المفكر الكبير حلمي شعراوي يكتب: القرن الإفريقى والبحر الأحمر...إلى أين؟

المفكر الكبير حلمي شعراوي يكتب: القرن الإفريقى والبحر الأحمر...إلى أين؟
لم يلتفت أحد كثيرا إلى تكرار الصحف الإثيوبية مؤخرا لتصريحات رئيس الوزراء " أبيى أحمد " عن إمكان دول القرن الإفريقى خاصة ، والبحر الأحمر رسم خريطة للقرن الإفريقى وشرق إفريقيا لبناء دولة قوية ، تضم إثيوبيا ، وإريتريا ، والسودان ، والصومال ، وجيبوتى ، وجنوب السودان ( سبتمبر ٢٠١٨) .
ثم جاءت تصريحات صحفية أخرى عقب إعلان الأولى مباشرة ، تتحدث عن " مسعى إثيوبى لتشكيل وحدة دول شرقى إفريقيا ، وسعى الرئيس الإثيوبى لتشكيل هذه الدولة ( وكالة أنباء إثيوبيا) ...وإذا ما تنبهنا إلى ذلك ، فهل سنسارع بإرجاعه إلى فلسفة " صفر مشاكل " التى يعلنها الرئيس الإثيوبي مع دول الجوار ، ليتحقق الأمن والسلام والاستقرار ، أم أنها ستكسب من ذلك كثيرا لو تعاونت مع الدول الكبرى فى قيادة هذه المنطقة " فى القرن والبحر " بحجة مواجهة أعمال الإرهاب والقرصنة ، بينما هى تأكيد للمصالح الأمريكية فى مواجهة النجوم الصاعدة من الصين وروسيا ؟
لايستطيع أحد بسهولة أن يحكم بأى التحليلين أقوى الآن ، خاصة وأن إثيوبيا تقود حراكا متسارعا فى أعمال المصالحات بالمنطقة ، لاينافسها فيها إلا نشاط " الإمارات المتحدة " ، بعلاقاتها وأنشطتها الساخنة مع عدد من هذه الدول ، التى يبدو بعضها ساحة للنشاط الإثيوبى أيضا ، ونذكر هنا تصريحات قريبة فى مقابلة " محمد بن زايد" مع " أبيى أحمد" فى يوليو الماضى . لأننا نكتشف أن الإمارات كانت بقوة وراء مصالحة إثيوبيا وإريتريا ( أكبر الضربات السياسية فى موازنات الحوار) ثم تتوالى بتدخل إثيوبيا ربما بالتعاون مع الإمارات أيضا فى دفع مصالحة إريتريا مع الصومال ، ثم مصالحة إريتريا وجيبوتى بجهد إثيوبى أيضا . وليبقى السؤال مفتوحا حول تعاون تركيا وقطر من زوايا أخرى فى اطار استراتيجية ، تصل فيها تركيا إلى " تأجير قاعدة فى السودان " ، وإغراق الصومال بالمشاريع ، كما يقوم الجميع ببناء قواعد عسكرية فى جيبوتى أساساً، ثم فى الصومال ، ويتم ذلك بمرونة عسكرية بين الجميع أيضا ، جعل الدول الكبرى بمختلف اتجاهاتها تتلمظ على توسيع عملية " تجارة السلاح أو المساعدات به ، وترضيات الجميع للجميع أيضا ( روسيا والصين وإيران من جهة – والغربيون من جهة أخرى .؟
وفى التحليلات العديدة التى تحاول استخلاصات لا نستطيع الجزم بقوة أحدها حتى الآن . وأضعها هنا للباحثين لأنها تستحق المتابعة . وقد رأينا ما حدث فى عدة شهور فقط بما يدعو إلى التريث ...
هناك من يبدأ من "صفر المعلومات " الدقيقة ، حول سرعة تحرك " أبيى " لبناء شخصيته عقب كاريزمات سابقة عليه ، وفى نفس الوقت استعادة حقوق ومواقع أبناء جلدته من " الأورومو" الذى يتحدى حضورهم الآن ، ما أسماه " أبيى " قلق أطراف داخلية تصدرت المشهد طويلا من قبل ، مما يجعلهم رافضين لسياسته" صفر مشاكل " التى يتبعها أبيى أحمد ( داخليا وخارجيا) " إلى حد اقتحام مكتبه شخصيا بقوات عسكرية !!
وهناك من يقول أن الأمر ليس بعيدا عن أعين الأوربيين – أو خططهم - منذ اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوربى فى يونيو ٢٠١٨ ( شهر التحركات السابق ذكرها) " لمناقشة عناصر الاستراتيجية " العالمية " للاتحاد الأوربى فى القرن الإفريقى والبحر الأحمر" ، والعناية بأمر الأردن وقبرص خاصة .. !" ولا تسمح المساحة هنا لتعداد اجتماعات " مجموعة القمم " فى أديس واسمرة والخرطوم ، مما لابد من الرجوع لتفاصيله أيضا ...
فى رأى ثالث أنه تنسيق مهذب للتعامل مع "المانحين " كل بحسب قوته مع التقدير السائد الآن بضعف النفوذ الأمريكى والفرنسى بل والبريطانى ، مقابل الزحف الكاسح للصين وروسيا والامارات ، وهذا أمر مفيد لخطط التنمية فى المنطقة ، ولا تعنى المنافسات مع " هؤلاء الأجانب " ضررا لأحد بدليل ما يقرب من وجود حوالى عشر قواعد عسكرية فى جيبوتى وحدها .
التساؤلات تلح الآن حول امكانيات قوى فرعية لدعم ظاهرة التنظيمات الإقليمية الاستقلالية ، ( الأحدث والأكثر فرعية ) لحماية استقلاليتها أمام المخالب الكبرى ، وأن " دول الشطار " تسعى حثيثا فى هذا الاتجاه ( اثيوبيا والامارات نموذجا) لحجب طموحات البعض مثل كينيا وأوغندا أو منظمات صغيرة مثل الإيجاد فى شرق إفريقيا ، أو الاستفادة من عجز السعودية عن سابق طموحاتها بسبب ما ينالها مؤخرا ... ومع عجز مصر عن الدخول فى دائرة تنافس القوة حاليا . ولا نستطيع هنا أن نتجاهل تحركات تركيا أو إيران ، التى تؤثر على بنية التجمع المحتمل للقرن والبحر ،
وعلى كل حال تظل أيضا قوة إسرائيل المهمومة بالتحركات فى هذه المنطقة ( القرن والبحر ) قلقا من اتجاه هذه المجموعة الجديدة إلى الشمال العربى بدلا من وزنها شرقى القارة تحت النفوذ الإسرائيلى
وسوف يظل " القرن والبحر " موضع تساؤلات وتحليلات متجددة ، بل واضافة ظواهر نتيجة نشوء قوى بازغة ..تأمل أن تساعد فى بناء الاستقلالية ، وليس مساعدة المتدخلين ...
ومالم نرجح بناء القوى الكبرى لمراكزها من أجل البترول والذهب والممرات البحرية بل وإسرائيل عن طريق تصفيف الطموحات الصغيرة لصالحها حتى عبر دول أصغر مثل جيبوتى والأردن وقبرص ، فإننا يمكن أن نبقى على أمل أكبر بإضافة تحركات دول "القرن والبحر" الحالية إلى مشاريع سياسية بازغة أيضا لتأكيد وضع كتل الجنوب / جنوب فى آسيا وإفريقيا .