هاني النديم يكتب: إلى جورج وسوف

هاني النديم يكتب: إلى جورج وسوف
 من كتابي فهرست ابن النديم:
"خاتم حبيبي وقع بالبير"
الصوفيون كالصوفيين، والحكاؤون الشعبيون كالحكائين الشعبيين، ضلعٌ أسطوري في القصّة، وتكتمل الحكاية.
في البادية السورية يحكون حكايةً عن نجمة التي أحبّها ابن عمها حمد الفقير. حمد الذي قاتل الحياة لأجلها وجلب لها مهرها ودفعه لإخوتها العشرة. نجمة أثارت غيظ القبيلة وحماتها اللعوب. أم حمد التي كان لها خليل يأتيها ليلاً كلما سافر حمد..
ذات يومٍ رأت نجمة هذا الرجل وهو يخرج من الخيمة فتشاددت مع أم حمد التي قبلت أيديها قائلة: ورطةٌ وورطت بها، أعدك أن كل شيء سيتغير هذا الأسبوع، استري عليّ..
قالت هذا وخرجت خارج الديار وانتظرت ابنها عند النبع حتى عاد من تجارته، قالت له: ويلي يا حمد... زوجتك تخونك، زوجتك لها خليلٌ يا حمد! رأيته بأم عيني يخرج من خيمتها، ولكن أسوق عليك النبي، عدني أن لا تخبرها. أرجعها لأهلها فعارها عليهم!
وصل حمد خيمته يكاد يموت من ناره، يهمّ بقتلها ويتذكّر وعده لأمه. ونجمة بدورها تهمّ لتقول لزوجها ما صنعت أمه وتتذكر وعدها لأمه...
في الصباح قال حمد لنجمة البسي ثيابك لنزور أهلك. مشتاق لهم! لبست نجمة وركبت ركوبها وسارا في البادية. سار بها حمد حتى أنهكها وكلما قالت له دعنا نستريح قال لها قليلاً ونصل. وصلا إلى بئرٍ على مشارف القبيلة؛ قال حمد لزوجته: هنا نستريح. وما إن نزلت نجمة من خيلها حتى نامت تعباً.
حمد قصّ شعر نجمة الطويل الطويل. جزّه من فوق الأكتاف في إشارةٍ لأهلها أنها ارتكبت الفاحشة، هذا كان عرف العرب، فعل هذا وركب خيله ومضى ونجمةٌ في نومها.
أفاقت نجمة ورأت شعرها القصير ففهمت كل القصة والدسيسة، ومن خوفها صعدت شجرة كانت بجانب البئر. في المساء، مر أميرٌ بدويٌ وصحبه ليشربوا من البئر بعد رحلة صيد، فلمحها فوق الشجرة ووقعت عينه بعينها، رآها ورأته أنه رآها. مضى الأمير مع ركبه وسار حتى غاب البئر عن أعينهم وقال لهم: خاتمي وقع في البئر. أريحوا ركابكم هنا حتى آتي به وأعود.
رجع الأمير بمفرده وقال لنجمة التي تعتلي الشجرة: انزلي عليك أمان الله وشرع الله، فنزلت وروت قصتها من ألفها ليائها. الأمير يعرف حمد وآل حمد وآل نجمة كلهم. فقال لها: تعالي حيث تعيش أختي وأمي وأنت عليّ بمرتبتهما، وأنا من سيحلّ الموضوع.
أخذها لدياره، ولطأ هذا البدوي أياماً وليالياً ينتظر عشيق أم حمد حتى أوقع به وأخذه مكبلاً لحمد الذي وقع على ركبتيه من هول ما رأى. قال له استر علينا ودعني أذهب معك لاستعيد نجمة. قبل الأمير وقال له: لكن بشرط؛ أن توافق هي.
الأمير وحمد ونجمة من وراء السجف. سألها الأمير: يا نجمة، يا ابنة العرب والشجعان، إني أخيّرك بين أن تعودين لحمد وديارك وبين أن تظلي هنا، أختاً لي أو زوجة!
سكتت نجمة... فسألها الثانية
سكتت نجمة فسألها الثالثة
حمد بدوره قال لها: يا نجمة أنا حمد. أنا حبيبك وعشيرك، عودي معي...
إلا أن نجمة ما عادت تريد من أهانها وحاكمها دون إثبات، فقالت نجمة خجلاً من المباشرة بمجازٍ وإيحاء سيفهمه الأمير وحمد:
"خاتم حبيبي وقع بالبير إلو رنّة
واللي سمع رنّتو... مقسوم الو الجنة"!
قال الأمير لحمد: اذهب... فإنها تريدني أنا.
بعد مئتي عام أو أكثر، تدخل تلك الحكاية إلى المواويل ويغني جورج وسوف "خاتم حبيبي وقع بالبير" ويخلب قلوب السوريين والعرب.