ما بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران

كتبت: دينا عبد الراضي الجنزوري
باحثة ماجستير بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
في التصعيد الأخطر والأكبر للقوات الإسرائيلية منذ بداية الحرب على قطاع غزة، أعلنت حركة حماس اغتيالَ رئيس مكتبها السياسي "إسماعيل هنية" في غارة إسرائيلية مفاجئة استهدفت مقرّ إقامته بمنزل خاص بقدماء المحاربين بالعاصمة الإيرانية طهران، وذلك عقب مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان؛ حيث جاءت عملية اغتياله بعد ساعات من إعلان إسرائيل عن استهدافها القيادي العسكري الأبرز داخل حزب الله اللبناني، والذي يعد مسؤول الشؤون الإستراتيجية فيه" فؤاد شكر" بغارة على الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
حتى الآن لم تُعلن إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال هنية، وطلبَ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الوزراء عدم التعليق على العملية، لكن فور الإعلان عن عملية الاغتيال وُجِّهت أصابع الاتّهام مباشرةً إلى تل أبيب، التي تعهَّدت في مرّات عديدة بقتل هنية وغيره من قادة حماس؛ بسبب الهجوم الذي شنّته في أكتوبر الماضي على إسرائيل، وهو ما أدَّى لمقتل مئات الجنود الإسرائيليين وأسْر نحو 250 إسرائيليًا.
يُعتبَر إسماعيل هنية من أبرز قادة حركة حماس وأكثرهم تأثيرًا على قرارات الحركة، كما يتمتَّع بعلاقات قوية مع قادة النظام الإيراني؛ لذا تريد إسرائيل من اغتياله التخلُّص من القادة المؤثِّرين في الحركة، والتأثير على قُدرات حماس وإرغامها على القبول بالشروط الإسرائيلية المتعلِّقة بالتوصُّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وعلى الرغم من مرور أكثر من تسعة أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة، تتّهِم أوساطٌ إسرائيلية حكومةَ نتنياهو بالفشل في تحقيق أهدافها، خاصَّةً فيما يتعلَّق بوعودها بتصفية قادة حماس؛ لذا أرادت حكومة نتنياهو من اغتيال هنية تحقيق مكسب سياسي في الداخل الإسرائيلي يخفِّف من الضغوط التي تتعرَّض لها، وترميم صورة الجيش الإسرائيلي، التي اهتزَّت كثيرًا بعد عملية طوفان الأقصى.
عملية اغتيال إسماعيل هنية جاءت بعد ساعات قليلة من أداء الرئيس الإيراني اليمينَ الدستورية، وهو ما يمكن اعتبارها بمثابة رسالة تحذيرية للرئيس الإيراني الجديد، الذي أبلغَ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتّصالٍ هاتفي، بأنَّ أيّ هجوم إسرائيلي مُحتمَل على لبنان سيكون له عواقب وخيمة، كما تعهَّد في رسالة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، التزامَ إيران بدعم حزب الله اللبناني ومحور المقاومة؛ لكون نهْج الدفاع عن المقاومة متجذِّر في السياسات المبدئية للنظام الإيراني. ويمثِّل الدعم الإيراني لما يُسمَّى بمحور المقاومة تحدِّيًا كبيرًا بالنسبة لإسرائيل، التي ترى في هذا المحور خطرًا على مستقبلها واستقرارها الأمني، وعقبةً أمام انفتاحها على دول المنطقة. كما تمثِّل العملية رسالةً تحذيريةً أخرى لقادة النظام الإيراني، مفادها أنَّ إسرائيل تمتلك من القُدرات العسكرية المتطوِّرة، التي تمكِّنها من استهداف أيّ شخصية إيرانية مستقبلًا ما لم تتوقَّف طهران عن دعْم محور المقاومة.
أمّا فؤاد شكر، فيُعتبَر المستشار العسكري لحسن نصر الله للتخطيط، والمسؤول عن توجيه العمليات في زمن الحرب، وترى إسرائيل أنَّه المشرف الفعلي على مواجهة الحزب مع إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى، التي شنَّتها حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية بغلاف غزة في أكتوبر الماضي. كما تتّهِمه إسرائيل بأنَّه المسؤول عن الحادث، الذي وقع في قرية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل في 26 يوليو 2024م. وبالتالي، فإن تأكيد خبر اغتياله من قِبَل حزب الله، يُعتبَر مكسبًا لإسرائيل، خاصَّةً أنَّها كانت تخشى من دوره في إدارة الحرب ضدّها، إذا تحوّل التصعيد الحالي بين الطرفين إلى حرب خلال الفترة المقبلة.
تحمل عملية اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة طهران، واستهداف فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، دلالاتٍ غايةً في الأهمِّية، من حيث المستوى القيادي المُستهدَف، وتوقيت العمليات، والدولة المُستهدَف فيها، وطريقة الاستهداف. بالنسبة للمستوى القيادي، يُعتيَر هنية الشخصيةَ القيادية رقم واحد في حماس، أمّا شكر فهو قيادي عسكري ذو وزنٍ وثقلٍ كبيرين في حزب الله، وهذا لرُبَّما توظِّفهُ إسرائيل على أنَّه صورة للنصر.
أمّا التوقيت فهو محتدم ومتوتِّر للغاية في الشرق الأوسط؛ نتيجةَ الحرب الإسرائيلية المدمِّرة في غزة، والتصعيد المتفاقم بين إسرائيل وحزب الله، في ظل اتّهامات إسرائيلية للحزب بتنفيذ عملية مجدل شمس بالجولان السوري المحتل، وبين إسرائيل والحوثيين على خلفية استهداف الحوثيين لإسرائيل بصواريخ قالت تل أبيب إنَّها صواريخٌ إيرانية الصُنع، والاستهداف الإسرائيلي لميناء الحديدة. كما أنَّ عمليات الاغتيال بحقِّ القياديين الكبيرين، جاءت عقب الزيارة التي أجراها نتنياهو لواشنطن، وبعد ساعات قليلة من لقاء هنية بالمرشد علي خامنئي والرئيس الجديد بزشكيان؛ ما يعزِّز من فُرَص اتّساع نطاق الحرب وتقليص فُرَص السلام.
الدولة التي اُغتيل فيها هنية، هي إيران التي ترعى وتدعم ما يُسمَّى بمحور المقاومة، والتي تتّهِمها إسرائيل بتقديم الصواريخ والمسيّرات للحوثيين وحزب الله اللبناني لاستهدافها بذريعة التأثير على القرار الإسرائيلي لوقف الحرب في غزة، كذلك هي الدولة التي يزورها هنية للمشاركة في مراسم تنصيب وأداء الرئيس الجديد اليمينَ الدستورية رئيسًا للبلاد، حيث كان آخر ظهور لهنية في يوم 30 يوليو 2024م، بعد لقائه الرئيس الجديد. وبالتالي، فالاستهداف لم يكُن لشخص هنية فقط، بل استهدافًا للعاصمة طهران والحرس الثوري، حيث كان يقيم هنية في مبنى ضيافة تابع للحرس الثوري في منطقة ولنجك شمالي طهران، حيث لا تبعد كثيرًا عن المؤسَّسات الحيوية والحسّاسة لإيران. وتمَّت العملية بواسطة صاروخ موجَّه أُطلِق من الجو نحو جسده مباشرة، في طريقة تُبدي الانكشافَ الأمني الإيراني بشكل لافت، ويبدو أنَّه انتابت إيران حالةً من الصدمة تجاهَ العملية المحرِجة، انعكست في حالة الصمت الرسمي لساعات، ثمّ إعلانها بعد ذلك أنَّ الضربة جاءت من الخارج، في مسعىً منها للتغطية على إخفاق أجهزتها الأمنية في الداخل.
ختامًا، اغتيالُ هنية يشكِّل الحلقة الأبرز في مسار التصعيد الإسرائيلي، ليس فقط ضدّ حماس وحزب الله اللبناني، بل ضدّ إيران ذاتها، لكون عملية الاغتيال وقعت على أراضيها؛ ما يضعها في معضلة كبيرة تُثبت ضعْف جبهتها الداخلية، من جرّاء سلسلة الاختراقات الاستخباراتية الكبيرة والمحرِجة والمتكرِّرة بحقِّ يران والحرس الثوري. ولرُبَّما سيقتصر ردّها على تصعيد من جبهات المقاومة، لكن التساؤل: هل سيكون ردّ الميليشيات الموالية لإيران كافٍ لردِّ ما اعتبرهُ مراقبون «إهانةً إسرائيلية» لإيران؟