الخديوي إسماعيل

الخديوي إسماعيل

نجل إبراهيم باشا بن محمد علي، وأول من غير لقبه من والي إلى خديوي، ويعتبر محمد علي الثاني لإدخاله مظاهر الحضارة الأوروبية إلى مصر.

وُلِد في الثاني عشر من يناير عام ١٨٣٠م، في قصر المسافرخانة بالقاهرة، وتعلم في المدرسة الخصوصية التي أنشأها جده في القصر العيني لتربية الأمراء، فتلقى مبادئ العلوم واللغات العربية والتركية والفارسية، وقدر نذير من الرياضيات والطبيعيات، أُصيب برمد في عينه وهو في الرابعة عشرة من عمره، فاستدعاه والده إلى الشام، حيث مقره، ثم أرسله إلى فيينا (عاصمة النمسا) ليعالج فيها، وليكمل تعليمه، ويتربى تربية أوروبية، وقضى عامين فيها.

أمر جده محمد علي بانتقاله إلى المدرسة المصرية بباريس ضمن البعثة المصرية الخاصة (١٨٤٤م)، فانضم إلى تلاميذها، وكان من بينهم شقيقه الأمير أحمد رفعت، والأميران عبد الحليم وحسين نجلي محمد علي، ونخبة من الشبان الذين تبوءوا مناصب الدولة فيما بعد مثل: شريف باشا، وعلي مبارك، مراد بك وغيرهم. لم يستمر في المدرسة الحربية المصرية أكثر من ثلاث سنوات، ثم استكمل دراسته بعدها في كلية سان سير الحربية بباريس عام ١٨٤٨م. ثم قام بدراسات حرة عن العمارة والتخطيط بكلية الفنون الجميلة بباريس، ولذلك برع في فن التخطيط والرسم، وهو ما أدى إلى شغفه فيما بعد بتنظيم الشوارع وزخرفة البناء، فقد بهرته باريس بجمالها وروعتها، مما حدا به بعد أن تولى الحكم أن يجعل القاهرة "باريسًا ثانية".

عاد إسماعيل إلى مصر أثناء تولى والده حكم مصر، وأدار أطيانه الشاسعة في الصعيد، وكان يزرعها قصبًا، فعمل على تحسين إنتاجها وكان يقوم ببيع محاصيلها بنفسه، ثم عيَّنه السلطان العثماني عضوًا بمجلس أحكام الدولة العثمانية، ولم يَعُدْ إلى مصر إلا بعد مقتل عباس الأول ، وكان نائبًا لسعيد باشا في حكم مصر أثناء سفره إلى كل من السودان وسوريا والحجاز والآستانة.

عيَّنه سعيد باشا سردار للجيش المصري، وعهد إليه بقمع فتنة بعض القبائل في السودان عام ١٨٦١م ؛ فتمكَّن من إخماد هذه الفتنة.

تولّى حكم مصر في الثامن عشر من يناير عام ١٨٦٣م؛ وتُعتبر فترة حكم إسماعيل من أزهي عصور حكام أسرة محمد علي باشا، وجَّه إسماعيل عنايته للإسكندرية والقاهرة لتكونا على نسق المدن الأوروبية باعتبار الأولى ميناء مصر الأول ويقطنها جاليات أجنبية كبيرة، والثانية هي عاصمة مصر.

حوَّل مجلس المشورة إلى مجلس شورى النواب، وأتاح للشعب اختيار ممثليه.

حوّل الدواوين إلى نظارات، وشكّل أول نظارة تشاركه مسئولية الحكم، وقام بإلغاء المحاكم القنصلية واستبدل بها المحاكم المختلطة.

انتهى في عهده حفر قناة السويس.

أنشأ قصورًا فخمة مثل قصر عابدين وقصر رأس التين وقصر القبة، وأنشأ دار الأوبرا وكوبري قصر النيل.

اهتم بالزراعة فعمل على زيادة مساحة الأرض الزراعية، حفر ترعة الإبراهيمية وترعة الإسماعيلية.

أنشأ المصانع من بينها ١٩ مصنعًا للسكر، وقام ببناء ١٥ منارة لإنعاش التجارة.

اهتم بالتعليم فقام بزيادة ميزانية نظارة المعارف، وتكليف علي مبارك بوضع قانون أساسي للتعليم.

   أنشأ عددًا من المدارس الابتدائية منها: مدرسة الناصرية بالقاهرة ١٨٦٣م، ورأس التين الابتدائية بالإسكندرية في العام نفسه، ومدرسة بنها ١٨٦٨م، ومدرسة بني سويف ١٨٧٢م، وغير ذلك، كما أنشأ عددًا من المدارس الثانوية منها: مدرسة رأس التين بالإسكندرية عام١٨٦٣م، والمدرسة التجهيزية بالعباسية التي تأسست في العام نفسه.

أعاد تنظيم مدرسة الطب والهندسة، وأنشأ إسماعيل عددًا من المدارس العالية منها: مدرسة الفنون والصناعات ١٨٦٨م، ومدرسة الألسن والإدارة، وقد حلت محلها مدرسة الحقوق والإدارة ١٨٧٥م، ومدرسة المحاسبة والمساحة، ومدرسة اللغات القديمة ١٨٦٩م، ودار العلوم ١٨٧٢م، وجدد إسماعيل إرسال البعثات العلمية للخارج، فقد بلغ عددهم ١٧٤ طالبًا مدة حكمه.

كثر عدد المدارس الأوروبية التي افتتحتها البعثات الدينية للبنين والبنات، فبلغ عددها في عهد إسماعيل٧٠ مدرسة، ولم تنتشر في أي عهد بمثل ما كثرت في عهده.

تأسست أول مدرسة للبنات (السيوفية) عام ١٨٧٣م، وأسستها الزوجة الثالثة لإسماعيل، وأمر إسماعيل بتأسيس مدرسة أخرى للبنات.

أنشأ دار العلوم لتخريج المعلمين ودار الكتب والمجمع العلمي وجمعية المعارف و الجمعية الجغرافية والجمعية الخيرية الإسلامية  ودار الآثار المصرية.

ظهرت في عهده بعض الصحف مثل الأهرام والوطن ومجلة روضة المدارس،كان عدد الصحف التي تصدر بمصر عام ١٨٧٨م سبع وعشرون صحيفة يومية أو نصف أسبوعية منهم: ٧ باللغة العربية، وواحدة باللغة العربية والتركية، وأخرى باللغة العربية والفرنسية، وواحدة باللغة العربية والفرنسية والإيطالية، و٩ باللغة الفرنسية، و٣ باللغة اليونانية، و٥ باللغة الإيطالية.

أنشأ أول مسرح بالقاهرة وهو مسرح "الكوميدي" بالأزبكية، وافتتح عام ١٨٦٨م.

بنى دار الأوبرا عام ١٨٦٩م بمناسبة الاحتفال بافتتاح قناة السويس.

أنشأ في الإسكندرية مسرح "زيزينيا"، ومسرح آخر اسمه "ألفيرى" بشارع انسطاسي.

عقد معاهدة مع بريطانيا عام ١٨٧٧م للقضاء على تجارة الرقيق.

أراد الخديوي إسماعيل أن ينشىء إمبراطورية مصرية، ولكنه وضع نصب عينه فشل تجربة جده في الاتجاه نحو الشمال أو الشرق، لذلك اتجه إلى الجنوب لتكوين إمبراطورية إفريقية. وقد حقق إسماعيل إرادته بالحرب حينًا وبدهائه السياسي حينًا آخر، فأصبحت الإمبراطورية المصرية تشمل مصر والسودان والملحقات وإقليم خط الاستواء وهرر.

الملحقات: فتح إسماعيل فاشودة عام ١٨٦٥م، وكانت سواكن ومصوع من أملاك تركيا على البحر الأحمر، فاستصدر إسماعيل فرمانًا من السلطان العثماني بإحالة سواكن ومصوع لعهدته، وجعلهما فرمان ١٨٦٦م من ملحقات مصر.

إقليم خط الاستواء ودارفور وهرر:  أرسل إسماعيل السير صموئيل بيكر -الرحالة الإنجليزي- على رأس حملة لكشف منابع النيل، وخط الاستواء، فضمت غندكرو إلى أملاك مصر عام ١٨٧١، ثم فتحت مملكة أونيورو (١٨٧٢-١٨٧٣م)، وبسطت مصرحمايتها على مملكة أوغندا ١٨٧٤م، وفتحت إقليم بحر الغزال على يد الضابط الأمريكي شايى لونج Chaille long الذي كشف بحيرة كيوجا في العام نفسه، وتمكنت الجيوش المصرية من فتح دارفور عام١٨٧٤م وضمها إلى الأراضي المصرية، وتنازل السلطان العثماني لمصر عن زيلع وبربره عام ١٨٧٥م مقابل جزية سنوية، وفي عام ١٨٧٥م أرسل إسماعيل حملة احتلت ولاية هرر الإسلامية المستقلة.

الحبشة: أرادت مصر أن تستولي على بعض أملاك الحبشة، لتمد السكك الحديدية بين مصوع والخرطوم، فقامت الحرب بين الأحباش والمصريين (١٨٧٥-١٨٧٦م)، وفشلت الحملات المصرية على الحبشة، وانتهت بأن عقد الصلح بين البلدين.

  بذل إسماعيل جهودًا كبيرة في تنظيم الجيش، وأرسل إلى فرنسا بعثة حربية للإطلاع على أحدث طرق التسليح لتطبيقها في مصر، وأحضر بعض الضباط الفرنسيين لتنظيم المدارس الحربية المصرية، وأسس تسع مدارس حربية منها: مدرسة البيادة (المشاة) عام ١٨٦٤م، ومدرسة السوارى (الفرسان) عام١٨٦٥م، ومدرسة الطوبجية (المدفعية) والهندسة البحرية ١٨٦٥م.

أسس هيئة أركان حرب الجيش المصري، ورأسها الكولونيل استون الأمريكى، وأشرف الخديوي على تسليح الجيش المصري بالبنادق الحديثة المستوردة من فرنسا، ورمم حصون الإسكندرية، وجدد أسلحتها ومدافعها، وعهد بتحصين سواحل البحر المتوسط للمهندس المصري محمود فهمي، فأنشأ سبعة عشر حصنًا بين أبي قير والبرلس، واستورد المدافع الضخمة من طراز ارمسترنج ووضعت في طوابي الثغور وخاصة الإسكندرية.

أعاد الخديوي إسماعيل النشاط في ترسانة الإسكندرية، وأنشأ بها بعض السفن الحربية، وأوصى الخديوي بتشييد عدة سفن حربية في ترسانات أوروبا، ولكن تركيا وقفت له بالمرصاد تمسكًا بنصوص الفرمانات الصادرة التي لا تبيح لمصر إنشاء السفن الحربية المدرعة.

جدد المدرسة البحرية بالإسكندرية، وأنشأ مدرسة بحرية أخرى بجوار الترسانة.

أسرف في المشروعات النهضوية ومظاهر العظمة؛ فلجأ إلى القروض الأمر الذي أدّى إلى تدخّل الأجانب في الشأن المصري اقتصاديًّا وسياسيًّا.

أدَّت النزعة الاستقلالية للخديوي إسماعيل في حكم مصر إلى إحساس كل من إنجلترا وفرنسا بالقلق إزاء مصر، وتحت ضغطهما أصدر السلطان العثماني فرمانًا بعزله في ٢٦ يوليو عام ١٨٧٩م .

سافر بعد عزله إلى نابولي بإيطاليا ثم انتقل للإقامة في الآستانة.

تُوفّي في مارس عام١٨٩٥م .