المحاولة.. فرصة أم حق؟

المحاولة.. فرصة أم حق؟

بقلم/ بيير فرج

تُعامَلُ فكرة المحاولة على أنها مِنحة ذات مانِح ومُتَلقِّي. خذ ذلك المثال؛ أب يعطي لابنه فرصة بأن يجد طريقًا لتحسين درجاته بنفسه إن لم يستطع فسينظم هو له يومه وحياته كي يتغلب على مشكلة الرسوب... تلك "فرصة"، وأقصد بتلك الكلمة: إمكانية تُعطَى شريطة نتيجة ما يحكمها عوامل مثل الزمن، إن لم يتحقق شرطها يُفرَض على ممنوحها فرض. المحاولة هي ببساطة أن تقوم بآلية للوصول لحل مشكلة (نتيجة مجهولة) بخطوات منطقية مُرتبة هدفها الوصول إلى "صواب". ومن المُمكِن ملاحظته هو أن نتيجة الخطوات التي تقوم بها غير معروفة، ولكن النتيجة العامة المُرادة (في المثال أعلاه مثلًا: هو النجاح والتفوق) معلومة. من ذلك التعريف المُبسَّط يمكننا أن نستخرج عدة خصائص منها: أن المحاولة لا يلزم أبدًا عنها حل صحيح حيث إن النتيجة مجهولة، كذلك إن المحاولة فيها صفة هي التكرارية وذلك ما يلزم عن الخاصية الأولى.

فرصة المحاولة؛ بتركيب الحدين المنطقيين "فرصة" و"محاولة" تراودني صورة الألعاب الإلكترونية التي فيها يكون لك عدة محاولات؛ لك مجموعة مرات لتصل لهدفك إن لم تستطع فيقوم بإنهاء الدور واعتبارك خاسرًا. فإن اعتبرنا أن المحاولة هي فرصة فنحن أمام معضلة منطقية، فهل هناك، لكل نتيجة مرادة في الحياة، معيارية لعدد المرات أو عدد المحاولات التي من حق الفرد أن يستنفذها لكي يصل لهدفه. فمثلًا، محاولة حل مسألة رياضة هل له معيارية من عدد المحاولات التي بعدها تكون قد استنفذت عدد المحاولات؟ فماذا عن فروق فردية قد تتراوح بين عدم إمكانية ذهنية عند البعض وذكاء مُفرِط عند البعض يحتاج إلى الوصول إلى أعماق الأعماق؟ وماذا عن فروق في نوعية المسألة؟ وماذا عن فروق فردية طبقًا لنوع المسألة؟ فقس على ذلك أمثلة عدة.

فإن نصل أن ليس هناك معيارية لعدد المحاولات، فلا معيار لتحديد فرص المحاولات. بالتالي ما نود أن نقره هو أن ليس للمحاولات ما يحدها فيجعلها فرصًا. لِمَ تلك كل الرواية والحكاية؟ لكي نصل لذلك التطبيق التربوي اللزومي وليس الاستحساني... سيدي الفاضل المعلم، وسيدي الأب وسيدتي الأم، أنت لا تمن على ابنك بـ "فرص محاولات". أنت مُجبَر أن تتركه يحاول، وإنَّكَ لست أهلًا بأن تحدد عدة محاولات أو أن تحوِّل المحاولةَ لفرصةٍ.

أن تترك الطالب يستنبط قانونًا... ذلك واجب عليك، أن تترك الطالب يخطئ في الاستنتاج أيضًا، ذلك شيء طبيعي (يرجع كما أسلفنا بالشرح: لطبيعة الشيء وطبيعته والعلاقة بين طبيعته وطبيعة الشيء.) تستمِدُّ طبيعته من كونه حقٌّ وكل ما هوَ حَقٌّ هو طبيعيٌّ بالفطرة؟

ويا أولياء الأمور الكرام، تظنون أنكم تسهلون على أبنائكم المشوار بإعطائه مفاتيح الحياة والصواب والخطأ. المفاجأة أنكم في المقام الأول تنتهكون حق الطفل في المحاولة، ثم تُعَوِّدونَه على الاستسهالِ، وثالثًا من المُحال أن يقتنع (وإن اقتنع فإنه بالتالي سطحي نتيجة تربيتكم الخاطئة) لأنه ببساطة لم يُغرَز فيه شعور أو أثر من التجربة. أثر التجربة هوَ مُحَرِّك السلوك الصحيح أو حتى الخاطئ في نفسِ كل إنسانٍ، فما جربته بنفسِكَ وخلاصة خبرتِكَ – وإن كانت صحيحة – فهي ليست إلا خلاصة أو قشور سطحية مهما كانت تبدو لكَ ثمينة.

يحتاج الطالب أو الابن لمساحة التجربة غير محدودة المرات؛ ببساطة: أن يجرب إلى أن يصل.
ولا مجال للتعليم أو للتربية سوى عبر ذلك المنفذ. حتى أن العلم لم ينشأ إلا عن هذا الأسلوب: ملاحظة وجربة، أي محاولة ونتيجة. فتلك ليست بمِنَّةٍ، أو رفاهية يحصل عليها المُتَلَقِّ بل هي لحقٌّ... أن يجرِّبَ إلا ما لا نهاية، بل أن يجَرِّبَ إلى أن يَصِلَ. فإن تحديت ذلك المنهج فأنت تتحدى منهج العلم... وحسبك ذاك!.