أثر مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم "أرض الصومال" على المشهد في القرن الإفريقي

أثر مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وإقليم "أرض الصومال" على المشهد في القرن الإفريقي

كتبت: رحاب أيمن

باحثة سياسية

تحققت التوقعات بشأن حدوث أزمة في منطقة القرن الإفريقي، بعد خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" أكتوبر الماضي والذي حاول فيه إيصال رسالة مفادها أن دول المنطقة يجب أن تجد حلًا لإثيوبيا فيما يخص إيجاد منفذ على المياه الدولية، لتؤكد ثقلها السياسي، وحضورها الدبلوماسي على مستوى القضايا الإقليمية والدولية، وأن إثيوبيا يجب أن تحصل على ميناء بكل السبل حتى لو استدعى الأمر استخدام القوة لتأمين حقها الطبيعي والتاريخي للوصول للبحر الأحمر، معللًا ذلك بحاجة إثيوبيا الماسة للمخرج في ظل تزايد عدد السكان حيث وصل لما يزيد عن 123 مليون نسمة عام 2022 وفقًا لإحصاءات البنك الدولي، كما يتوقع أن يبلغ عدد سكانها بنهاية العقد الحالي لحوالي 150 مليون نسمة، وبالتالي فإن إثيوبيا تقودها الحاجة الحقيقية لأن يكون لها وجود بحري خاص حيث أن وصولها لممر بحري يصب في جملة مصالح قومية وإقليمية.

 وبالفعل اتخذت إثيوبيا خطوات فعلية وحقق مطامحها في الحصول على دور اكبر وتبنت استراتيجيات تؤمن وصولها للبحر الأحمر عن طريق إقليم" صوماليالاند"، وهذه التحركات تدفعنا نحو التفكير في مصير القرن الإفريقي في ضوء التغيرات المتسارعة والأزمات الخانقة التي لا ينفك عن مواجهتها، هل هذا مشهد صراع أم عدوى صراعات تنتشر في المنطقة وتأخذ في طريقها كل ما استطاعت إليه سبيلًا! وإذا ماكان هناك مخرج في ظل توترات إقليمية ودولية، وأزمات اقتصادية تعصف بدول المنطقة، علاوة على ذلك لا يخلو هذا المشهد من حكومات ودول هشة لا تسطيع مساعدة نفسها، وهذا ما سيتم الإجابة عنه خلال السطور القادمة.

أولًا: استراتيجية الأخذ والعطاء محركًا لتصاعدًا الصراع في القرن الإفريقي

مع بداية 2024 أبرمت إثيوبيا مع إقليم "أرض الصومال" إتفاقًا مبدئيًا بموجبه يمنح بموجبه إقليم "أرض الصومال" الجارة الحبيسة "إثيوبيا" حق الوصول إلى البحر الاحمر من خلال شريطًا ساحليًا يبلغ طوله 20 كيلو مترًا، تمهيدًا لإقامة قاعدة بحرية تجارية لمدة خمسين عامًا، كما سيسمح لإثيوبيا بإقامة عمليات تجارية وبناء قاعدة عسكرية، في المقابل تعترف إثيوبيا ب"أرض الصومال" كدولة مستقلة تتمتع بالسيادة وهذا يعتبر المكسب الأساسي للإقليم بعد أن كان امرًا بعيد المنال سعى له الإقليم بإندفاع لعقود، كما تضمن حصول "أرض الصومال" على حصة بنسبة 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية "أثيوتيليكوم" والتي بلغت إيراداتها نحو 6.9 مليار دولار عام 2022 كقيمة تأجير المساحة سنويًا من "أرض الصومال" وهذه الحصة تمثل فرصة اقتصادية مهمة لإقليم "أرض الصومال،" كما أن الإتفاق ككل يمكن البناء عليه مستقبلًا لاستقطاب دول أخرى لمنح الإقليم إعترافًا، ولعل هذه البنود تشرح استراتيجية الأخذ مقابل العطاء بمعنى تحصل إثيوبيا على حق الانتفاع بالميناء مقابل منح إقليم "أرض الصومال" اعترافًا بسيادته.

إلى جانب ذلك، تتضمن المذكرة، بنودًا أخرى أساسية ذات صلة بموضوعات اجتماعية وسياسية واقتصادية وأفق تعاونية لم يتم الإعلان بعد عن تفاصيلها من حيث؛ اختيار المكان وطبيعة المساحة وفي أي مياه ستكون: المياه الإقليمية أم المياه الاقتصادية وعلاقة ذلك بالميناء البري الذي يستخدم في الخدمات التجارية المضمونة في بنود المذكرة، ومدى إنسجام ذلك من عدمه مع الاتفاقية التي وقعتها "صوماليالاند" مع الإمارات العربية المتحدة عام 2016 المنصوصة بعدم تأسيس موانئ أخرى منافسة لها في المنطقة في مدة الاتفاق بينهما وهي 30 سنة، وإعلان موسى بيهي رئيس "صوماليالاند" في منصة التوقيع، بأن بربرة ستكون ضمن الموانئ البحرية المفتوحة للاستخدام الأثيوبي.

تشكل هذه الخطوة فصلًا جديدًا في سلسلة الأزمات الإقليمية المعقدة التي تشهدها المنطقة على مدار السنوات الماضية، في ظل المخاوف من تنامي التوترات السياسية بين دول المنطقة لا سيما الصومال وإثيوبيا، وانقسام دول المنطقة حول الموقف من الاتفاق الأخير.

ثانيًا: دلالات التوقيت

إن اتفاق التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال وجد ظروفاً متوائمة على عدة مستويات؛ وقع بعد يومين فقط من توقيع مذكرة "أديس" في جيبوتي 29 ديسمبر الماضي حيث كانت بمثابة إنفراجة للمفاوضات بين البلدين، فقد أتفق خلالها الطرفان على استئناف المفاوضات المباشرة خلال مدة 30 يومًا، والتركيز على القضايا المصيرية العالقة ومتابعة تنفيذ التفاهمات التسعة السابقة بين الجانبين منذ 2012 وصولًا إلى التعاون في المسائل الأمنية والعمل المشترك في إرساء دعائم الأمن والاستقرار ما يعني أن الأمور كانت تتجه بشكل ما إلى التهدئة.

كما أن توقيع المذكرة يأتي أيضًا بعد توقيع اتفاق آخر بين الصومال وإثيوبيا في أديس أبابا يوم 8 من شهر ديسمبر الماضي على مستوى وزراء دفاع الدولتين بهدف دعم الاستقرار الإقليمي والتوافق على توثيق التعاون العسكري في المجالات الدفاعية العسكرية ومواجهة التهديدات القائمة وتشجيع السلام والأمن في منطقة القرن الأفريقي. ويؤكد الاتفاق تجديد الطرفين التزامهما نحو محاربة الإرهاب والتطرف والقرصنة والتغير المناخي باعتبارها تحديات مشتركة وتشكيل لجان مشتركة تعمل على مراقبة وتسهيل تنفيذ الاتفاق الموقع بين الجانبين في المجالات الموقعة، وهو بالطبع اتفاق تجديدي على اتفاق سابق تم توقيعه بين الدولتين عام 2014 وشاملًا على جوانب أمنية عديدة أوسع وأشمل من الاتفاق الحالي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة تتزامن مع توترات جيوسياسية صاعدة في مياه البحر الأحمر وخليج عدن ناتجة عن استهداف الحوثيين المتكررة على السفن والناقلات الإسرائيلية- الأمريكية المتجهة عبر مضيق باب المندب تضامنًا مع حرب غزة، ومن ثم أدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الطاقة على المستوى الدولي وإعلان 18 شركة عالمية عاملة في مجال الشحن البحري تعديل مسارها أو توقفها عن الملاحة في مضيق باب المندب الذي تمرّ به 12 % من التجارة الدولية ويمرّ به ما لا يقل عن 57 ناقلة في اليوم الواحد، وهي توترات تؤثر صعودًا وهبوطًا على التطورات في وضع غزة وتداعياته السياسية وارتداداته الاقتصادية.

وفضلًا عن ذلك، يتزامن توقيع مذكرة "أديس " هذه في ظل مرور دولة إثيوبيا وصوماليالاند بأوضاع سياسية متقاربة من حيث تآكل خريطتهما السياسية والهشاشة في مفاصل نظامهما السياسي وظهور انشقاقات متكررة من بعض المكونات الاجتماعية التي تريد الانفصال عن مركز الحكم والتململ منه ومن ثمّ شهدتا نشوء إدارات محلية جديدة من تحتهما سواء في الإدارة الجديدة المسماة بإدارة SSC المعلنة عام 2023 في لأس عانود على مستوى صوماليالاند أو القائمة في جبهة تيجراي شمال إثيوبيا، وهو مؤشر يعكس اتساع موجة التنمرات السيواقتصادية المتزايدة في البلاد، واندلاع معارك عسكرية دموية ما زال رماد نارها ساخنًا وقابلًا لاشتعال شرارتها من حين لآخر. هذا يعني أن إثيوبيا اختارت التوقيت المناسب الذي يمكنها من تحقيق طموح التواجد والتأثير في البحر الأحمر دون اعتبارات لاستقرار المنطقة.

ختامًا، ما لا يمكن تجاوزه عند التفكير في المآلات التي يمكن توقعها إزاء ما يجري في المنطقة هو أن هناك أزمة عميقة تمر بها المنطقة وربما تزداد وتيرتها، وتكاد تقترب من ذروتها، مع ملاحظة، الأوضاع الصعبة التي تواجهها أصلا، على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، في ظل تدافع دولي وأقليمي يتجاذب أطرافها، فيما تقع المسؤولية المباشرة على المؤسسات الإقليمية المعنية بالإسراع في تهدئة الأوضاع، وعدم تجاهلها حتى لا نشهد حربا جديدة بين إثيوبيا والصومال، هما في غنى عنها، رغم توافر كل عناصر الاشتعال وينبغي على الاتحاد الافريقي العمل بجدية مع الإيجاد في بلورة مخرج للأزمة، فضلا عن الجامعة العربية التي يمكن أن تلعب دورا في الوساطة عبر وسائلها الدبلوماسية.