المواجهة الإيجابية للأزمات الاقتصادية والمالية التى تهيمن على الجنوب العالمى

المواجهة الإيجابية للأزمات الاقتصادية والمالية التى تهيمن على الجنوب العالمى

بقلم/ كريبسو ديالو


منذ أيام قليلة حذر رئيس بوتسوانا "موكجويتسي ماسيسي" من أن بلاده قد تقطع العلاقات التجارية مع "دي بيرز" شركة متعددة الجنسيات لها الريادة في مجال التعدين ومقرها اليوم في لكسمبورغ. إذا رفضت محادثات اعادة التفاوض بشأن اتفاقيات البيع والشراء الخاص بالماس...أفريقيا هي أكبر منتج للماس في العالم بقيادة بوتسوانا ، بوتسوانا تحصل على ٢٥٪ فقط من قيمة الماس (حتى عام ٢٠٠٠ كانت ١٠٪ فقط بموجب اتفاق٢٠١١) وباقي ال ٧٥٪ يذهب إلى شركة "دي بيرز". 

موكجويتسي ماسيسي عضو حزب بوتسوانا الديمقراطي منذ أن شغل منصبه في ١ أبريل ٢٠١٨. فتح مفاوضات مع الشركة لكن تاخرت بسبب تفشي فيروس كورونا. منذ عدة أيام قال ماسيسي في تجمع جماهيري حاشد في "موشوبا"، على بعد ٦٥ كيلومتراً من العاصمة "جابورون": "الآن حصلنا على نظرة ثاقبة حول كيفية عمل سوق الألماس واكتشفنا أننا كنا نتلقى أقل مما ينبغي أن نحصل عليه. اكتشفنا أيضاً أن الألماس لدينا يحقق الكثير من الأرباح وأن اتفاقية (٢٠١١) لم تكن مفيدة لنا. اذا لم نحقق وضعاً يربح فيه الجميع، فسيتعين على كل طرف أن يحزم حقائبه ويرحل من الاتفاقية".

في عام ١٨٨٨ أسس «سيسيل رودس» شركة «دي بيرز» للتنقيب عن أول مناجم الألماس في جنوب القارة الأفريقية بحلول عام ١٨٨٩ قام سيسيل رودس بضم شركات إنتاج الألماس كلها في شركة واحدة تحت اسم شركة دي بيرس للمناجم الموحدة وبذلك يكون رودس قد قام بتأسيس الشركة الاحتكارية الوحيدة للألماس في جنوب القارة الأفريقية، وفي غضون بضع عشرات السنين تحولت «دي بيرز» إلى شركة عالمية تسيطر على سوق الألماس من دون منازع. وفي عام ١٩٠٢ توفي مؤسس الشركة، وتركها في وضع رائع، حيث استحوذت على قرابة ٩٠٪ من سوق الماس عالميًا طبعا الفضل يرجع إلى الألماني "إرنست أوبنهايمر" هو من قام تحويل الشركة إلى إمبراطورية عالمية. هو من قام بعمل عقود احتكارية تمنع على موردي الماس للشركة ومشتريه منها التعامل مع غيرها، مما وطد من موقع الشركة الاحتكاري بشدة. وعلى مدى بقية القرن٢٠ واصلت الشركة عملها بهذا الشكل، فهي تشتري الأغلبية الكاسحة من الماس الخام، وتحدد الكمية التي تريد طرحها في الأسواق والسعر الملائم للبيع، وبالتالي كانت ما يعرف في الاقتصاد بحالة الاحتكار الكامل. (في التسعينيات هذه الشركة انخرطت في تهريب الماس أثناء الحرب الأهلية في ليبيريا وسيراليون.)

أول أمس أعلنت السلطات الانتقالية في بوركينا فاسو أنّها قرّرت "للضرورة العامّة" مصادرة ٢٠٠ كيلوغرام من الذهب بمقابل مادي من شركة سيمافو للتعدين تابعة لمجموعة "إنديفور ماينينغ" الكندية، مبررة القرار بـ “سياق استثنائي" في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خطيرة. ..أوضحت الحكومة في بيانها أن عملية الاستحواذ هذه تتم "على أساس استثنائي ومؤقت" وتجري "وفقاً لشروط شراء الذهب في السوق الدولية"....ينص قانون التعدين في بوركينا فاسو على أنّه "لا يجوز للدولة أن تصادر أو أن تضع يدها على منشآت التعدين أو المحاجر أو المواد المستخرجة منها، إلا بداعي الضرورة العامة، على أن يخضع ذلك لتعويض عادل ومسبق" يتمّ تحديده باتفاق الطرفين أو عن طريق القضاء سواء أكان عبر التحكيم الدولى أو القانون العام.....في القارة الأفريقية الشركات الكندية محتكرة القطاع التعدينى لديها سجل طويل من انتهاكات حقوق انسان ونهب الموارد بصفقات مبرمة مع النخب فاسدة التي تسهل لها تخفيف المتطلبات التنظيمية لقطاع التعدين. وهذا يشمل حقوق عمال المناجم، وقوانين عمل الأطفال، واللوائح البيئية، والتعريفات الجمركية على المعادن.

هذه الخطوات والقرارات من وجهة نظري ليست طاردة للاستثمار أو نتاج استعراض سياسي، بل نوع من المقاومة للتدفق المالي غير المشروع الكثير من طرق الفساد، التي تسحب الثروة من إفريقيا، ومعظمها يجري في القطاع الاستخراجي. هذه النوع من الشركات متعدد الجنسيات غير ملائكي، بل يستخدم عدداً لا يحصى من التكتيكات الملتوية من إدخال فواتير مزورة، وتسعير التحويلات، وغيرها من التحايلات التجارية، والتهرب من الضرائب، والمراوغة في العائدات، والرشوة، وسرقة الأرباح بشكل كلي. علاوة على أن هذه الشركات تطلب أن تنقل أرباحها خارج أفريقيا بالعملة الصعبة، حتّى لو كانت العقود النموذجية تسمح بدفع التكاليف والإيرادات بالعملات المحلية، وهذا من شأنه أن يرفع مستويات الديون الخارجية. كل هذه عوامل أدت الى استنزاف للموارد غير المتجددة دون تعويضها، إلى انخفاض الثروة الصافية في القارة الأفريقية بشكل سريع منذ عام ٢٠٠٠ حتى البنك الدولي يعترف بأن ٩٠٪ من بلدان جنوب الصحراء الإفريقية عانت من تراكم سلبي في الثروة الصافية ذلك لأن الاستنزاف الذي يجري يحدث دون حتى اللجوء إلى الطرق التعويضية البسيطة المستخدمة في النرويج وأستراليا وكندا، والتي تعتمد اقتصاداتها أيضاً على الموارد.

هذه الدول لم تقم بإلقاء باللوم على تباطؤ التجارة العالمية، أو الحرب الروسية - الأوكرانية، أو المؤامرات الكونية، أو الظروف الاقليمية. ولكن خطورة الوضع الاقتصادي الراهن حتم عليهم التوقف وإعادة تقدير الموقف والعمل على بناء الحد الأدنى من التوافق حول بعض الأولويات الملحة بدلا من البحث عن مبررات أو السعي لإرضاء الظمأ الشعبوي.

مصادر الأخبار :

https://www.reuters.com/.../burkina-faso-buys-200-kg..

https://www.voanews.com/.../botswana-s.../6962872.html