ما وراء شعارات الأبدية والدين الإبراهيمي!!

ما وراء شعارات الأبدية والدين الإبراهيمي!!

بقلم دكتورة / هناء الشيخ

كان معرضا غريبا من حيث العنوان والتوقيت والمكان والملصقات والمعروضات ، أما العنوان فكان من كلمتين هما ( اليهودي الأبدي ) وأما المكان فكان المتحف الألماني في ميونخ، وأما التوقيت فقد امتد من ٨ نوفمبر ١٩٣٧م إلى ٣١يناير ١٩٣٨م، أي على مشارف الحرب العالمية الثانية وقبل ظهور المحرقة والدعاية من حولها ، وأما المعروضات فقد ضمت صورا ورسوما كاريكاتورية ، لكن الملصق الرئيسي للمعرض كان عبارة عن صورة يهودي شرقي يرتدي قفطانا ويحمل عملات ذهبية في إحدى يديه وسوطا في اليد الأخرى ، مما يعني أنه يتعامل ( مع الأغيار ) بخيارين اثنين ، إما الشراء بالمال وإما الإكراه بالضرب .

لقد كان اكثر ما استرعى انتباهي في ذلك كله إضافة إلى الرموز التي يضمها الملصق هو العنوان : ( اليهودي الأبدي ) حيث تم بعث كلمة الأبد والأبدية مؤخرا ، بل كادت أن تصبح عنوانا مكررا بصيغ مختلفة لمظاهر وأنشطة كبرى ، ذات طابع عالمي واهتمام دولي وجماهيري واسع ، إن فيس بووك مثلا باعتباره مائدة الحوار المفتوح حول العالم قد اختار لنفسه مؤخرا اسما جديدا هو ( ميتا ) وهو يكاد أن يكون تعبيرا عن كلمة الأبدية ( معناها في اللغة اللاتينية رجوع الشيء لأصله وتعريفها في الميثولوجيا الدينية القديمة التسامي ومنح الخلود ) أما كأس العالم لكرة القدم المرتقب في قطر فقد اختاروا له شعارا يحمل نفس دلالة ( الأبدية ) وهي ∞ انفينتي أيضا ، بل إن الأمم المتحدة ممثلة في إحدى منظماتها وهي اليونسكو أقامت مؤخرا معرضا في محافظة الجيزة في مصر واختارت له عنوانا ربما أكثر وضوحا في التعبير عن التوجه ذاته وهو ( الأبد هو الآن ) .

إذا كان هذا التوجه لاستخدام تعبير الأبد والأبدية بصيغ مختلفة على أنشطة واحتفالات ومهرجانات ذات طابع دولي وجماهيري واسع، فما هي أسبابه؟ وما هي دلالاته؟ وهل ثمة صلة بينه وبين عنوان معرض ميونخ القديم (اليهودي الأبدي)؟ .

يبدو أننا أمام مدينة مسحورة، أو غارقة في الضباب ، أو أمام شرفة عالية ، لذلك علينا أن نقفز أسوارها سورا بعد سور ، أو أن نصعد درجاتها واحدة بعد واحدة .

إذا صعدنا الدرجات الأولى وبحثنا في جذور كلمة الأبدية أو الأبد، لوجدنا لها منبتا يشكل ارتباطا بالميراث اللاهوتي اليهودي ، ليس في أصوله فحسب وإنما في ما   أدخل عليه ، أو أضيف إليه على امتداد قرون من الزمن .

وإذا صعدنا الدرجات الثانية حول أعمدة هذا الميراث اللاهوتي اليهودي في أصوله وما أدخل عليه، لتبين لنا بوضوح شديد أن كلمة الأبدية أو الأبد أشد ما تكون ارتباطا وتلازما مع ما يطلق عليه ( ميثاق بني إسرائيل ) .

وإذا واصلنا الصعود قفزا على الدرجات الأعلى، فسوف نرى أننا أمام شبكة واسعة من الممرات جميعها تؤدي إلى ممر واحد هو (الإبراهيمية أو دعوة الدين الإبراهيمي الجديدة ) .

أما إذا تمكنا من الوصول إلى الشرفة العالية لهذه المدينة المسحورة، فسوف نطل مباشرة على المشهد الخلفي وهو المشهد الأخير، وهو ليس إلا إقامة إسرائيل الكبرى، ارتباطا متلازما مع كل الدرجات السابقة.

قد يبدو ذلك تلخيصا مخلا يحتاج إلى تفصيل وشرح وتوثيق وإلا لكان تعبيرا عن خيال جامح أو مجرد ظن واشتباه.

إن الحديث عن الإبراهيمية لم يبدأ إلا حديثا بالمصطلح ذاته ( الديانات الإبراهيمية ) فلم يظهر المصطلح إلا في بداية القرن الثامن عشر كتعبير لاهوتي قديم حيث تم تحويله إلى تعبير سياسي لجمع المسيحية الغربية واليهودية تحت سقف واحد مثل الخطوة الأولى نحو خلق تيار سياسي مشترك بغطاء ديني هو ( المسيحية الصهيونية ) مثلما تبدو الخطوة الثانية لجمع اليهودية والمسيحية الصهيونية والإسلام تحت سقف واحد في تعبير ديني هو ( الديانة الإبراهيمية ) يمثل بدوره تعبيرا سياسيا شاملا عن القبول بالصهيونية ومن ثم بإسرائيل الكبرى .

تلك هي الشرفة العليا كما سبق القول، لذلك سنعود إلى هبوط الدرجات السابقة والتوقف أمام كل منها باعتبارها تمثل بنية المشروع الكبير.

لقد سبق القول أن كلمة الأبد و الأبدية هي جزء من بنية الميثاق الإبراهيمي أو العهد الإبراهيمي أو على وجه التحديد (ميثاق بني إسرائيل) إن هذا الميثاق هو ميثاق  إبراهام قبل أن يتغير اسمه إلى إبراهيم من بعده ، وهو يشكل كما يقولون وعود الله إلى إبراهيم ، وهي وعود يقولون أنها تتضمن حسب الميثاق الإبراهيمي ثلاثة وعود رئيسية ، لكن الوفاء بها يتطلب تحقيق شروط والتزامات وترتيبات خاصة .

أما أول هذه الوعود فيتعلق بوجود ذرية لانهائية ∞ لا تعد ولا تحصى، ستحمل الكهنوت والإنجيل وتبارك جميع قبائل الأرض بالخلاص والحياة الأبدية.

لكن ثمة ملاحظة هامة في موضوع الذرية اللانهائية يشير إليها ( راسل م. نيلسون ) عضو لجنة رابطة الرسل الاثنى عشر تتعلق بجمع هذه الذرية اللانهائية أو جمع إسرائيل حسب تعبيره ، إضافة إلى كافة قبائل الأرض التي يصفها بأنها لم تنل المعرفة ، وهذه الملاحظة هي تأكيده على العمل لجمع مخططات النسب أو ( الجينوم ) وبذل جهود أرضية من الآخرين في ذلك لإنشاء أوراق مجموعات العائلة ، أي أن مشروعات جمع مخططات النسب التي تتم سواء بمعرفة أصحابها أو بغير معرفتهم هدفها مرتبط بزيادة الذرية بالكشف عن جينات بني إسرائيل ممن يحملون هويات مختلفة وإضافتهم لتكوين هذه الذرية اللانهائية .

أما ثاني هذه الوعود فهو يتعلق بالأرض المختارة أو أرض الميعاد التي سيمنحها الرب لهم، وهي محددة على نحو قاطع (من مصر إلى بلاد النهرين) أي من مصر إلى العراق وما بينهما ( يؤكد على ذلك بروس ريد ماكونكي وهو أحد أعضاء لجنة الرسل الأثنى عشر لكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بقوله : إن أرض الميعاد يتكون لهم مرة أخرى في تلك الأبدية التي تنتظرهم حيث ستتوج بحضور الله أي المجئ الثاني لابن الرب ) .

أما ثالث هذه الوعود فيتعلق بتحقيق (الخلاص والحياة الأبدية) عندما تكتمل الذرية وتتم السيطرة على الأرض المختارة أو أرض الميعاد ، ويتم إدخال الجميع في شروط العهد الإبراهيمي أو بالمعنى المباشر إدخال الجميع في الدين الإبراهيمي .

لذلك كما يقول مورمون في كتابه عن قبائل بني إسرائيل التي هاجرت إلى الأمريكيتين (من أجل الوفاء بالعهد يجب على جميع أبناء بني إسرائيل أن يتحدوا تحت قيادة " الميسايا " في أرض ميراثهم وأن يعيشوا كشعب صهيوني، وأن يعم السلام بين الأمم الأخرى).

والسؤال: ما هو الميسايا ؟

تجيب على ذلك حسب كتاب مرمون نفسه نصوص من أسفار العهد القديم فهو: ( مجلس حكماء اليهود الذي ستتطلع إليه جميع الأمم ليكون قائدهم – سيكون الميسايا إنسان من هذا العالم وسيكون يهوديا – سوف يضم ويجذب كل الشعوب من مختلف الثقافات والأمم )

غير أنه في مسألة قيادة الميسايا ينبغي التأكيد على أن اليهود لا يؤمنون بيسوع المسيح لاختلاف منهجه عن اعتقادهم وتصورهم لشخصية المسيح، ففي علم الآخرة اليهودي ( الاسخاتولوجيا ) فإن الميسايا أو المسيح هو ملك اليهود المستقبلي من نسل النبي داوود ، والذي سوف يكون ممسوحا بالمسحة المقدسة ، ينصب حاكما على الشعب اليهودي جالبا معه بداية العصر الميسياني .

السؤال بعد ذلك هو: كيف يتحقق العهد أو ما هي العناصر التي ينبغي صنعها كي يتم ذلك؟

حسبما جاء في دراسة (تعاليم ميثاق إبراهيم لفيكتور ليدي) فإن هذه العناصر – مع اختزالها إلى الحدود الدنيا – هي:

١- المقدمة وهي عبارة عن إنشاء روابط بين الأطراف الرئيسية (وسائل اتصال).

٢- السياق التاريخي وهو تقديم نص تاريخي للالتزام بالعهد.

٣- دخول أطراف العهد في قوانين وعهود والتزامات مع بعضهم البعض.

٤- شهود عيان سواء أكانوا سماويين أو أرضيين على أن أطراف العهد قد قامت بعملها الصحيح.

٥- استمرا أعمال العهد من خلال التسجيل والتجديد.

٦- تحقق أمل إسرائيل ووعودها لأنه (حين إذن ستتم كلمات النبي أشعياء والتي تنبأت بوقوع الحراسة وابتهاج شعب الرب لأن صهيون قد تأسست).

لسنا إذا أمام دين اسمه الدين الإبراهيمي، وإنما أمام خطوات تمرر تباعا لتحقيق ميثاق بني إسرائيل أو وعد إبراهيم من الله والذي لا يمكن الرجوع عنه كما يقول اليهود ، وهو الوعد الذي سيمنحهم الأبدية في الأرض من خلال الميسايا ، بعد أن يدمجوا كل الأمم من سلالة إبراهيم من عرب أو من عجم ، سواء أكانوا خطاة تحت راية واحدة .

انهم يعتقدون أن الوعد قد اكتمل أو يوشك على الاكتمال، وأن البركات ستتنزل على جسد المخلص ليفي بوعده بعد أن يندرج الجميع تحت العهد الإبراهيمي .

لماذا اختاروا للمثليين مثلا رمز ألوان قوس قزح، لأنه رمز المخلص كما في حالة نوح حيث ظهر الله له في رمز قوس قزح أي أنه علامة المغفرة التي سيعطيها لهم الميسايا.

الأمر في النهاية ليس دينا مشتركا، وإنما طغيان دين واحد، وليس جمعا على مشترك إبراهيمي، وإنما جمع على مشترك صهيوني، وهو مشترك ظاهره الرحمة والتسامح والسلام ولكن باطنه العذاب، ظاهره الثراء وباطنه الفقر، ظاهره التحرر وباطنه الاستعباد، ظاهره الحقوق وباطنه الاستلاب .

لسنا بصدد دعوة للتسامح وإنما دعوة لإقامة إسرائيل الكبرى واستعباد بقية الأمم، وأولها الأمة العربية والإسلامية.

إذا كان مآلهم كما يعتقدون هو الأبدية فإن مآلنا كما يخططون هو العدمية.