هل تقود الحرب الروسية الأوكرانية إلى حرب نووية؟

كتبت: حنين إسلام
باحثة مهتمة بالشؤون السياسية
ظهرت الإشكالية الروسية بعد فرض العقوبات عليها عقب الغزو العسكري لكييف، في الوقت الذي يرى الجانب الروسي أن هذه العقوبات قد تجبر موسكو على الخروج من أهم اتفاقياتها مع الغرب؛ إذ أشار ورئيس الوزراء الروسي "ديمتري ميدفيديف" إلى معاهدة ستارت الجديدة الموقعة مع واشنطن، والتي تهدف إلى خفض الأسلحة النووية، فضلًا عن احتمالية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية.
وفيما يتعلق بالتهديدات النووية، أشار التقارير إلى أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" اتخذ خطوات لتعبئة قواته النووية، وهو الأمر الذي زاد من احتمالية استخدام الأسلحة النووية في هذا الصراع، كما أثار رد فعل الدول الغربية غضب موسكو، وربما تعزل روسيا نفسها عن كل ما أنجزته في السيطرة على الأسلحة النووية والحد منها، مثل ما حدث خلال الأزمة الكوبية في عام 1962؛ إذ لعبت روسيا دورًا إيجابيًا بشكل عام في منع الانتشار النووي ووقف التجارب النووية وخفض المخزونات النووية.
كما أن غزو روسيا لأوكرانيا قد يؤدي إلى أن تصبح روسيا أكثر عزلة وتتوقف عن لعب أي دور دولي، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الروسي عن خروج موسكو من معاهدة ستارت الجديدة، ووقف العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول الغربية، في الوقت الذي يجب فيه على الولايات المتحدة ضرورة بذل قصارى الجهود لإبقاء روسيا منخرطة دبلوماسية الحد من التسلح، في الوقت الذي تستمر فيه الخسائر على الجانب الروسي نتيجة غزو كييف، كما ينبغي على واشنطن الحد من الضرر الأكبر الذي يلحق بهيكل الأمن الدولي.
وفي هذا الصدد، أوضحت التقارير أن العزلة الروسية، قد تعيق الجهود لمنع الانتشار النووي، ومن المتوقع أن يتم عقد مؤتمر لمراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي؛ إذ تنضم روسيا إلى جانب الصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهذه الدول التي تمتلك أسلحة نووية والتي اعترفت بها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفي وقت سابق أصدرت هذه الدول بشكل مشترك بيانًا لمنع استخدام الأسلحة النووية في الحروب، كما أن تهديد "بوتين" باستخدام الأسلحة النووية في الأزمة الأوكرانية، قد يعرقل جهود عمل المؤتمر المزمع عقده في أغسطس المقبل.
كما أن الدول التي سعت إلى الحفاظ على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية تواجه ضغوطًا كبيرة من الدول غير النووية التي تدعم معاهدة حظر الأسلحة النووية؛ حيث أن الموقعين على هذه المعاهدة غير راضين عن التقدم المحرز في نظام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومن المرجح أن تدفع باتجاه اتخاذ تدابير أكثر صرامة للإسراع بنزع السلاح، مثل العقوبات الاقتصادية ضد أي دولة تواصل نشر الأسلحة النووية، وربما تستجيب الدول والشركات بشكل أكثر استعدادًا لمثل هذه الضغوط، ويتعين على دول معاهدة حظر الانتشار النووي ضرورة إيجاد طرق لبناء أهداف مشتركة مع مجتمع معاهدة الحظر.
وفيما يتعلق بتجديد الثقة في المفاوضات الثنائية بين موسكو وواشنطن، هناك ضرورة لإعادة القيود المفروضة على الصواريخ متوسطة المدى التي تُطلق من الأرض (INF)، وهو الأمر يعتبر محل اتفاق بين البلدين، وكانت روسيا على استعداد لإزالة الصواريخ من أوروبا التي انتهكت معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى ونقلها شرق جبال الأورال، كما أن واشنطن كانت للنظر في التخلي عن نشر صواريخ (INF) في أوروبا، فضلًا عن أن تبني هذه الإجراءات سيساعد في إرساء أسس التعاون أمريكي روسي بشكل أوسع في الحفاظ على نظام الحد من التسلح وتعزيزه، كما يجب أن تدفع هذه الديناميكيات الولايات المتحدة إلى التفكير بشكل واسع فيما يمكنها تحقيقه مع روسيا على طاولة المفاوضات النووية، بالإضافة إلى تغليب مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالدور الصيني في مشاركتها داخل نظام الحد من التسلح الدولي، أكدت تقارير أن الدور الصيني قد يتزايد من خلال مشاركتها، بعد مكوث الجانب الصيني خلق واشنطن وموسكو بحجة أن ترساناتهما النووية الاستراتيجية تتطلب منهما تولي زمام المبادرة في مناقشات منع الانتشار النووي ونزع السلاح، وربما تظهر الصين استعدادها لتسهيل وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
وختامًا، فإن غياب موسكو عن الدبلوماسية النووية فسيتعين على واشنطن وبكين النظر في كيفية قيامهما، وربما يؤدي إلى تطوير شراكة أكبر لحل المشكلات في أنظمة الحد من التسلح العالمية، كما يجب أن يكون الهدف الرئيسي من التعاون الأمريكي الصيني هو تعزيز نظام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وضمان عدم فشل مؤتمر المراجعة القادم والعمل مع الدول الأخرى في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لتعزيز النظام، بالإضافة إلى الحفاظ على آليات ضبط التسلح الأخرى مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومنظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ويجب أن تكون الأزمة في أوكرانيا هي الصدمة التي تدفع المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده لتقييد استخدام الأسلحة النووية.