مات الزعيم… ولم يمت الحلم

بقلم: عمرو صابح
في مثل هذا اليوم قبل خمسةٍ وخمسين عامًا، مات الرجل الذي أراد أن يحوِّل مصر من شركةٍ تُدار لمصلحة النخبة الحاكمة إلى دولةٍ ملتزمة بميثاقٍ اجتماعيٍّ يوزّع خيراتها على جميع أبنائها.
مات الرجل الذي حاول جاهدًا أن ينقل العرب من مرحلة القبائل المتناحرة إلى مرحلة الأمة الواحدة.
مات الرجل الذي رفض أن يكون وكيلًا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وعمل على تعطيل المشروع الأمريكي في العالم العربي.
مات الرجل الذي، في ثمانية عشر عامًا امتلأت بالحروب والصراعات، شيّد السد العالي، وأقام المصانع والشركات والقطاع العام، ذلك الإرث الذي ظلوا عقودًا ينهشونه ويفككونه ويبيعونه، وما زالوا عاجزين عن محوه.
بنى عبد الناصر السد العالي ليكون شاهدًا على عظمة الإرادة حين تتجسّد في حجرٍ وماء، صرحًا يحجز الطوفان ويطلق النور، ويحفظ للأرض خيراتها، وليبقى رمزًا خالدًا على أن مصر قادرة على صنع الحياة من قلب التحدي.
مات رافع الرأس… مات مقاوِمًا.
مات ونيكسون واقفٌ على متن حاملة الطائرات الأمريكية ساراتوجا استعدادًا لبدء مناورة عسكرية للأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط، هدفها أن يسمع عبد الناصر صوت المدافع الأمريكية. فلما بلغه خبر موته، ألغى المناورة قائلًا : لقد رحل الرجل الذي كانت المدافع مصوَّبة نحوه.
رحل عبد الناصر جسدًا، لكنه بقي قدرًا حاضرًا في ضمير الأمة. مات الزعيم، لكن حلمه لم يمت… لأنه صار حلم الملايين، وصار شاهدًا على أن الأوطان لا تُبنى إلا بالعزم والتضحية، وأن الرجال العظام لا يغيبون حتى بعد رحيلهم.