الدكتور سعيد البطوطي يكتب: السياحة المستدامة و السياحة المسؤولة
الاستدامة هي الطموح، والسياحة المسؤولة هي ما نقوم به كمنتجين ومستهلكين وحكومات وقائمين على الوجهات السياحية من أجل تحقيق الطموح.
في كثير من الأحيان، يتم استخدام كلمة "الاستدامة" بالمعنى المجرد فقط وبشكل غير فعال في الواقع، فهي تتطلب المسؤولية أن نقول بما يجعل السياحة أفضل وشفافة حول ما نحققه.
السياحة المستدامة Sustainable Tourism هي إدارة النشاط السياحي بشكل يأخذ في الاعتبار الكامل التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمستقبلية وتلبية احتياجات الزوار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة.
والسياحة المستدامة ليست نمطا أو شكلا خاصا من أشكال السياحة، ولكن تشمل تحويل جميع أشكال السياحة إلى أن تكون أكثر استدامة، وهي جزء أساسي وهام من التنمية المستدامة بأهدافها السبعة عشرة حسب أجندة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠ والتي اعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام ٢٠١٥ وهي:
١.القضاء على الفقر
٢.القضاء على الجوع
٣.الصحة الجيدة والرفاه
٤.جودة التعليم
٥.المساواة بين الجنسين
٦.المياه النظيفة والصرف الصحي
٧.الطاقة بأسعار معقولة ونظيفة
٨.العمل اللائق والنمو الاقتصادي
٩.الصناعة والابتكار والبنية التحتية
١٠.خفض أوجه عدم المساواة
١١.المدن والمجتمعات المستدامة
١٢.الاستهلاك والإنتاج المسؤولان
١٣.الإجراءات المتعلقة بالمناخ
١٤.الحياة تحت الماء
١٥.الحياة على الأرض
١٦.السلام والعدالة والمؤسسات القوية
١٧.الشراكة من أجل تحقيق الأهداف
ويجب التمييز بوضوح بين مفهومي السياحة البيئية والسياحة المستدامة، فالسياحة البيئية جزء داخل قطاع السياحة يركز على الاستدامة البيئية، بينما ينبغي تطبيق مبادئ الاستدامة على جميع أنواع الأنشطة والعمليات والمؤسسات والمشروعات السياحية، بما في ذلك الأشكال التقليدية والبديلة للسياحة.
كما أن السياحة المستدامة تصف السياسات والممارسات والبرامج التي لا تأخذ في الاعتبار توقعات السائحين فيما يتعلق بإدارة الموارد الطبيعية (الطلب) المسؤولة فحسب، ولكن أيضا احتياجات المجتمعات التي تدعم أو تتأثر بالمشروعات السياحية والبيئة (العرض). وبالتالي تطمح السياحة المستدامة إلى أن تكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وسليمة مناخيا (على سبيل المثال استخدام الطاقة المتجددة)، وتستهلك كمية أقل من الماء، وتقليل النفايات، والحفاظ على التنوع البيولوجي والتراث الثقافي والقيم التقليدية، ودعم التفاهم بين الثقافات والتسامح، وتوليد الدخل المحلي ودمج المجتمعات المحلية بهدف تحسين سبل العيش والحد من الفقر.
أما السياحة المسؤولة Responsible Tourism والتي تم وضع تعريف لها لأول مرة بإعلان كيب تاون عام٢٠٠٢ على هامش القمة العالمية للتنمية المستدامة WSSD بأنها تعني ببساطة "تهيئة أماكن أفضل لكل من المجتمعات المحلية للعيش فيها وللضيوف لزيارتها".
والسياحة المسؤولة ليست منتجا - ولكن كل أشكال السياحة يمكن أن تكون أكثر أو أقل مسؤولية، وتتطلب من أصحاب المشروعات والمنشآت السياحية ومشغليها والحكومات والسكان المحليين ومن الزائرين أو السائحين تحمل المسؤولية واتخاذ الإجراءات من أجل أن تصبح صناعة السياحة أكثر استدامة وإظهار مسؤوليتها المجتمعية والبيئية والاقتصادية.
وينبغي أن نعلم أن السياحة المفرطة Overtourism هي تماما عكس السياحة المسؤولة Responsible Tourism ، حيث أن السياحة المسؤولة تدور حول استخدام السياحة لإنشاء أماكن ومجتمعات أفضل بالنسبة للسكان المحليين للعيش فيها، وأفضل للزيارة بالنسبة للزائرين. أما السياحة المفرطة فتنتج عن الفشل في إدارة السياحة بشكل مستدام وتؤثر بشكل سلبي على جودة الحياة في المنطقة بالنسبة للسكان المحليين أو جودة التجربة للزائرين.
وحسب إعلان كيب تاون، فإن السياحة المسؤولة تتخذ أشكالا متنوعة وتتضمن ما يلي:
- السياحة التي تقلل من الآثار السلبية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
- السياحة التي تولد فوائد اقتصادية أكبر للسكان المحليين وتعزز رفاهية المجتمعات المضيفة، وتحسن ظروف العمل لهم وتؤهلهم وتدربهم للعمل في تلك الصناعة.
- السياحة التي تشرك السكان المحليين في القرارات التي تؤثر على حياتهم وتغيرات حياتهم.
- السياحة التي تقدم مساهمات إيجابية للحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي والحفاظ على التنوع في العالم.
- السياحة التي توفر تجارب أكثر متعة للسائحين من خلال الاحتكاك المباشر مع السكان المحليين في المجتمعات الحاضنة للسياحة، وبالتالي تفهم أكبر للقضايا الثقافية والاجتماعية والبيئية المحلية وحتى السياسية.
- السياحة التي تتيح سبل الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة والمحرومين.
- السياحة التي تولد الاحترام بين الزائرين من السياح والمجتمع المضيف وتبني أواصر الثقة والاندماج بين الحضارات والثقافات وتعزيز قيم التسامح والسلام.
الإبلاغ الشفاف والقابل للتدقيق عن التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف السياحة المسؤولة والمعايير المرجعية أمر ضروري لنزاهة ومصداقية عملنا، وقدرة جميع أصحاب المصلحة على تقييم التقدم المحرز وتمكين المستهلكين من ممارسة الاختيار الفعال.
لقد تباطأنا لمدة نصف قرن وفشلنا في تطبيق المبدأ الوقائي، ولا يزال الكثيرون يأملون أو يعتقدون أن حلا سحريا غير مؤلم سيظهر. الأرض محدودة والنمو اللامحدود غير ممكن.
لقد أفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في ٢٧ مايو ٢٠٢١ أن هناك احتمالا بنسبة ٤٠٪ أن يصل المتوسط السنوي لدرجة الحرارة العالمية مؤقتا إلى١٫٥ درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الصناعة في واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة - وهذه الاحتمالات تتزايد مع مرور الوقت. إن ارتفاع درجات الحرارة يعني المزيد من ذوبان الجليد وارتفاع مستويات سطح البحر والمزيد من موجات الحرارة والطقس القاسي، وتأثيرات أكبر على الأمن الغذائي والصحة والبيئة والتنمية المستدامة.
مطلوب اتخاذ خطوات جريئة وتحويلية مطلوبة بشكل عاجل لنقل العالم إلى مسار مستدام ومرن.
هناك ثلاث قضايا لها تأثير عالمي وتشكل تهديدا وجوديا لنا ولجميع الكائنات الحية على كوكب الأرض:
- انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتغير المناخ؛
- فقدان التنوع البيولوجي والأمراض الحيوانية المنشأ؛
- النفايات البلاستيكية، التي يدخل الكثير منها إلى مجاري المياه مما يؤدي إلى تكون الجيروسكوبات gyros من القمامة في المحيطات حيث تتحلل وتدخل في السلسلة الغذائية للكائنات الحية.
تعتبر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وفقدان التنوع البيولوجي على نطاق واسع تهديدات وجودية لنوعنا البشري، ويجادل العديد من العلماء بأننا نواجه انقراضا سادسا مدفوعا باستغلالنا لأرضنا المحدودة وأن العلامة الجيولوجية الرئيسية للأنثروبوسين Anthropocene ستكون البلاستيك.
نحن الآن في العقد الحرج للعمل بشأن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وفقدان التنوع البيولوجي، ولسوف نتأثر جميعا بنفس القدر.
تحويل السياحة إلى طريق الاستدامة والعمل المناخي فرصة غير مسبوقة لتحويل علاقة السياحة بالطبيعة والمناخ والاقتصاد لضمان التوزيع العادل لفوائدها والمضي قدما في الانتقال نحو اقتصاد سياحي مرن وخالي من الكربون.