نظرية الأمن الفكري

بقلم الباحث / محمود علاء الدين عبد الغفار
المقدمـة
الأمن منة إلهية ومنحة ربانية وعطيَّة مِنَ الله يَمُنُّ به على من شاء متى شاء والقرآن الكريم دلّ في مواضع كثيرة منه على هذه الحقيقة المباركة، ومن ذلك ما ورد في قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَامِنًا وَيُتَخَطَفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت: ٦٧]. وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ تُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُحِيَ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِّن لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص : ٥٧].
وفي موضع آخر من القرآن يذكر الله عباده بالأمن الذي هو منتهُ وعَطِيَّته، فقال في آخر سورة قريش: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْفِ [قريش : ٤،٣]
ومما يدل لأهمية الأمن وعظيم مكانته : حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري الخطمي لم قال: قال رسول الله ﷺ: (من أصبح منكم آمِنًا في سربه، معافي في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
وكم سأل رسول الله ﷺ ربه أن يمن عليه بهذه النعمة، فعن عبد الله بن عمر من قال:لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي .
وعن أبي سعيد الخدري . قال: قال رسول الله ﷺ «اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا».
فهذا رسول الله ﷺ - قدوتنا وأسوتنا - كل يوم في الصباح والمساء يدعو بهذه الدعوات، وفيها: سؤال الله الأمن، وسؤاله الحفظ، وسؤاله العافية، فهذه الأمور لا تُنالَ إِلَّا مِنَ الله، ولا تُطلب إِلَّا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . ومن ثم كانت الحاجة لإيجاد مجموعة من المفاهيم والتعريفات والافتراضات التي تنتظمها نظرية خاصة بالأمن الفكري.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره :
على الرغم من تعدد الدراسات العلمية والمقالات التي عالجت موضوع الأمن الفكري، من جهة. وتنوع النظريات المعالجة للانحراف الفكري والسلوكي من جهة أخرى. إلا أن هذا الحقل العلمي يفتقر لنظرية مقررة لموضوع الأمن الفكري، شارحة لكيفية التعاطي معه، متضمنة لأسس تحقيقه، والتي من خلال الرجوع إليها يتم إيجاد حلول لما يطرأ على المجتمع من مهددات لأمنه واستقراره الفكري.
منهج الدراسة :
المنهج المسلوك من خلال هذه الدراسة، هو المنهج الاستقرائي، والذي من خلاله يتم تتبع أهم النظريات المفسرة للانحرافات الفكرية والسلوكية، والاستفادة منها لإيجاد نظرية علمية للأمن الفكري.
خطة البحث:
سنتناول في بحثنا هذا جملة من النظريات المفسرة للانحراف الفكري
لنخلص من خلالها إلى النظرية المختارة عن الامن الفكري
ووقع البحث في ثلاثة فصول:
الفصل الأول:
المبحث الأول : تعريف الأمن الفكري لغة واصطلاحا
المبحث الثاني: تعريف الانحراف الفكري
والفصل الثاني، خرج في مبحثين:
المبحث الأول: بيان بالنظريات المختلفة المفسرة للانحراف الفكري
١ - النظرية النفسية.
٢ - النظرية الاقتصادية.
٣- النظرية الاجتماعية
٤ - نظرية صراع الثقافات
٥ -النظرية الدينية
المبحث الثاني: تقييم للنظريات السابقة
الفصل الثالث : ذكر النظرية المقترحة للأمن الفكري
الفصل الأول
المبحث الأول : تعريف الأمن الفكري
إن الأمن الفكري بدلالته الاصطلاحية هو :
١ - (النشاط والتدابير المشتركة بين الدولة والمجتمع لتجنيب الأفراد والجماعات شوائب عقدية أو فكرية أو نفسية، تكون سببا في انحراف السلوك والأفكار والأخلاق عن جادة الصواب، أو سببا للإيقاع في المهالك ).
٢- وقيل إن الأمن الفكري: (هو حماية فكر المجتمع وعقائده من أن ينالها عدوان أو أن ينزل بها أذى، ... لأن ذلك من شأنه إذا حدث أن يقضي على ما لدى الناس من شعور بالهدوء والطمأنينة والاستقرار، ويهدد حياة المجتمع) .
٣- وذهب بعض الباحثين إلى القول بأن الأمن الفكري هو : (تأمين خُلُو أفكار وعقول أفراد المجتمع من كل فكر شائب، ومعتقد خاطئ، مما قد يشكل خطرا على نظام الدولة وأمنها، وبما يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار في الحياة الاجتماعية، وذلك من خلال برامج وخط الدولة التي تقوم على الارتقاء بالوعي العام لأبناء المجتمع ).
ولا شك أن هذه التعاريف الثلاثة قاصرة، إذ هي تتحدث عن الوسائل والسبل الكفيلة بتحقيق الأمن الفكري، وهذا لا يدخل في التعريف.
- وقيل: إنه سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه من الانحراف، والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية والسياسية، وتصوره للكون بما يؤول به إلى الغلو والتنطع، أو إلى الإلحاد والعلمنة الشاملة .
ه - وعرفه أحدهم فقال: (هو التزام واعتدال ووسطية وشعور بالانتماء إلى ثقافة الأمة وقيمها، فضلا عن أنه يعني فيما يعني إليه، حماية عقل الإنسان وفكره، ورأيه في إطار الثوابت الأساسية، والمقاصد المعتبرة والحقوق المشروعة المنبثقة من الإسلام عقيدة وشريعة) .
٦ - وعرفه آخر فقال: (هو أن يعيش الناس في بلدانهم وأوطانهم وبين مجتمعاتهم، آمنين مطمئنين على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية، ومنظومتهم الفكرية ).
٧ - وبعضهم يعبر عنه بالأمن الثقافي فيقول: (الأمن الثقافي للمجتمع يعني: وجود قيم وتصورات تفرز ضوابط سلوكية، من شأنها أن تشبع الأمن في النفوس، وتجافي الجنوح في العنف).
المبحث الثاني : تعريف الانحراف الفكري
تعددت تعاريف الانحراف الفكري لدى الباحثين، إلا أنها تصب في معنى واحد، ومن هذه التعاريف ما يلي:
١ - ذلك النوع من الفكر الذي يخالف القيم الروحية والأخلاقية والحضارية للمجتمع، ويخالف الضمير المجتمعي، وأهم من ذلك كله هو ذلك النوع من الفكر الذي يخالف المنطق، والتفكير السليم، ويؤدي إلى ضرب وتفكك وحدة وكيان المجتمع .
٢- وقيل في تعريفه: اختلال في فكر الإنسان وعقله والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه، وتصوراته، وتوجهاته للأمور الدينية والسياسية، إما إلى الإفراط أو إلى التفريط .
٣- وعرفه آخر فقال: هو الاستخدام الخاطئ للعقل، والميل به عن جادة الصواب، مما ينتج عنه الضرر بالنفس، والإضرار بالآخرين .
وبعد النظر في هذه التعاريف يمكن القول بأن الانحراف الفكري هو : ميل الفكر عن جادة الصواب، وخروجه عن الوسطية والاعتدال التي أمر بها الإسلام، وتمسكه بطرف الأمر دون حقيقته.
الفصل الثاني
المبحث الأول : بيان بالنظريات المختلفة المفسرة للانحراف الفكري
١- النظرية النفسية.
وهي النظرية التي ترجع . سبب، الانحراف الفكري والسلوك الإجرامي للاضطرابات النفسية للمجرم. فالسلوك الإجرامي الشاذ ناتج عن نفسية مريضة، والمجرم ما هو إلا مريض نفسي يعاني من الصراعات النفسية التي تدفع صاحبها لارتكاب الجريمة. ويعتبر (سغموند فرويد) مؤسس هذه المدرسة.
٢- النظرية الاقتصادية.
ومن العلماء المتحمسين لهذه النظرية (بونجر) ، وهذه النظرية تربط بين الإجرام والفقر، إذ أن عدم إشباع المرء لحاجاته يدفع للصراع بين الطبقات، وبروز السلوك الإجرامي كنتيجة لذلك.
٣ - النظرية الاجتماعية.
وواضع هذه النظرية هو : عالم الاجتماع اميل دوركايم)، والذي يميل إلى أن الجريمة هي ظاهرة اجتماعية ترتبط بالمجتمع، فالتغير الاجتماعي يفضي إلى تغير في تركيبة المجتمع، وهذا التغيير السريع يتسبب في ضعف المعايير الثقافية ، ولا تنضبط سلوك الأفراد، وتنعدم القدرة على توجيه هذه السلوكيات، فيزداد السلوك المنحرف.
٤ - نظرية صراع الثقافات
وهذه النظرية صاحبها وواضعها هو : العالم الأمريكي ( ثورتين سيلين) حيث ركز على تحليل الجريمة من خلال الصراع الثقافي والناتج عن التغير السريع في المجتمع.
٥- النظرية الدينية
وهذه النظرية تربط بين ارتكاب الجريمة وضعف الوازع الديني، ولقد أكد ابن خلدون على الدور الذي يقوم به الدين في عملية الضبط الاجتماعي.
المبحث الثاني: تقييم للنظريات السابقة
وبالنظر في النظريات السابقة المفسرة للانحراف الفكري، وظهور السلوك الإجرامي، يتبين لنا ضعف الاتجاه الذي يفسر الظاهرة الانحرافية الفكرية بمتغير واحد أو عدة متغيرات وذلك لأننا نجد أن هناك عدة فراد يشتركون في نفس الظروف الوقتية والزمانية والاجتماعية، ولكن ينحرف سلوك بعضهم ، ولا ينحرف سلوك الآخرين وأن الاتجاه الأقرب للواقع هو الاتجاه المتكامل ، والذي يجمع بين العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية.
الفصل الثالث : ذكر النظرية المقترحة للأمن الفكري
مما سبق يخلص البحث إلى نظرية الأمن الفكري، التي توجد بها الأسس الرئيسية للنظرية ، والمتمثلة في: الأسئلة، الفرضيات، المفاهيم، التعميمات
١ - الأسئلة:
- لماذا ينحو البعض للتطرف والغلو؟
- ما السبل التي تحمي | الأمن الفكري داخليًا خارجيًا؟
- ما سبل وضع سياسات واستراتيجيات لتعزيز الأمن الفكري والمحافظة عليه؟
٢ - الفرضيات
- كلما كان هناك بيئة ملائمة للتطرف كان هناك اتجاه للعنف.
- كلما غابت التنشئة السليمة كان الخلل في الأمن الفكري.
- كلما انتشرت ثقافة التسامح، كان هناك قبول للآخر.
٣- المفاهيم
الأمن الفكري : هو ما توافق مع إجماع الأغلبية من الأمة نحو عمل أو قضية.
- التسامح: هو التساهل مع الآخرين بفكرهم وممارساتهم.
- الإرهاب: هو كل فعل يخيف ويفقد الأمن في المجتمع.
٤ - التعميمات:
- من العوامل الداعمة للأمن القرآن والسنة والمعرفة الصحيحة للدين.
- من العوامل الداعمة للأمن الإلمام بالقوانين والأعراف والعادات.
المراجع والمصادر
- نصير محمد محمد، الأمن والتنمية ص ١٢.
- المجذوب أحمد علي الأمن الفكري والعقائدي مفاهيمه وخصائصه وكيفية تحقيقه ص ٥٤.
- حيدر بن عبد الرحمن، الأمن الفكري في مواجهة المؤثرات الفكرية ص ٢٣.
- الوادعي، سعيد بن مسفر الأمن الفكري الإسلامي مجلة الأمن والحياة، العدد ١٨٧ص ٥٠.
- الجحني، علي فايز رؤية للأمن الفكري وسبل مواجهة الفكر المنحرف، ص ٥١.
- السديس عبد الرحمن الشريعة الإسلامية ودورها في تعزيز الأمن الفكري ص ١٦.
- ولدبيه، عبد الله الشيخ المحفوظ، خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام ص٣٤
- طالب، أحسن مبارك، الأسرة ودورها في وقاية أبنائها من الانحراف الفكري، ص ١١٦.
- المغامسي، سعيد بن فالح الوسطية في الإسلام وأثرها في تحقيق الأمن، ص ٤٠ .
- القريشي، خالد بن عبد الرحمان الانحراف الفكري، رؤية دعوية، ص ١٢٩.
- الدعجة، حسن عبد الله نظرية الأمن الفكري (ص: (٤٢).
(حقوق الصورة Washington University in St. Louis).