قراءة في كتاب علاقات مصر بتركيا في عهد الخديو إسماعيل (1863–1879)

بقلم: عمرو صابح
كتاب علاقات مصر بتركيا في عهد الخديو إسماعيل (1863–1879) هو رسالة ماجستير للمؤرخ المصري د. أحمد عبد الرحيم مصطفى، قُدّمت لكلية الآداب بجامعة القاهرة في عام 1951. يركّز المؤلف في رسالته على العلاقات المصرية–التركية خلال عهد الخديو إسماعيل، كما يستعرض العلاقات المصرية مع إنجلترا وفرنسا في نفس الفترة.
الخديو إسماعيل كان رجلًا طموحًا ولكنه أجوف، إذ أراد أن يجعل من مصر "دولة مستقلة" عن السلطان العثماني، وفي الوقت نفسه لاعبًا إقليميًا مؤثرًا في الشام والسودان والبحر الأحمر، بل وأوروبا أيضًا. كما كان يسعى لنقل ولاية العهد لأكبر أبنائه وتحويلها إلى وراثة في أسرته. ولكنه كان يفعل ذلك عبر توزيع الأموال والهدايا، وهذه الأموال لم تكن نتاج نهضة اقتصادية حقيقية في مصر، بل كانت نتيجة القروض التي سعى للحصول عليها مهما كانت فوائدها مرتفعة.
كان إسماعيل مفتونًا بالمظاهر، فأنفق أموالًا طائلة للحصول على الفرمانات السلطانية 1867 و1873 لإثبات استقلاله الشكلي عن الباب العالي. وكان يظن أن بناء القصور وتوزيع الهدايا على العثمانيين والأوروبيين سيحقق له الاستقلال، بينما أهمل بناء قوة اقتصادية حقيقية.
- الدور الأوروبي
لعب الأوروبيون، وبخاصة فرنسا وإنجلترا، على طموح إسماعيل. فقد منحوه الفرمانات عبر وساطتهم في إسطنبول مقابل إغراق مصر بالقروض. وكانوا يظهرون له الدعم أمام السلطان عبد العزيز، بينما في الواقع كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة للسيطرة على مصر. وبهذا حصل إسماعيل على استقلال شكلي عن السلطان، وتبعية فعلية لأوروبا.
- موقف السلطان العثماني عبد العزيز
كان السلطان عبد العزيز (1861–1876) مدركًا لخطورة الاستدانة من أوروبا، خصوصًا بعد ما غرقت الدولة العثمانية في أزمة الديون. وقد رأى أن القروض ليست عبئًا ماليًا فحسب، بل وسيلة للتدخل السياسي، وأن الأوروبيين لن يتركوا إسماعيل يتصرف بحرية بعد ربطه بالديون. وقد نبه إسماعيل مرارًا أن مشروعاته غير مدروسة وأدت إلى سوء الأحوال المعيشية وزيادة شكاوى المصريين.
- عالي باشا ورفض استقلال إسماعيل
كان عالي باشا، رئيس الوزراء العثماني (الصدر الأعظم)، يرى أن إسماعيل والي متمرد على السلطان العثماني ويحكم إحدى أهم ولايات السلطنة. عارض معظم طموحات إسماعيل في الاستقلال، واعتبر نفوذه تهديدًا لهيبة السلطان. وكان عالي باشا على وعي مبكر بأن القروض الأوروبية ستفقد مصر والدولة العثمانية استقلالها، لذلك كان متحفظًا جدًا تجاه طلبات إسماعيل المتكررة للحصول على الفرمانات.
في فرمان 1867، الذي منح إسماعيل لقب "الخديوي" وحق التوريث لأبنائه، لعب عالي باشا دورًا في صياغته بحيث لا يمنح إسماعيل استقلالًا كاملًا. وعندما بدأت أزمة ديون إسماعيل تتفاقم عام 1868، كان عالي باشا من أشد المحذرين من ترك الحرية الكاملة له. وقد أرسل له إشارات تحذيرية بأن "القروض فخ أوروبي"، لكنه لم ينجح في كبح جماحه. وبعد وفاة عالي باشا سنة 1871، أصبح إسماعيل أكثر حرية في الاقتراض من الأوروبيين.
- إفلاس الدولة العثمانية والرقابة الأوروبية
في 6 أكتوبر 1875، أعلنت الدولة العثمانية إفلاسها.
في 30 مايو 1876، عُزل السلطان عبد العزيز، وفي 4 يونيو 1876، أعلن عن انتحاره.
في أبريل 1876، أعلنت الحكومة المصرية توقفها عن دفع أقساط الديون نتيجة تراكمها إلى نحو 100 مليون جنيه إسترليني، في حين كانت إيرادات مصر أقل بكثير من تغطية خدمة الدين.
حاول إسماعيل إيجاد حلول داخلية، مثل لجنة التحقيق المالي، لكن الدائنين الأوروبيين رفضوا.
في 7 مايو 1876، تم إنشاء صندوق الدين المصري لإدارة موارد معينة (كالضرائب المخصصة للسداد) لصالح الدائنين.
وفي 18 نوفمبر 1876، صدر مرسوم إنشاء الرقابة الثنائية، فعيّن مراقبان أجنبيان (إنجليزي وفرنسي) للإشراف على مالية الدولة، مما قيّد سلطة الخديوي وأفقد مصر استقلالها المالي.
- تولي السلطان عبد الحميد الثاني
في 31 أغسطس 1876، تولى السلطان عبد الحميد الثاني حكم الدولة العثمانية، وجاء في وقت أزمة خانقة: إفلاس الدولة العثمانية، وحرب وشيكة مع روسيا، وضغوط أوروبية على جميع الملفات. وكان عبد الحميد مقتنعًا أن الحفاظ على ما تبقى من الدولة يقتضي شدّ قبضته على الولايات الكبرى، مثل مصر.
- سفه إسماعيل في الحروب
لم يقتصر سفه إسماعيل على الاقتراض وتبديد الأموال، بل امتد إلى تبديد أرواح المصريين عبر المشاركة في حروب الدولة العثمانية وحروب الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث:
- حملة كريت (1867–1869): أرسل 10 آلاف ضابط وجندي مصري، مات منهم ألف.
- حملة المكسيك (1863–1867): أرسل 453 ضابطًا وجنديًا، عاد منهم 104 فقط.
- حملة البلقان (1877–1878): أرسل 15 ألف جندي، فقد ثلثهم تقريبًا (حوالي 5 آلاف قتيل)، ودُفعت أموال ضخمة لتجهيز القوات.
- نهاية حكم الخديو إسماعيل
في فبراير 1879، ثار الرأي العام والجيش ضد وزارة نوبار باشا التي شُكّلت بضغط إنجلترا وفرنسا لفرض الرقابة الثنائية على مالية مصر. وقد أُقيل نوبار باشا، وأعلن الخديو رفضه وجود وزراء أجانب في حكومته. وأدى ذلك إلى صدام مباشر مع القوى الأوروبية، ما عجل بعزل إسماعيل في 26 يونيو 1879 وتولي ابنه توفيق الحكم.
كانت سياسات إسماعيل السبب الرئيسي في احتلال بريطانيا لمصر عام 1882، بعد مرور ثلاث سنوات على عزله وتولي ابنه توفيق الحكم.
-من يقرأ الكتاب لن يتعاطف مع إسماعيل، الذي كان حاكمًا تجاوزت طموحاته قدراته، سعى وراء مظاهر الحضارة وأهمل جوهر التقدم، وظن أنه قادر على التلاعب بالعثمانيين والأوروبيين، فانتهى به المطاف لعبة بيد الجميع.
أراد إسماعيل أن يكون محمد علي الجديد، ولكنه افتقد دهاء وصبر محمد علي.
الكتاب صادر عن هيئة قصور الثقافة في مصر.