عن الدراما المصرية(٢) .. السهرات الدرامية من السطوع إلى الاختفاء

كتب/ حسين عبدربه
بدأت السهرات الدرامية السطوع في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتعددت أفكارها، واختلفت قضاياها، فقد كانت السهرات الدرامية تُجسد واقع في مدة لا تتجاوز ساعة ونصف إلى ساعتين، يتم خلال تلك المدة مناقشة قضية أو مشكلة مجتمعية في إطار درامي، وقد تكون بشكل كوميدي، كان أكثر مايميزها عدم المبالغة في سرد المشكلة أو مناقشة الفكرة أو القضية التي تُطرح وتخاطب كافة الأعمار والطبقات المجتمعية، وكان بعض قصصها من روايات لكبار الكُتَّاب العالميين وكان يشترك فيها عدد كبير من الممثلين والكُتَّاب والمخرجين، جلست تتابع تلك السهرات أُسر المجتمع المصري والعربي.
كانت السهرة الدرامية تُركز على فكرة أو قضية بعينها، وكانت هي حديث الساعة وقتها وتطرح الأفكار من أجل وجود الحلول في النهاية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- سهرة درامية عائلية بعنوان (أم مثالية) عُرضت عام ١٩٨١، سيناريو وحوار وفية خيري، وإخراج إنعام محمد علي، تمثيل هدي سلطان وآثار الحكيم وممدوح عبدالعليم ومعالي زايد والعديد من الممثلين.
حيث تحدثت تلك السهرة عن كفاح أم تعمل عاملة بمدرسة تُربي ابنتيها وابنها، أوصلتهم إلى مرحلة التعليم الجامعي، لكنها وقعت في حيرة من أجل أبنائها، فأبنها لا يهتم سوى بنفسه وتتملكه الأنانية، بينما ابنتها الكبرى لاتفخر بعمل أمها التي فيما بعد اُختيرت كأم مثالية.
ألقت تلك السهرة الضوء على سيدات يتحملون مشقة رعاية أبنائهم بمفردهم بكل شرف وفخر ويعملون ليل نهار من أجل توفير معيشة كريمة لهم، بينما يتجاهل الأبناء دور ورعاية الأمهات.
- سهرة درامية بعنوان (مش معقول الثانوية العامة) عُرضت عام ١٩٨٦، سيناريو وحوار يوسف عوف، إخراج علوية زكي، وتمثيل حسن عابدين وعبدالرحمن ابو زهرة وخيرية أحمد، والعديد من الممثلين.
كانت تلك السهرة تتحدث عن شخص يتعاون مع زوج أخته الذي أصبح على المعاش في استغلال شقته مكان للدروس الخصوصية لطلاب الثانوية العامة، فيزداد إقبال الطلاب، ويتجهوا بعدها إلى استئجار أحد المسارح، بينما يتم تشكيل لجان من الوزارات المختصة لأخذ الضرائب والتصريحات المختصة بمزاولة النشاط، لكنهم يضللوا تلك اللجان هروبًا من المسؤولية.
- ومن الأدب العالمي سهرة درامية بعنوان (الرهان) عُرضت عام ١٩٨٣، من تأليف الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، سيناريو وحوار شنوده جرجس، إخراج أحمد صلاح الدين، وتمثيل يحيي الفخراني وعبدالرحمن أبو زهرة وفاطمة مظهر.
وقد تحدثت عن مُحامٍ، من أجل نقاش مع أحد رجال الأعمال أن القتل في ثواني أفضل من السجن لعقود، يتورط في رهان برغبته ومن أجل إثبات صحة كلامه؛ يحتجزه رجل الأعمال في مكان خاص به ويعين عليه حارس لمدة خمسة عشر عامًا مقابل اثنان مليون روبل.
فقَبَع في تلك الحجرة طيلة المدة المتفق عليها، وخرج منها قبل موعد نهاية المدة بخمسة دقائق؛ لأنه أيقن بعد هذه المدة أن لا شيء يستحق مافعله وانه كان واهم في اعتقاده.
وأيضًا سهرة درامية اجتماعية بعنوان (زواج علي ورق سوليفان) عرضت عام ١٩٩٨ في جزئين، سيناريو وحوار إقبال بركة، إخراج علاء كريم، وتمثيل أحمد السقا وخيرية احمد ورشوان توفيق ومني زكي. والتي ناقشت مشاكل الشباب وألقت الضوء على ظاهرة الزواج العرفي في حينها، تحدثت عن شاب وفتاة نشأت بينهم قصة حب، وهم في مرحلة دراستهم الجامعية، ولكن التفاوت الطبقي بين عائلتيهما دفعهما للزواج العرفي ثم انكشف أمرهم، وعلموا أن مافعلوه كان خطأ جسيم.
والعديد من السهرات الأخرى التي ناقشت قضايا هامة في حينها، لكنها تراجعت مع بداية القرن الحالي، لكننا في هذا العصر الذي تطورت فيه الحياة بشكل عام، وأقتحم الإنترنت حياتنا، وكثرت مواقع التواصل الاجتماعي، وتعددت القضايا والخلافات وأصبح العالم يُشبه القرية الصغيرة، نحتاج في تلك الفترة سهرات درامية تناقش القضايا والأفكار الموجودة اليوم، بعد أن أصبحت التكنولوجيا هي المسيطرة علينا، وأنكشفت أفكار العالم كله عن السابق، وظهرت العديد من المشكلات والقضايا الحديثة التي تحتاج أن نُصلت الضوء عليها أكثر بصورة درامية اجتماعية.