ألمانيا .. عندما تُلقى الحقوق الأساسية من النافذة

ألمانيا .. عندما تُلقى الحقوق الأساسية من النافذة
بقلم/ ياسر أبو معيلق
في بلد مثل ألمانيا، التي تحرص فيها مؤسسات الدولة بشدة على عدم مخالفة بنود الدستور (المسمى هنا "القانون الأساسي") وحماية حقوق المواطنين الأساسية، أجد أن لجوءها مؤخراً إلى الاعتداء على حق أساسي للمواطن، وهو الحق في الحرية، من أجل "الراحة"، يثير الخوف إزاء مستقبل هذه الدولة:
في ولاية بافاريا الألمانية، قامت السلطات مؤخراً بتحويل نشطاء لحماية البيئة، كانوا قد تظاهروا عن طريق إلصاق إيديهم بأرض شارع عام في مدينة ميونيخ، لما يسمى بـ"الحبس الاحترازي المطوّل" لمدد تتراوح بين أسبوع و٣٠ يوماً.
"الحبس الاحترازي"، المسمى بالألمانية (Verwahrungshaft) هو إجراء يسمح لأجهزة الأمن الألمانية باحتجاز مشتبه به لمدة لا تزيد عن ٤٨ ساعة، لحين استصدار أمر قضائي للحبس على ذمة التحقيق.
لكن في حالة النشطاء البيئيين سابقي الذكر، أمرت السلطات بحبسهم "احترازياً" لمدة ٣٠ يوماً، وذلك خوفاً من خروجهم وتكرار فعل لصق أنفسهم للشارع مرة أخرى.
بمعنى: الدولة الألمانية سمحت لسلطتها التنفيذية بسلب الحق الأساسي في الحرية لبعض مواطنيها لمجرد الافتراض بأنهم سيرتكبون جريمة (أو جُنحة في هذه الحالة).
اعتقال وحبس بعض الأشخاص - المزعجين حقيقة - لمجرد الاشتباه في أنهم قد يرتكبون جرماً يوماً ما (أو قد لا يرتكبونه)، وذلك في دولة تتباهى بشكل شبه يومي بأنها منارة الحرية والحقوق الأساسية، لا بل وتسعى لنشر قيمها ورسالتها في دول أخرى تجدها أقل حرية منها، عبر تمويل سلسلة من البرامج التنموية، وبرامج إعلامية ظاهرها مستقل، وباطنها تمويل مشروط من مؤسسات الدولة الألمانية بعدم الحياد عن القيم التي تريد ألمانيا نشرها في الدول المستهدفة، شيء مرعب وكاشف.
لطالما تحدثت عن أن ألمانيا بلد الـ"Doppelmoral"، أو المعايير القيمية المزدوجة، ولكن هذا العام - بالنظر إلى تطورات القضية الفلسطينية وحرب أوكرانيا وأزمة الطاقة ومونديال قطر، وأخيراً الاحتجاجات البيئية المتصاعدة - أكد لي أن هذا لم يعد اتهاماً أو اشتباهاً عاماً، بل حقيقة تؤكدها الأخبار يومياً.
ملاحظة: أرجو ألا يخلص البعض إلى أن هذا المقال يهدف للدفاع عن دول بعينها من خلال تشويه صورة ألمانيا. أنا هنا أزن الفعل الألماني على الميزان الذي وضعه الألمان لأنفسهم .. لا أكثر ولا أقل.
(حقوق الصورة: رويترز)