الحرائق وأزمات التغير المناخي

الحرائق وأزمات التغير المناخي

 بقلم/  محمد ماجد بحيري

خبير بقطاع إدارة الأزمات والكوارث والحدّ من المخاطر

مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار – مجلس الوزراء

تُعتبر الحرائق من الكوارث شديدة الخطورة نظرًا لما تُخلفه من دمار بالمساكن والمنشآت والطبيعة بوجه عام، وخسائرها تمتد لصحة الإنسان والممتلكات والبني التحتية، وفي الآونة الأخيرة شهدت بعض دول العالم خاصًة في أوروبا والأمريكيتين وأسيا موجات حرارة مرتفعة غير مسبوقة وجفافًا أكثر تواتراً، وهما مزيجًا مثاليًا من الظروف المواتية لاندلاع حرائق الغابات، حيث دمرت آلاف من الهكتارات، ومما جعلت مهمة مكافحة حرائق الغابات أصعب.

وإذا بحثنا في أسباب كارثة الحرائق الكبرى، سنجد أنها تنقسم إلى نوعين، الأول من صنع الإنسان، والتي معظمها تحدث بالمؤسسات أو بالمنازل، وترجع لنقص الوعي بإجراءات الأمن داخل المنشآت بشكل عام أو داخل المنازل، وعدم الكشف الدوري على طفايات الحريق وتغييرها إلا بعد حدوث الحريق، كما أن زيادة الأحمال على الكابلات الكهربائية والتوصيلات، تعد أحد الأسباب الرئيسة لحدوث الماس الكهربائي، مما يؤدي إلى كثير من الحرائق، بالإضافة إلى التشغيل غير السليم للأجهزة الكهربائية لساعات طويلة دون منحها فترات راحة، وأن كثيرًا من المنشآت والمصانع يفتقد لوجود أجهزة الأمن الصناعي بمعناه الحقيقي والإجراءات اللازمة في هذا الإطار، كالحصول علي التراخيص من الجهات الرقابية، وأنظمة التفتيش المُتبعة علي وسائل التأمين والسلامة، وكذلك الأفراد المدربون علي استخدام تلك الأدوات‏، أما النوع الآخر وهي الحرائق من صنع الطبيعة، والناتجة عن تقلبات الطقس وتغير المناخ كحرائق الغابات، والتي تنتج عن ظواهر طبيعية مثل (الرعد، البرق، الرياح، ارتفاع درجات الحرارة، الفيضانات).

يعتبر العلماء أن تغير المناخ سيجعل الطقس أكثر تطرفًا، وبالتالي سيشهد العالم خلال الأعوام القادمة حرائق أشد وحالات تدمير أكبر لا يمكن إيقافها، فالاحترار العالمي كأحد الظواهر الناتجة عن تغير المناخ يرتفع بوتيرة سريعة، والذي أدى إلى زيادة حرائق الغابات ورفع من شدتها وجعلها أكثر خطورة، وطبقًا لدراسة نُشرت في مجلة " Climate" أشارت إلى أنه من المحتمل أن يكون تغير المناخ قد جعل موجات الحر أسوأ، مما أدى إلى تلك الحرائق، ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة أوائل عام ٢٠٢٢، من المحتمل أن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان وما ينتج عنه من جفاف قد يجعلنا نشهد عدد حرائق أكبر بنسبة ٣٠٪ في غضون ٢٨ عامًا، وأن بعض المناطق ستكون أكثر عرضة لاجتياح النيران، ومن المتوقع أن تشهد مناطق من إفريقيا وجنوب الصحراء والبرازيل وغرب أستراليا ارتفاعًا هائلًا في نشاط الحرائق، كما متوقع لدول لم تشهد تاريخيًا حرائق غابات تزايدًا في عدد الحرائق مثل أجزاء من أوروبا الشرقية وإندونيسيا، حيث ستؤدي درجات الحرارة المتزايدة إلى تغير الطقس، وزيادة احتمالية حدوث نوبات الطقس الجامحة، فظاهرة الاحتباس الحراري عالمية ولكنها ذات تأثيرات محلية، وتكمن خطورتها في اختلال النظام الحيوي للكرة الأرضية بوجه عام، من زيادة متوسط درجة حرارة الغلاف الجوي، وذوبان الجليد في القطبين وارتفاع مستوى أسطح البحار والمحيطات، مما يؤدي إلى غرق الدول الجزرية والدلتا، واختلال أنماط الأمطار ونوبات من الفيضان والجفاف، فضلًا عن تدمير التنوع البيولوجي، علاوة ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة في باطن الأرض قد يجعل احتمالية حدوث انهيارات أرضية أو تصدعات أو زلازل خاصًة في قاع البحار والمحيطات قريبة جدًا، وبصورة ربما  تكون أقوى، مما يُنذر بحدوث موجات تسونامي لبعض المدن الساحلية.

ولعل الحرائق ليست بكارثة بعيدة عن سابقيها، فالحرائق لها من التداعيات والآثار المترتبة عليها الكثير والكثير، فقد أدت موجه الحرائق التي شهدها العالم مؤخرًا، إلى عديد من التداعيات الاجتماعية والصحية، كإخلاء السكان، وعمليات الإنقاذ، وإصابة العديد من المواطنين بالحروق ومشاكل في الجهاز التنفسي على آثر استنشاق الدخان، ناهيك عن أعدادًا من الوفيات، حتى الذين لم يصابوا بشكل مباشر في الحريق قد يتعرضون لتداعيات صحية تؤثر في معيشتهم واحتياجاتهم الحياتية والنفسية، وقد تتأثر الصحة العقلية لهم سلبيًا، ويعاني بعضهم من اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب الذي يتطلب علاجًا.

ومن جانب آخر، تكون للحرائق تداعيات على الصعيد البيئي، إذ من الممكن أن تؤثر حرائق الغابات سلبيًا في جودة الهواء على بُعد آلاف الأميال، وقد يؤثر استمرار حدوث الحرائق بالغابات، إلى تقليص حجم مصرف الكربون الطبيعي في العالم تدريجيًا، ونقص في عملية امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات عديدة، وكذا خسارة مساحات كبيرة من الأشجار، ونفوق عددًا من الحيوانات التي تعيش في الغابات، بالإضافة إلى خسارة الطيور المحلية أو المهاجرة التي تعيش فيها، واحتراق التربة وكل مكوناتها البيولوجية، مما يهدد بفقدان التنوع البيولوجي.

كما تنوعت الآثار المترتبة عن حرائق الغابات على الاقتصادات الوطنية لبعض الدول، خاصة مع ارتفاع التكلفة اللازمة لإعادة تأهيلها، أو تأثيرها السلبي على حجم الأنشطة المرتبطة بصناعات الترفيه والسياحة أو الحفاظ على الثروة الحيوانية والتنوع البيولوجي، لاسيما خسارة الممتلكات وتهجير العائلات من منازلهم وخسارة شركات التأمين جراء دفع التعويضات، كما تضطر الحكومات لتخصيص مبالغ كبرى لمكافحة الحرائق من الموازنة العامة، لإصلاح البنى التحتية في مناطق الحرائق، مما يؤثر على الناتج المحلي الإجمالي للدول، فضلًا عن تأثر بعض القطاعات الخدمية كالنقل والتجارة والشركات والتعليم والمطاعم وبعض الصناعات.

وفي خضم الأحداث الجارية من صراعات تجارية دولية وإقليمية، وانتشار الأوبئة والجوائح الصحية مثل كوفيد-١٩ وجدري القرود وأنواع أخرى من الأمراض، مرورًا بالأزمة الروسية – الأوكرانية وتداعياتها التي ألقت بظلالها على شتى نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتأثر غالبية القطاعات بالأخص قطاع الطاقة الذي طالته تلك التداعيات بصورة أشد قسوة، لما له من آثار مباشرة على الدول والمجتمعات وحركة التجارة العالمية وطاقة التشغيل وسلاسل الإمداد، فضلًا عن ارتفاع أسعار النفط وبزوغ أزمة طاقة عالمية، فقد اتجهت بعض الدول للعودة مرة أخرى لاستخدام الفحم كبديل للطاقة لتشغيل المصانع حتى لا تتوقف عجلة الإنتاج، فقد ارتفعت أسعار الفحم إلى أكثر من ٤٠٠ دولار في مارس ٢٠٢٢، وبالتالي أصبح سعره يمثل ٥ أضعاف عما كان عليه في العام الماضي، ورغم ارتفاع السعر بهذا الشكل الكبير إلا أن الأسواق ما زالت تعاني نقصًا حادًا في توفيره في الوقت الراهن، وهو ما يسبب أزمة كبيرة في قطاعات عِدة بشكل لا يمكن تخيله حال استمرار أزمة الطاقة، وهنا لا مجال للحديث عن الحد من الانبعاثات الكربونية أو التوجه نحو الاقتصاد الأخضر أو استخدام الطاقة البديلة أو النظيفة لتحقيق أفضل سُبل العيش للبشرية بعيدًا عن الملوثات، ومواجهة الظواهر التي تؤدي لتغير المناخ، فقد تتغير توجهات المنظمات الدولية وتُعيد النظر في خططها المستقبلية وأهداف التنمية المستدامة والأطر الدولية المعنية بالحد من مخاطر الكوارث والتغير المناخي، وذلك بسبب تسارع معدلات العوامل المؤدية إلى اختلال النظام البيئي.

وكان انعقاد مؤتمر COP27 في مدينة شرم الشيخ نوفمبر الماضي جرس إنذار لأزمات عديدة قد تحدث للبشرية جراء التغير المناخي، وتدعو للتكاتف الدولي للتصدي للأزمات الحالية والحيلولة دون وقوع أزمات أخرى عالمية للحد من مخاطر التهديدات المحتملة، فقد دعت مصر إلى اتخاذ إجراءات كاملة وشاملة وواسعة النطاق وفي الوقت المناسب على أرض الواقع، وسيكون COP27 الانتقال من مرحلة المفاوضات والتخطيط إلى مرحلة التنفيذ لكل الوعود والتعهدات التي تم تقديمها في جلاسكو COP26.