التغير المناخي في أفريقيا.. هل هو مسبب الإرهاب ؟
بقلم الدكتورة / إيمان الشعراوي
الباحثة متخصصة في الشأن الافريقي
على مدار السنوات الماضية يواجه العالم تحدي التغير المناخي والتداعيات السلبية الناتجة عنه، وذلك بسبب استمرار الانبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة، وارتفاع درجة حرارة الأرض والتغيرات في هطول الأمطار، مما جعل تغير المناخ محفزاً للندرة، وعاملاً للضغط على النظام البيئي، وبالتالي إعادة تشكيل الخريطة الإنتاجية للغذاء بشكل غير متوازن، وتفاقم ندرة المياه والطاقة في مناطق متفرقة من العالم.
وعلى الرغم من أن القارة الأفريقية هي الأقل مساهمة في هذه الانبعاثات مع ما يقرب من 2-3 % فقط من الانبعاثات العالمية[1]، إلا أنها الأكثر تضررًا على كافة المستويات خاصة ما يتعلق باستثمارات البنية التحتية ، وأنظمة المياه والغذاء ، والصحة العامة ، وزيادة التصحر والتأثير على الزراعة ، وسبل العيش ، مما يهدد بالتراجع عن مكاسبها الإنمائية المتواضعة والانزلاق إلى مستويات أعلى من الفقر المدقع، والتهديد الكبير لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تتطلع إليها الشعوب الأفريقية.
هذه الـتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الرغم من أهميتها، إلا أن تداعيات التغيرات المناخية لم تعد مقتصرة عليها ، وتجاوزت ذلك للمساس بحدود المجال السياسي بما يؤثر على السلم المجتمعي والاستقرار السياسي للدول الافريقية، وذلك في ظل ما تواجهه من مخاطر كبرى من جراء تغير المناخ، تجعل المناطق المتأثرة به معرضة لأن تكون بؤرة عنف وصراع وبيئة محفزة لانتشار الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية أكثر من غيرها.
وبالنظر للإرهاب الذي يضرب القارة الأفريقية السنوات الماضية بشكل متزايد، خاصة بعد هزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق، والبحث عن بؤرة جديدة تنطلق منها عملياتهم الإرهابية، وذلك في ظل تعاظم قدرات هذه التنظيمات الإرهابية على التمدد وتنفيذ عمليات دقيقة وكذلك امتلاكها أسلحة قادرة على مواجهة
الجيوش النظامية، فنجد أن التغير المناخي يساهم في خلق الظروف المواتية لازدهار الجماعات الإرهابية في مناطق الصراعات وذلك من تدهور الأطر المؤسسية والاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع مستويات الجفاف، والفيضانات، والتصحر، وما ينتج عنهم من الفقر وزيادة الصراع على الموارد، مما يولّد حالة من الإحباط التي بدورها طرحت أنماطًا وأشكالًا مختلفة من الإرهاب، وانضمام العديد من الشباب الأفريقي للتنظيمات الإرهابية التي تجتاح القارة الأفريقية .
ومع تحذيرات الأمم المتحدة، بأن أكثر من 100 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع[1]، مهددون بفعل تسارع ظاهرة الاحترار المناخي في أفريقيا، بل أنه من المتوقع بحلول عام 2025، أن يواجه ما يقرب من 230 مليون أفريقي ندرة المياه، وسيعيش ما يصل إلى 460 مليونًا في المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي، خاصة أن معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء على الزراعة التي تعد مصدرًا رئيسيًا للدخل لنحو نصف مواطني القارة، فأنه من المتوقع أن تزداد التنظيمات الإرهابية قوة وإنتشارًا واستهدافًا للمواطنين وثروات الدول الأفريقية.
وواقعيًا نجد أن التغير المناخي هو أحد أسباب انتشار الإرهاب في أفريقيا، لأن معظم التنظيمات الإرهابية المحلية نشأت في مناطق مهمشة تعاني من الفقر والصراع على الموارد، وكانت في بدايتها تنظيمات تطالب بتحسن الأحوال الاقتصادية والمطالبة بعدم التهميش الاقتصادي والسياسي، ثم تحولت لتنظيمات إرهابية، كما أن هذه المناطق الافريقية التي تعاني من تداعيات التغير المناخي أصبحت موطن لتجنيد عناصر جديدة على خلفية الحرمان والأزمات الاجتماعية والاقتصادية وتهديدات ظروف البيئة القاسية خاصة على أطراف إقليم الساحل.
ففي منطقة بحيرة تشاد أدى النزاع على المياه ليس من أجل الشرب فقط ولكن من أجل الزراعة والرعي والصيد إلى مزيد من الصراعات، والتي تسببت ذروتها في تدمير عدد من القرى الواقعة حول بحيرة تشاد،
وهو ما مكن الجماعة الإرهابية بوكو حرام من استقطاب عناصر إرهابية جديدة، من المجتمعات المحلية التي يشعر أفرادها بالإحباط جراء انعدام الفرص الاقتصادية وفرص الحصول على الموارد الأساسية.
كما أن الوضع في شمال الكاميرون لم يختلف كثيرًا فقد اندلعت مواجهات عنيفة حول شح المياه، مما تسبب في فرار أكثر من 30 ألف شخص إلى تشاد المجاورة، كما يلقي مئات الأشخاص مصرعهم من وقت لأخر بسبب الصراع بين الصيادين والمزارعين على موارد المياه، وقد استغلت جماعة بوكو حرام ومؤخرًا داعش هذا التدهور وعملت على القيام بمزيد من العمليات الإرهابية لتوسيع نطاق نفوذها وانتشارها في مناطق جديدة.
وفي منطقة الساحل التي تعتبر أحد مناطق بؤر الارهاب في أفريقيا والعالم، فقد ارتفعت درجة حرارة منطقة الساحل بمعدل 1.5 مرة عن المتوسط العالمي، وتقدر الأمم المتحدة أن 80 % من الأراضي الزراعية في منطقة الساحل قد تدهورت بسبب هذه الظروف، حيث يعتمد ثلثا سكان منطقة الساحل على الزراعة وتربية الماشية، وهو ما زاد من خطر انتشار التنظيمات الإرهابية وتجنيد أعضاء جدد من المجتمعات المحلية الرعوية ، وهو ما كان له تأثير على السلم والامن المجتمعي، خاصة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية للقاعدة والتي استقطبت العديد من الشباب الأفريقي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية كأحد تداعيات التغير المناخي.
جدول (1) يوضح علاقة الأمن البيئي بالأمن السياسي وغيره بأنواع الأمن الأخرى
وفي ظل هذا التصاعد المتزايد للجماعات الإرهابية وعلاقته بالتغير المناخي، فقد تبنت الاستراتيجيات الأمنية الدولية والإقليمية التي تستهدف منطقة الساحل، مبدأ أن الإرهاب يعتبر نتيجة للمنافسة الشديدة على الموارد المتضائلة والتي تفاقمت بسبب تغير المناخ.
حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أمام مجلس الأمن أن "دول الساحل من بين الضحايا للتأثيرات المتسارعة لتغير المناخ.... الفقر والتخلف ، اللذان تفاقمهما التصحر وآثار تغير المناخ ، يتم استغلالهما من قبل الأيديولوجيات التي تستند إما إلى العرق أو التطرف الديني، كما أن الهجمات الإرهابية كانت أكثر تواترًا في البلدان التي تعاني من التصحر ، بما في ذلك منطقة الساحل " ، كما تبنت المنظمات الإقليمية أيضًا فكرة أن مكافحة التدهور البيئي يمكن أن يساهم في معالجة دوافع العنف والإرهاب في منطقة الساحل، ومن ذلك إستراتيجية الاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل لعام 2011 وخطة العمل الإقليمية لعام 2015 ، وتحالف 2018 لبرنامج تنمية الساحل ، وخطة عمل شراكة منطقة الساحل لمجموعة السبع لعام 2019 ، بالإضافة إلى إعلانات الاتحاد الأفريقي التي أكدت على ضرورة مواجهة تداعيات التغير المناخي باعتباره أحد مسببات الإرهاب في أفريقيا .[1]
وعلى الرغم من تعدد هذه الإستراتيجيات وما تبعها من إستراتيجيات أخرى لمواجهة تداعيات التغير المناخي باعتبارها من أسباب اندلاع الإرهاب، إلا أنها في مجملها لا تستند إلى الواقع الأفريقي، بل يمكن القول أنها ترتب عنها تداعيات سلبية أضرت بالدول الأفريقية، وذلك لأنها قائمة على فرضيات غير واقعية، وهو الوضع الذي استغله الإرهابيون حيث استفادوا من سوء الأوضاع الاقتصادية في استقطاب الالاف من الشباب الأفريقي، وهو ما يؤكد على ضرورة وضع تدابير تهدف لمواجهة تداعيات التغير المناخي السياسية وعلى رأسها الإرهاب.
وختامًا، يمكن القول إن التغير المناخي يؤدى إلى إضفاء مزيدٍ من التعقيد على المشهد في أفريقيا، والتأثير على السلم المجتمعي والاستقرار السياسي، وزيادة انتشار الجماعات الإرهابية وانضمام الشباب لها بسبب الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية، مما يتطلب معه وجود استجابة حقيقية للمخاطر الأمنية المتصلة بالمناخ، سواء من قبل الدول الصناعية والتزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا إلى البلدان النامية لمواجهة تداعيات التغير المناخي، باعتبارها المتسبب الرئيسي في هذه الظاهرة، فضلًا عن ضرورة فهم وتوقع الآثار المتتالية لتغير المناخ وذلك لتعزيز جهود السلام والأمن، أو ما يتعلق بالدول الأفريقية نفسها وذلك من التعامل مع التغير المناخي باعتباره مهدد حقيقي لوجود القارة الافريقية، وإدماج مخاطر المناخ في جميع القرارات الاقتصادية والمالية، والاستفادة من القدرات السياسية والتقنية والمالية للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، أو ما يتعلق بالمجتمع المدني، من ضرورة تطوير الشراكات والمبادرات التي تربط بين التوجهات المحلية والإقليمية والوطنية لمواجهة تداعيات التغير المناخي وعلى رأسها الإرهاب، والتعريف بشكل أكبر بمفهوم "الأمن المناخي باعتباره حجر الزاوية لفهم المخاطر الأمنية الناتجة عن التغيرات المناخية، والتي أصبحت حقيقة لا يمكن إنكارها.
المصادر
[1]Un Enviroment Programme, Responding to climate change, URL
https://www.unep.org/regions/africa/regional-initiatives/responding-climate-change
[2] Rédaction Africanews wit, Climate change threatens more than 100 mn people in Africa: UN”, africanews, URL
https://www.africanews.com/2021/10/19/climate-change-threatens-more-than-100-mn-people-in-africa-un/
[3] Luca Raineri, “Sahel Climate Conflicts? When (fighting) climate change fuels terrorism” (Paris: European Union Institute for Security Studies, 2020),P.2.
لمين هماش واخرون، رهانات الأمن البيئي في أفريقيا: تحديات قائمة واستجابات محدودة، ورقة مقدمة في المؤتمر العلمي الرابع بعنوان "القانون والبيئة"(طنطا: جامعة طنطا، 2018)، ص.7.