هكذا تعرّف ورقة للمفوضية الأوروبية موقف الاتحاد الأوروبي من الصين: فهي أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، ومصدر مهم للمعادن النادرة والخامات اللازمة لصناعات أوروبا المتقدمة، مروراً بالتقنيات التي احتكرتها الصين، خاصة في مجال الطاقات البديلة.
الصين أيضاً منافس تجاري لاقتصادات الاتحاد الأوروبي، المعتمدة على التصدير والخدمات. كما أنها - أي الصين - خصم لأنظمة الحكم الأوروبية الديمقراطية (حسب فهمها)، كونها تقدم بديلاً سياسياً مختلفاً تسعى لتسويقه،
بحسب رؤية الأوروبيين.
رغم ذلك كله، فإن تناقضات الاتحاد الأوروبي باتت "ماركة مسجلة"، برزت علاماتها أكثر وأكثر في خضم عاصفة الأزمات العالمية الراهنة:
فبعد أن اتفقت الدول الأوروبية الـ٢٧ - حتى المتقارب منها مع بكين مثل هنغاريا - على ضرورة تحقيق استقلالية أكبر من الصين، لاسيما في القطاعات الحساسة، كالصناعات المتقدمة والاستحواذ على البنى التحتية، نجد المستشار الألماني أولاف شولتس يعلن عن زيارة إلى الصين مطلع نوفمبر، هي الأولى لزعيم غربي منذ نهاية ٢٠١٩ (عندما بدأت كورونا تضرب أطنابها في عموم الكوكب).
شولتس، الذي كان وزيراً للمالية في عهد المستشارة السابقة أنغيلا ميركل، سيصطحب معه وفداً من كبار رجال المال والاقتصاد والصناعة الألمان.
المضحك غير المبكي في هذه الزيارة أنها ستأتي بُعيد مؤتمر للحزب الشيوعي الصيني الحاكم كسر كل أعراف الماضي، وسيترك الرئيس الحالي، شي جين بينغ، يحكم مدى الحياة (بعد تجاوزه سن الـ٦٨ المتعارف عليه كحد لتقاعد الأمين العام للحزب وانتخابه لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات)، ما يعني ضمنياً تثبيت أركان حكمه للصين، وتبني خط أكثر تشدداً في عدد من القضايا المحلية والدولية.
لاننسى أيضاً أن الحكومة الألمانية قد تجيز استحواذ شركة "كوسكو" الصينية على أحد أرصفة ميناء هامبورغ، الذي يعتبر من أكبر وأنشط موانئ أوروبا، وهو قرار لم يلق تشجيعاً كبيراً في بروكسل.
بالنسبة لشي جين بينغ:
الرجل عمل اللي ما ينعمل: أقصى كل خصومه السياسيين الذين كانوا يعوّلون على "انقلاب هادئ" ضده، وخصوصاً منافساه، رئيس الوزراء المنتهية فترته لي كيتشيانغ، ووانغ يانغ. اللجنة المركزية للحزب، وهي بمثابة الجهة الحاكمة للبلاد بقيادة الأمين
العام، ضمت ٢٠٠ عضو، بينهم شي جينبينغ، ولكن المذكور اسماهما أعلاه ليسوا فيها، ما يعني إحالتهما على التقاعد مباشرة.
طبعاً بعضكم سيقول: ماذا لدينا لنقدمه كي نحرز مركزاً متقدماً بين الأمم؟
الإجابة: الكثير الكثير، ولكنك لم تفتح عيونك بعد. انظر لبريطانيا، مثلاً .. تلك الجزيرة ضعيفة الموارد. ماذا لديها لتقدمه أكثر من ملاذ آمن لأموال بارونات المخدرات وأوليغارشات روسيا
و"شاي العصاري" المبالغ فيه؟ قُل لي ماذا لديها غير ذلك واربح جائزة.
أقول:
ليس لنا وسط هذا التضارب في المواقف والأنباء إلا أن نلتجئ لأنفسنا. منذ سنوات أكرر أننا - كدول وشعوب عربية - مقبلون على نافذة قصيرة من "الفوضى" يتوجب علينا استغلالها كي نضع لنا بصمة ونتبوأ مكاناً أفضل بين الأمم، وألا نقبل بـ"مساحة الراحة" (comfort zone) التي ارتضيناها لأنفسنا منذ عقود، بل وعززناها أكثر في الثقافة والفن والأدب.
تعلموا منهم .. لتتعلموا عنهم!
(صورة أرشيفية لأولاف شولتس عندما كان وزيراً للمالية في عهد ميركل. الحقوق: imago).