الدكتور مجدي زعبل يكتب: الطريق إلى دولة البحث العلمى " ورقة حوار"

تم صياغة هذه الرؤية في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، وكان الهدف وقتها هو تقديم رؤى مختلفة حول جملة القضايا الوطنية التي تؤسس لبناء المستقبل ، ثم وجدت طريقها إلى د. عصام شرف رئيس الوزراء ، واعتمدها كمشروع للتطوير في مجالها ، وأرسلها إلى كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومنها إلى مختلف المراكز البحثية ، ومع تغير الأحوال والسياسات استقرت في مكان ما لايراها فيه أحد ، ونعيد نشرها خاصة .ولصالح – الأجيال الجديدة آملين أن تحقق بعض الفائدة.
هذه رؤية نظرية "مقترحة " نقدمها للأمة في بداية مرحلة التحول الديمقراطي لعلها تسهم بأى فائدة مرجوة - مع رؤى اخرى فى مجالات اخرى - لبلوغ مصر شأنها الراقي الذى تستحقة، ثم أنها مقدمة - قبل الجميع - إلى علماء مصر وباحثيها الذين هم كأنهم قطرات العسل المصفى فى ضمير هذا البلد جيلًا بعد جيل.
مقدمة منهجية
البحث العلمي هو ذروة المتتالية للإبداع والتفكير ويتميز بأنه منظومة متكاملة ومتسقة ومتطورة من العمليات تسعى إلى تطوير مجال / مجالات محددة من البحوث الأساسية أو التطبيقية ؛ ولأنه كذلك فإن التخطيط لمنظومه البحث العلمي ينبغي أن يكون تخطيطاً قوميًا شاملًا ترعاه الدولة وتقوم عليه في أرقى مستويات ومسئوليات القيادة السياسية للدولة / المجتمع ، وبما أننا نقف أمام مستقبل مفتوح تلفه أشواق طموحه للنهضة والتطوير ، فإن إمكانيات نجاح الرؤية والخطة سوف تكون بإذن الله وافرة. وفي إطار هذا التمهيد ، وقبل الدخول في تفاصيل الرؤية المقترحة فإن منهج التناول (الرؤية - التخطيط - الاستكشاف - التطوير - النهضة) يجب أن يقوم علي بعض الشروط الحاكمة :
أولاً : الاعتماد علي جماعية الرؤية وجماعية التنفيذ حتى إذا استقر الأمر على الرؤية وخطتها ، فإن كل من شارك وساهم ينبغي أن يملئه الإحساس والحماس إن المشروع والخطة هي جزء من فكره وطموحه ومشروعه وخطته.
ثانياً : الاعتماد في التخطيط والتطوير علي آليات وأسس المعرفة الحديثة واستخدامها لمنهج علمي وأهم هذه الآليات :
- فكرة المنظومة المتكاملة كمنهج علمي في الإدارة والتحليل.
- تحديث الإدارة لتشمل عناصر الإدارة الاستراتيجية - إدارة الجودة الشاملة - إدارة الإبداع المجتمعي).
ثالثًا: استنهاض واعتماد قيم الشفافية والمصداقية والاستيعاب والتسامح والموضوعية التي هي أساس منظومة البحث العلمي ، وبدونها لا يمكن لأي جماعة أن تتقدم خطوة جادة إلى الأمام.
رابعًا: اعتماد مفهوم "الاستقلال" في الرؤية والتخطيط لمستقبل البحث العلمي وهو الأمر الذي يحتاج إلى إبداع حلول جديدة للتحديات المطروحة.
خامسًا : مفهوم الاستقلال والإبداع في البند السابق ليس المقصود قطيعة مع العالم الدوار الفوار حولنا ، وإنما المقصود أن هدف النهضة بالبحث العلمي يحتاج إلى تكثيف الجهود العلمية وتجميعها في أسرع وقت لتجسير الفجوة المتسعة والتي تتسع في يومًا بعد يوم مع العالم من حولنا.
وبعد فإن الورقة / المشروع يطرح رؤية تنهض علي الأسس والمحاور التالية :
١- التحديات الراهنة.
٢- خطة العرض
٣- البحث العلمي مشروع للنهضة.
أولاً : التحديات الراهنة :
١- تحدي الإدارة :
لعل أهم التحديات التي تواجه البحث العلمي في مصر هو تحدي الإدارة ، فالمنظومة البحثية في مصر تعاني من خلل إداري عقيم يتمثل في تناثر وحدات البحث العلمي بين الجامعات ، ومراكز الإنتاج والخدمات ، ومراكز البحوث ، وأصبحت كل هذه المؤسسات تحبس باحثيها خلف عوائق إدارية ولوائح مُعطِلة.,حيث تشمل مؤسسات البحث العلمى فى مصرالمراكز البحثية التابعة لوزارة البحث العلمى ، والمراكز التابعة للوزارات المختلفة ,ويبلغ اجمالى المراكز البحثية فى مصر125 مركزًا بحثيًا يضمون حوالى 240 ألفًا من الباحثين والمعاونين والأداريين , ومن بين هذه المراكز يوجد 12 مركزًا فقط تابعون لوزارة البحث العلمى يعمل بها حوالى 14.500 كادر بحثي واداري ، وفى ضوء هذا التشتت يصعب وضع استراتيجية موحدة لسياسات البحث العلمى ، وتبقى جهود الباحثين محصورة ومحاصرة فى خطط قصيرة الأمد ضعيفة التمويل فاقدة للأمل والرجاء فى بناء رؤية طموحة تؤسس لبناء قاعدة علمية صلبة ودائمة .
ويمكن تلخيص تحديات الأدارة فى ثلاث محاور :
أولا : تشتت وتناثر وحدات ومراكز البحث
ثانيا: تضخم الجهاز الأدارى لمراكز البحوث
ثالثا : استمرار العمل بلوائح وقواعد بيروقراطية لم تعد تناسب العصر وتطوره ، والتقدم وشروطه.
ولتجاوز هذا التحدى يُقترح:
1-فض الأزدواج بين وزارة البحث العلمى واكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا وذلك بإلغاء وزارة البحث العلمى ، والأكتفاء بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ككيان علمي قومي جامع يضم كافة مراكز البحث العلمي ، بالإضافة إلى المجالس القومية المتخصصة يخطط مركزيا واستراتيجيًا ووطنيًا للنهوض بهذه المهمة الجليلة .
2- تحرير البحث العلمي من القيود الأدارية العقيمة الخانقة التي شلت قدرته وعطلت طاقاته.وذلك باعتماد آليات الإدارة الحديثة وتشمل :
- الإدارة الإستراتيجية.
- إدارة الجودة الشاملة.
- إدارة الإبداع والتحفيز.
3- إدارة التخطيط الشامل لكل وحدات البحث العلمي كأنها منظومة واحدة.
4- تحقيق التكامل والتآلف العضوي (أو البحثي) أو العضوي والبحثي إذا لزم الأمر بين وحدات البحث العلمي كلها.2- تحدي التكنولوجيا :
التكنولوجيا بالتعريف الجامع هي مجموعة المهارات والمعارف المرتبطة بالتطبيقات الإنتاجية. غير أننا نقصد أن المعارف والمهارات التطبيقية هي معارف ومهارات الإنسان المنتج أو أنها الفعالية الإنسانية الحسية الموجهة علي الموارد المتاحة بهدف زيادة الإنتاج وتطويره وتحسين الجودة وتنويع المنتجات ورفع مستوى الكفاءة وهكذا فإن هذه الفعالية لا يمكن أن تتجسد إلا في (مناخ) اجتماعي محفز.
وهذا التطور التكنولوجي يتحقق إذا توفرت عدة شروط:
1- بناء قدرة تكنولوجية تعتمد أولاً علي رصيد رأس المال (أدوات إنتاج - معدات) وثانيًا علي المُكون البشري ممثلًا في قاعدة العلماء - المهندسين - والعمال المهرة.
2- الاستفادة من تدفق المعلومات العلمية التكنولوجية العالمية ، وتوظيفها لبناء ودعم القدرات الوطنية.
3- تنشيط الإبداع المحلي لتخليق تكنولوجيات ملائمة للبيئة المصرية لتطوير مجالات بعينها مستفيدة من ما يسمى بالمزايا النسبية للموقع الجغرافي وطبيعة الإنسان.
وفي هذا الإطار ينبغي التأكيد علي أن التكنولوجيا يجب أن تكون في خدمة الأهداف الوطنية التي يصوغها عقول وطنية وعدم التسليم الأعمى بما يسمى Technopoly بمعني "سيطرة التكنولوجيا علي الحضارة والثقافة" والتحدي هنا هو تطويع التكنولوجيا لقيم ثقافية وحضارية ننتمي إليها وتشبهنا تمامًا.
4- الإيمان والتسليم بحقيقة الترابط بين الرؤية النظرية "الأيديولوجيا" والتكنولوجيا إذ أن هوية المجتمع وخصائصه وغاياته تحدد بالضرورة وترسم بطبيعة الحال إطار ومسارات التطور التكنولوجي المطلوب.
عندما تتوفر الاشتراطات السابقة ينبغي علينا التركيز علي أن التكنولوجيا الحديثة تمتاز بحاجاتها إلى مشروعات كبيرة جداً لتحقيق مزايا الإنتاج الكبير economies of scale لأن زيادة حجم المشروعات يعني زيادة في الإنتاج أكبر من الزيادة النسبية في عناصر الإنتاج المستخدمة وهو بالتحديد النمط الذي تحتاجه مصر الآن وهي علي أبواب عصر النهضة المحتمل ، فمضاعفة حجم المشروع يؤدي إلى زيادة حجم الإنتاج أكبر من الضعف لأن المشروع الكبير يستطيع الإفادة من مزايا لا تقبل الانقسام (وهي مزايا الإدارة - الفن الإنتاجي في استخدام الآلات ، وطاقة لا تقبل التجزئة) بالإضافة إلى أن العامل الحاسم في العصر الحديث بالنسبة للمشروعات الصناعية الكبرى هو " الأبحاث" وهي تتطلب إمكانيات مالية ضخمة ، بدليل أن التقدم التكنولوجي الضخم محدودًا بالصناعات التي يتركز فيها الإنتاج ( راجع حازم الببلاوي - أبواب عصر النهضة).
يرتبط بذلك أن أهم ما يميز البحث العلمي في العصر الحديث هو أن التقدم العلمي لم يعد نتيجة عمل فردي مهما كانت عبقريته بقدر ما هو نتيجة جهد مجموعة كبيرة من الباحثين في فروع مختلفة ومتكاملة بحيث يتوافر لها إمكانيات تمويلية ومعملية ضخمة يؤكد ذلك - ويرتبط به - أن المشروعات الكبيرة لم تعد مجرد وحدات إنتاج ولكنها أيضا وحدات للبحث العلمي.
3- تحدي التمويل :
تبقى قضية التمويل هي إحدى العقبات الكبرى التي تواجه البحث العلمي ، فالميزانية المتاحة هزيلة ، ولا تفي بأي معيار مستهدفات طموحة للبحث والتطوير( ميزانية البحث العلمى لا تتجاوز 0.23% أى أقل من ربع من الواحد فى المائة – " تحديث " تم زيادتها تدريجيا ووصلت حاليًا إلى حوالي 1.5%) ومعظم الميزانية تذهب لتغطية مرتبات العاملين وما يتبقى للبحث والتطوير نذر يسيرة لا تغنى ولا تسمن من جوع
ولمواجهة تحدى التمويل يقترح :
- إعتبار البحث العلمى هو طوق النجاة واعتمادة كقاطرة للنهضة والتنمية (مع التعليم والصحة ) و التخطيط الكفء لتوفير ميزانية تتراوح من 3 - 5% من الدخل القومي تزداد بنسبة محددة كل 5 سنوات ، وتكون مرتبطة بخطة تنمية مستدامة بحيث تأتي عوائد الإنتاج بعد فترة محددة لتدخل في منظومة البحث والتطوير.( بالأشارة الى تخصيص 1% من موازنة الدولة للبحث العلمى فى الدستور الجديد هى بطبيعة الحال أفضل من الواقع الحالي ، لكننا نقترح أن تصل فى مرحلة التحول الصعبة التى تمر بها البلاد إلى 1.5 % مؤقتًا لتتجاوز الميزانية 20 مليار جنية ) ثم تزداد تدريجيا لبلوغ مستوى 3- 5 % ولعله واضحًا من السطور السابقة أننا نؤمن بأهمية وضرورة التمويل الوطني الذي يستند إلى وعي الدولة بأهمية البحث العلمي وإلزام نفسها بأن تحدد لها مكانًا مرموقًا في تخطيطها للمستقبل.
- هناك مستوى أخر للتمويل وهو ما يسمى بالمنح وهو النظام الذي يقيد الباحث بموضوع أو مستهدف ربما لا يقبله أو خارج تخصصه ... أو يشترط عليه للقيام به أن يشترك معه مكون أجنبي من دولة معادية (علي سبيل المثال) وهو الأمر الذي يجعل قبول هذه المنح شديدة الوطأة علي النفس ويرفض الكثير من العلماء هذه المنح ويضطر الكثير منهم أما التوقف أو الأنفاق من ماله الخاص لتمويل مشروعاته البحثية (هذا النموذج في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا) ولعلنا نضيف أن أصحاب الهمة والرؤية البحثية الجادة من علماء الوطن وباحثيه ينبغي عليهم في مواجهة قلة الموارد أن يقدموا نموذج يتسم بروح التحدي للظروف مصحوبًا بروح الإيمان بقيمة أفكارهم ومشاريعهم العلمية الطموحة حيث لا ينبغي في هذه المرحلة تسييد ثقافه إنكسار الروح المعنوية والسخرية من عدم جدوى البحث العلمي بسبب قلة الموارد المتاحة ، ولتمكين هذه الروح وهذا الفهم يجب علي الدولة في المقابل تقديم أفضل ما لديها لسيادة قيم العدالة والشفافية فيما يخص أولوية التمويل للبحث العلمي ، ورعاية القائمين عليه ماديًا ومعنويًا.
- يمكن أيضا في هذا الصدد اقتراح تكوين صندوق "الرعاية العلمية" يمول من زيادة الضرائب علي السلع الكمالية ومظاهر الاستهلاك الترفي وحصيلة بيع أراض الدولة وكذلك تقديم كافة الحوافز التمويلية والإعفاءات الضريبية والجمركية لمشروعات التطوير البحث ونقل التكنولوجيا والمعلومات.
- إعادة نظام الوقف الأهلى للبحث العلمى والجامعات لزيادة التمويل .
4- تحدي الضعف الأكاديمي للجامعات ومراكز البحوث :
تعاني الجامعات المصرية - ضمن ما تعاني - تراجع حقيقي في مجالات نشاطها الحيوي في توليد المعارف وتطويرها واستخدام المعرفة لتطوير المجتمع وقياداته حيث أن دور الجامعة المباشر ينحصر في ثلاث محاور رئيسة هي :
- إعداد وتهيئة الكوادر العلمية ودفعها لمسارات المجتمع.
- البحث العلمي والتطوير التكنولوجي.
- خدمة المجتمع (وهي حصيلة وهدف مباشر للبندين السابقين).
بالنظر إلى المحاور السابقة قياسًا بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة تبدو المفارقة غاية في التخلف فلا الكوادر جيدة التعلم ولا هي مناسبة لسوق العمل ولا ميزانية البحث العلمي قادرة علي الوفاء بأهدافه ولا المجتمع في النهاية قادر علي قطف أي ثمار.
ويمكن بنظرة طائر، إجمال أهم عناصر التحدي الأكاديمي فيما يلي :
1- تراجع الجامعات عن ملاحقة التطورات المعرفية العالمية ونظرًا لأن الكتلة الرئيسية من جماعة البحث العلمي موجودة في الجامعات (70% تقريبًا ) فإنها تتحمل المسئولية الأكبر في تراجع منظومة البحث والتطوير.
2- يتصل بذلك - ويرتبط به - ضعف مراكز البحوث بسبب عدم وجود استراتيجية قومية شاملة للبحث والتطوير.
3- الاصرار الدائم علي استخدام آليات عقيمة في معايير الترقي لأعضاء هيئة التدريس والباحثين الأمر الذي أدى إلى استكمال الشكل دون تطوير حقيقي للمعارف والقدرات العلمية والابتكارية. (راجع د . محمد رؤوف حامد فى"الوطنية فى مواجهة العولمة")
4- الاعتماد علي سياسة "تسليم المفتاح" في التعاقد مع المؤسسات الأجنبية بدلًا من تدريب الكوادر الوطنية في تطوير وتوطين التكنولوجيا.
إن النظر في هذه الأوضاع المتراجعة ثم إعادة النظر في أوضاع العالم من حولنا يرتب علينا رفضا قاطعًا لا لبس فيه لاستمرار حالة التراجع والجمود التي تسيطر علي أوضاعنا الراهنة ، ثم يرتب ثانيًا ، وهو الأهم إنجاز تصور وطني طموح لاستشراف المستقبل بخصوص التطوير التكنولوجي.
ولمواجهة تحدى الضعف الأكاديمى يقترح :
إنشاء مجموعة متميزة من الجامعات البحثية الجديدة خلال 4 سنوات لدعم التطوير التكنولوجى والبحث العلمى ويكون توزيعها مرتبط بالمميزات النسبية لأماكن انشائها ( على سبيل المثال "الجامعة البحثية لتكنولوجيا الرمال البيضاء " تنشأ فى الساحل الشمالى أو فى سيناء ضمن المشروع القومى لإنشاء وادى السيليكون " الرمال البيضاء يبلغ سعر الطن الخام 7 دولارات يصل الى اكثر من 7000 دولار فى حال تصنيعها محليا ".وضمانًا لحسن تمويل هذه الجامعات البحثية تمنح كل جامعة من الجامعات الجديدة وقفًا بعشرة الآف فدان فى الأقاليم الصحراوية لتمويل انشائها وبحوث التطوير التى تقوم عليها Land Grant .
ثانياً : البحث العلمي خطة عبور :
تنقسم الخطة إلى مرحلتين كل مرحلة لها هدف محدد ومجموعة آليات (سياسات) لتحقيق الهدف :
1- مرحلة التحول : مدتها (ثلاث سنوات) وهدف هذه المرحلة "عبور الفجوة وامتلاك معالم الطريق" (هدف عاجل).
2- مرحلة الانطلاق العظيم : مدتها (10 سنوات) وتتشكل ملامحها في المرحلة الأولى وهدفها بناء المجتمع العلمي (هدف آجل ومستمر).
أولاً : آليات تحقيق الهدف الأول "العاجل" :
1- تشكيل "المجلس الوطني للعلوم والتكنولوجيا والمشروعات القومية " "مرجعية مستقلة وطنية " يضم أبرز علماء مصر المهمومين والمهتمين بالتخطيط الاستراتيجي يعاونهم علماء مصر في الخارج ، ويكون هذا المجلس هو المرجعية الأساسية لمنظومة البحث والتطوير يقوم علي :
أ- وضع خطط التطوير ومتابعتها.
ب- اختيار قيادات الجامعات ومراكز البحوث عبر الإعلان والتقييم الموضوعي والعلمي للمتقدمين للوظائف العليا.
ج- إدارة العلاقة بين وحدات البحث العلمي في الداخل ونظرائها في الخارج بهدف سرعة تجسير الفجوة العلمية والتكنولوجية.
د- تقييم المشروعات البحثية من حيث الجدوى وارتباطها بخطط التنمية الطموحة (مركزياً).وتوصيف وادارة المشروعات العلمية الأنتاجية الضخمة (سوف يأتى ذكرها لاحقا تحت عنوان البحث العلمى مشروع النهضة )
2- إعادة هيكلة (أكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث ووحدات الإنتاج والخدمات في الوزارات المختلفة) بشكل يسمح بتطوير نظامها الإداري والبحثي ليرتبط بمهام محددة لخطة التنمية القومية(تحت اشراف وتوجيه ومسؤلية المجلس الوطنى للعلوم والتكنولوجيا السابق ذكره ) ،
ولإعادة هذه الهيكلة يقترح :
أ- تشكيل قطاعات رأسية للمجالات البحثية الأساسية (قطاع البحوث الزراعية – قطاع البحوث الصناعية – قطاع البحوث الطبية – قطاع البحوث البيطرية ... إلخ) ويضم كل قطاع النخبة الأبرز من العلماء في كل مجال(بصرف النظر عن موقعه الوظيفى)، وميزة مفهوم "القطاعات الرأسية" أنه يزيل الحواجز بين المخطط والمبرمج والمدير والمنفذ أي اعتماد أسلوب الإنتاج المسمى Kaizen الذي يقوم علي روح الفريق فلا حواجز ولا حدود ولا تسلسل قيادي وهذا الأسلوب هو جوهر المعجزة الاقتصادية اليابانية (علي سبيل المثال).
ب- أو الإبقاء علي الهياكل الإدارية في هذه المراكز في المرحلة الانتقالية علي أن تحدد مهام بعينها يقوم بها كل مركز بحيث تترابط المهام وتفضي كل مرحلة من الخطة إلى مرحلة أخرى في انسجام طبيعي (التفاعل البحثي المتسلسل) ذو الفائدة المركبة.
3- التخطيط الاستراتيجي ويعني تخطيط قومي يهدف إلى تحقيق التقدم الاقتصادي الذي يرفع من القيمة التنافسية للدولة / المجتمع والتخطيط بهذا المعنى أشمل وأوسع من البحث العلمي في حد ذاته ، وإن كان البحث العلمي هو المكون الرئيسي له. يشمل هذا المعنى رؤية شاملة لتحقيق مجتمع الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية والتنمية الشاملة لكل الموارد المتاحة المادية والبشرية.
4- يرتبط بمفهوم التخطيط الاستراتيجي مفهوم "أولويات" التكنولوجيا الحديثة والمستحدثة (الاليكترونيات - الحاسبات - تحليه المياه - الكيمياء التوفيقية - الأدوية - الهندسة الوراثية - التكنولوجية الحيوية - المواد البديلة - الطاقة المتجددة - النانو تكنولوجي) وما يرتبط بهذه التقنيات من المعلوماتية والاتصال والتكنولوجيا الصناعية المتقدمة القادرة علي رفع معدلات الإنتاج بدون رأس المال.
5- نشر وتعميم مفهوم الثقافة العلمية في كل مراحل التعليم وفي كل مؤسسات الدولة تحت شعار " لكل قرار أساس علمي".
6- التخطيط الجاد لحل التناقض- وتقليص الفجوة - بين مقدار إسهامنا الإيجابي في البحث العلمي علي مستوى العالم (وهو ضئيل جداً) ومقدار احتياجنا الاستهلاكي الزائد لثمار التقدم الذي تحققه الدول الأخرى (وهو كبير جداً) وكذا التناقض بين مسعانا إلى استقلال قرارنا السياسي ، وحقيقة أن استقلال القرار السياسي يعتمد أساسًا علي القوة التنافسية للدولة بما تمتلكه من قوة الاقتصاد والعلم والتكنولوجيا.
7- تعظيم قيمة الإبداع والابتكار بالتشجيع والتطوير والرعاية للمؤسسات الحاضنة لهذه المشاريع.
8- الإبقاء في المرحلة الانتقالية علي ضم وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي لخدمة هدف التخطيط المشترك علي أساس أن الإدارة الاستراتيجية لأنشطة البحث العلمي والتكنولوجي لابد أن تكون علي المستوى القومي ، وحيث أن الجامعات تضم القوة الضاربة للعاملين بالبحث العلمي ، فليس من الحكمة فصل التعليم العالي عن البحث العلمي علي الأقل في المرحلة الراهنة.( يتوافق ذلك مع اقتراحنا السابق بإلغاء وزارة البحث العلمي ) ويمكن النظر في الأمر فيما بعد المرحلة الانتقالية خاصة إذا نجحنا في دفع النسبة الأكبر من العلماء والباحثين لخدمة عمليات البحث والتطوير في قطاعات الإنتاج والخدمات دون أن يؤثر ذلك علي تماسك هيكل الجامعة ودورها وضرورتها التعليمية.
9- لا يمكن والحال كذلك السماح باستمرار الفروق الهائلة بين ما يحصل عليه القيادات العليا في الإدارة (مرتبات ومكافآت) سواء في الجامعات أو مراكز البحوث ، وبين ما يحصل عليه زملائهم وأقرانهم بحيث لا يزيد الفرق بين أقل مرتب وأعلى مرتب عن ثلاثة أضعاف. يرتبط بذلك أيضا إعادة النظر في هيكلة ولوائح ما يسمى بالصناديق الخاصة ضمانًا للشفافية وعدالة التوزيع بين الجميع.
10- لا يمكن أن تمر المرحلة الإنتقالية (3 سنوات) قبل أن نتخلص من عار الأمية الأبجدية ، وأن نعتبر هذه المهمة المقدسة تابع "مقدس" من توابع ثورة 25 / 30 وأن يقوم بها الشباب خاصة.
11- التركيز فى مرحلة التحول على وضع أسس علمية لتجاوز المشكلات الهيكلية لمصر ( المياه والصحراء والطاقة والأمراض المتوطنة )
ثانياً : الهدف البعيد : بناء المجتمع العلمي "مرحلة الانطلاق العظيم" :
من الطبيعي والأمر كذلك أن تكون المرحلة الانتقالية قد وفرت الأسس الصلبة لبناء مجتمع المستقبل ودولة المستقبل "دولة العلم".
ودولة العلم هي دولة الديمقراطية والعدالة والتنمية الشاملة "القومية بالضرورة".
1- دولة العلم "هى دولة القانون والديموقراطية " :
يحكمها رئيس منتخب علي أساس دستور ديمقراطي صاغته جمعية وطنية ، مجتمع يتمتع بانتخابات نزيهة ورقابة دستورية مسبقة علي القوانين قبل إقرارها برلمانيًا ، مجتمع تحررت فيه العدالة من كل صور الارتباط بالسلطة التنفيذية ، مجتمع يتمتع فيه القضاء والقضاه بالاستقلال الكامل ، مجتمع تصان فيه حقوق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة والاعتقاد والتعبير والاجتماع والاتصال ، والمشاركة في الحياة العامة وضمان حق المساواة بين الجميع فلا تمايز ولا تمييز إلا بالكفاءة، والقانون هو أساس دولة العلم.
2 - دولة العلم هي دولة التنمية المستقلة :
والتنمية المستقلة تقوم علي مبدأ الاعتماد علي النفس ، والبداية هي تنمية البشر التي هي المقدمة لتطوير الإنتاج , والتنمية تعني دعم التعاونيات في مجالات عدة زراعية وحرفية وإسكانية يتجاوز انتاجها السنوي أكثر من عشرة مليارات جنيه .. والتنمية تعني زيادة نصيب الصحة والتعليم معًا إلى ربع إجمالى الانفاق العام ، مع الأخذ في الاعتبار أن مفهوم التنمية في العصر الحديث قد تجاوز المفاهيم القديمة المرتبطة بقوة العمالة ورأس المال.
لقد حلت التنمية الاعتبارية محل التنمية التقليدية حيث تشكل شبكة الاتصالات بأنواعها المختلفة السمعية والبصرية بديلًا عن الاجتماعات والتجمعات والاتصالات التقليدية ، وحيث تمثل المعرفة والمعلومة قيم مضافة إلى المنتج النهائي ، وحيث يمثل العلم والتكنولوجيا مكون أساسي يحل محل رأس المال وقوة العمالة التقليدية ، وحيث يلعب الذكاء الصناعي والحقائق الاعتبارية والمحاكاة دورًا جديدًا في رسم السياسات . وأصبحت التنمية الحقيقية في عالم اليوم هي تنمية قدرة المعرفة وقدرة الابتكار وقدرة الاستكشاف .
لقد حلت التنمية الاعتبارية محل التنمية الأفقية ، ولم يعد الحديث عن التنمية لا يعني الاقتصار علي مؤشر أحادي كمتوسط الدخل القومي أو الناتج القومي الإجمالي بل يضاف إلى ذلك - والأهم منه - مدى ارتباط ذلك بالرضا الاجتماعي العام ، والتنمية الشاملة التي هي أحد الأسس الحاكمة للمجتمع العلمي هي تنمية متوازنة متكاملة تحقق الإشباع الذاتي للمواطنين جميعًا ضمن إطار حضاري ثقافي يحترم تراث الأمة وخصوصيتها وهويتها وقيمها.
" إن العنصر الحاسم في تنمية أي مجتمع هو تطوير البشر ، بمعني تعظيم المعارف والقدرات البشرية ، وإطلاق الطاقات الكامنة في الناس بحيث يمكنهم إحداث التغيير المطلوب في البنيان الاقتصادي الاجتماعي هذا هو المضمون الجوهري لتحرير الإنسان ، ولكن الاستفادة من طاقات البشر تقتضي نظمها في نسق لتنظيم اجتماعي يمكن الناس من المشاركة بفعالية في عملية اتخاذ القرار ثم الإنتاجية والاستمتاع بنصيب عادل في توزيع الناتج"( نادر فرجانى ).
إذًا التنمية هدف ، وآلية لدولة العلم
3- دولة العلم " وطنية قومية "
بناء دولة العلم / المجتمع العلمي اختيار مصيري ، فقد تأخرت بلادنا كثيرًا عن اللحاق بركب العلم . كانت لنا محاولات مبكرة - في عهد الرئيس جمال عبد الناصر - في اكتساب وتطوير التكنولوجيا النووية والإلكترونيات ،
ومع إجهاض النهضة ضاع الحلم وأصبحنا من بلاد "التكنولوجيا الزائرة" أو "المستعارة" المحجوزة بأسرارها لفروع الشركات المتعددة الجنسيات ، والنتيجة تخلفت قدراتنا التصنيعية مع سنوات التبعية السياسية والاقتصادية ، والأن مع بداية عهد جديد مشرع بالأمل لابد لنا من خطة وطنية شاملة لاكتساب ونقل وتطوير وتوطين التكنولوجيا والعلوم الحديثة في مختلف جوانب الحياة في مصر في الانتاج والخدمات وتنمية الموارد المخصصة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي ، وتنمية التعاون من دول متقدمة كاليابان وفرنسا وألمانيا وتكثيف التعاون مع دول ذات تجارب نهضوية حديثة (ماليزيا - الصين - البرازيل ) وتشكيل مجموعات علمية واستثمارية متخصصة لشراء عقود التكنولوجيا ، ونقل التصميمات وتركيز جهود الابداع والابتكار وإعادة تنظيم هيئات ومراكز البحث العلمي واجتذاب العلماء المصريين والعرب والتوسع في إرسال البعثات للشباب الباحثين للبلدان المتقدمة وفي التخصصات المتقدمة وصياغة استراتيجية وطنية لتحديد فروع الصناعة والتكنولوجية المتقدمة ذات الأولوية.
علي الجانب الأخر فإن التنمية القومية هي الأختيار التاريخي العلمي الوحيد المطروح علي الأمة العربية لقد
أثبتت التجارب التاريخية استحالة نهوض قطر عربي بذاته بالتنمية الشاملة المستقلة ، ومن ثم فإن التخطيط الاستراتيجي لتطوير منظومة البحث العلمي في مصر يجب أن يأخذ في الاعتبار إمكانيات الاستفادة من الطاقات العربية في نفس المجال لخدمة هدف التنمية القومية الشاملة يؤكد هذا التصور ويحميه ما نراه من فوران ثوري تشهده كل الدول العربية سعيًا لتغيير أوضاع الاستبداد والقهر والتخلف ولهذا فإن وحدة الأشواق الثورية والمصير المشترك يمكن أن يوفر تكامل وتضاعف إمكانيات البحث العلمي والتطوير ، فلا فرصة لتنمية مستقلة ناجحة لا تتكامل عربيا بحيث يمكن تخصيص اقتصاد كل قطر عربي في أنشطة انتاجية بعينها تساعد علي تعميق الصناعة العربية والنهوض بالصناعات المتطورة ، ووضع برنامج تمويل لخطة التكامل ، وقيام الصناديق العربية بتنفيذه وإعادة الأموال العربية الهاربة والمهاجرة وإعادة توطينها في استثمارات قومية وإنشاء شركات عربية متعددة الجنسيات تنافس انتاجيًا مع الشركات الدولية داخل الوطن العربي وخارجه. اذا التنمية القومية اختيار مصيرى لدولة العلم
وبعد ، فإذا كان البحث العلمي هو ذروة المتتالية للإبداع والتفكير العلمي وهو المنوط به وبرجاله قيادة الأمة إلى غايتها الكبرى ، وإذا كان للبحث العلمي هذا الدور وهذه الضرورة فإنه لكي تكتمل الرؤية وتتكامل الخطة يجب علي المتخصصين في مجالي التعليم العام والتعليم الجامعي أن يقدموا رؤيتهم حتى تتأسس حركة النهضة علي هدى الإيمان وضياؤه ، ونور العلم وحقائقه.
ثالثا:البحث العلمى مشروع للنهضة
نهضة مصر مرهونة بتحريرها من أسر الوصاية الامريكية والصهيونية ، هذا أولًا وأساسيًا ، ثم استعادة دورها القائد فى اطار امتها العربية ، ومرهون أيضا بحاجة العالم إلى إشعاعها الفكرى والحضارى الإنسانى الواسع ، ومرهون قبل ذلك كله بالقيمة النسبية التنافسية للشعب المصرى العظيم ، وهى قدرته الفائقة على قبول التحديات الكبرى وتحويلها لملاحم انتصار بديعة (علينا ان نتذكر حرب 56 والسد العالى وانتصار اكتوبر المجيد وثورة 25 يناير بكل الهامها )
ومشروع نهضة مصر فى المرحلة المقبلة يحتاج من علماء مصر إلى انجاز جملة مشاريع قومية كبرى يكون من بينها على سبيل الاسترشاد مايلى :
1- مشروع تطوير و توطين تكنولوجيا الطاقة الشمسية والطاقات البديلة والمتجددة جنبا الى جنب مع الطاقة النووية.
2- مشروع الاكتفاء الذاتي من القمح والمحاصيل الرئيسة.
3- مشروع الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية والسمكية والداجنة.
4- مشروع تطوير الساحل الشمالي بعمق 40 كم (الاسكندرية - السلوم) .
5- مشروع عاصمة جديدة لمصر (عصرية شابة).
6- مشروع منخفض القطارة .
7- مشروع التوزيع الجغرافي للسكان ( د.ممدوح حمزة ).
8- مشروع حفظ الاصول الوراثية للنباتات والحيوانات المحلية(خاصة الاعشاب الطبية النادرة) .
9- مشروع مركز زراعات المياه المالحة.
10- مشروع انشاء وادي السيليكون.
11- مشروع تصنيع القمر الصناعي المصري محليًا .
12- مشروع تطوير منطقة قناة السويس بعد افتتاح قناة السويس الجديدة .
13- مشروع نقل واعادة توزيع طمي النيل من بحيرة ناصر إلى الأراضي الصحراوية فى جنوب الوادي لتخصيبها .
14- مشروع توسيع رقعة المعمور المصري لاستيعاب الزيادة السكانية ( يمكن اقتراح مشاريع اخرى ) .
وبعد فأنني في صياغة هذه الأفكار قد استفدت بعطاء علماء أفذاذ أذكرهم - وأشكرهم - جميعًا ، وأتمنى لهم بطول البقاء والعطاء د. محمد رؤوف حامد، د. مصطفى سويف، د. حسين كامل بهاء الدين (التعليم والمستقبل) د. نادر فرجاني، د. سلمى جلال، د. شبل بدران، د. عبد العظيم أنيس، د. لطيفة النادي، د. رشدي سعيد، د. محمد عبد الشفيع عيسى، د. حازم الببلاوي- د . محمد بهى الدين عرجون .