط الداخلية والخارجية وكذلك دور المعارضة الرأي العام، ولكن يبقى سيناريو استمرار الحكومة أكثر رسوخاً من سيناريو انهيارها وخاصة إذ لم يحدث أي متغير جديد على الساحة الإسرائيلية وغالباً لن يحدث أي تغيير إلى مع نهاية الحرب وتحقيق إنجاز عسكري حاسم يغير حسابات مختلف الأطراف.