بقلم الأستاذ/ سعيد الشحات
بعد ثلاث سنوات من رحيل عميد الأدب العربى، الدكتور طه حسين، كتبت زوجته الفرنسية، سوزان، سيرتها معه بعنوان «معك» عام ١٩٧٦م، وأصدرتها «دار المعارف» بالقاهرة، وفى ٢٢ ديسمبر، مثل هذا اليوم، ١٩٧٦م، أهدت ثلاثة آلاف جنيه قيمة تعاقدها مع دار المعارف ومجلة أكتوبر إلى جمعية النور والأمل «الكفيفات»، حسبما تذكر الأهرام فى عددها ٢٢ ديسمبر ١٩٦٧، وقالت: «أعرف تماما ما يعانيه الكفيف من عناء وكفاح فى الحياة، فما بالنا والمرأة الكفيفة أضعف وضعا فى المجتمع».
حين بدأت سوزان كتابة هذه السيرة كانت فى الثمانين، أى قبل ١٤ عاما من وفاتها، «توفيت يوم ٢٦ يوليو ١٩٨٩م بالقاهرة عن عمر ٩٤ عاما»، وبالرغم من سنواتها الثمانين «كانت تصرخ بطريقة شجية الحب الخارق، الذى عاشته خلال ما يقرب من ستين عاما للزوج الذى أتت على فقدانه»، حسبما تذكر ابنتهما «أمينة» فى مقدمة «معك».
بدأت سوزان سرد ذكريات هذا الحب الخارق فى ظروف يكشفها الكتاب السورى «بدر الدين عرودكى»، صاحب الفضل فى ترجمة «معك» بلغة أدبية عربية فائقة الجمال، يذكر فى مقدمته أن صاحب فكرة تأليف هذا الكتاب هو الفرنسى المستعرب الشهير جاك بيرك، الذى ارتبط بعلاقة صداقة حميمية مع طه، ومع سوزان، ومع ابنهما «مؤنس» الذى كان يعمل فى اليونسكو ويعيش فى باريس، ويؤكد عرودكى أن «بيرك» كان يبدى على الدوام إعجابه بالعلاقة التى استمرت أكثر من خمسين عاما بين طه وسوزان، وكان يرى أن الجانب الفريد فيها أنها جمعت بين مسلم ومسيحية، مصرى وفرنسية، عربى الثقافة والانتماء الحضارى وأوروبية فى ثقافتها وانتمائها، وأن الاحترام فى حياتهما المشتركة طال حرية العقيدة، كانت مسيحية، وبقيت كذلك فى رفقة زوج مسلم لا يثنيها عن دينها ولا يحاول، وكان ذلك فريدا فى وقته وفى مجتمعه.
يكشف «عرودكى» أنه فى زيارة من سوزان لباريس بعد وفاة طه ولقائها مع «بيرك»، اقترح عليها أن تكتب تجربتها معه لتقدم فيه، الإنسان، الأب، الزوج، حياته وعلاقتها معه، وعلاقته معها، معاركه، همومه وأحلامه، وأهدافه كاتبا ومناضلا سياسيا وصحفيا ومربيا جامعيا وأكاديميا ووزيرا، وأخبرها بأنها إن كتبت هذا الكتاب، فسيقترح عليها أن يترجمه كاتب سورى، ليؤكد على البعد العربى لمشروع طه الثقافى، يؤكد «عرودكى»: «كنت أنا من اقترح بيرك اختياره لهذه المهمة، وأن يقوم بالمراجعة كاتب مصرى تقدمى، ليؤكد على البعد المستقبلى لهذا المشروع، واختار الأستاذ محمود أمين العالم».
اقتنعت سوزان باقتراح «بيرك» وبدأت.. يذكر «عرودكى» أنها ذات يوم وضعت بين يديه نص المخطوط مضروبا على الآلة الكاتبة بالفرنسية ومصححا بخط يدها، وضرب له مؤنس موعدا للقائها فى بيته فى باريس، يكشف عن انطباعاته: «ها أنا ذا أجد نفسى فى حضرة المرأة التى أحبها طه حسين، والمرأة التى رافقته فى همومه وهواجسه ومعاركه وأفراحه، ورضاه وغضبه حتى اللحظة الأخيرة، ها أنا ذا فى حضرة السيدة التى لم يُكتب لى أن التقى زوجها، بل سمعته ذات يوم عن بعد وهو يلقى محاضرة على مدرج جامعة دمشق الذى كان حافلا عن بكرة أبيه».. يعترف «عرودكى» بأنه كان «كالطفل مبهورا أمام هذه الأسرة الصغيرة، حين أعلمه مؤنس أن زوجته هى حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقى».
يكشف «عرودكى»، أن سوزان أبدت خشيتها من رحيلها قبل أن ترى الكتاب منشورا بالعربية، التى لم تتقنها رغم معايشتها عميد أدبها أكثر من نصف القرن، وأصرت أن ينشرها الناشر الذى نشر كتب زوجها.. يؤكد: «وعدتها بأن أنهى ترجمته فى أشهر معدودات، وفعلت، وقام «العالم» بالمراجعة، وتابع النشر الدكتور محمد حسن الزيات زوج أمينة طه حسين ووزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣».
يذكر «عرودكى»، أن الكتاب جاء فريدا من نوعه، شكلا ومضمونا، فلا هو رواية على امتلاكه كثيرا من عناصرها، ولا قصة طويلة على وجود شخصية رئيسية أسياسية، ولا رسالة حب حميمية على ما ينطوى عليه من فصول ومقاطع يسود فيها ضمير المخاطب فيها إليه، ولا تأريخ على ما فيه من سرد لحوادث كبرى عرفتها مصر خلال حياة طه حسين، ولا هو يوميات، وإنما فيه كل شكل من هذه الأشكال، عناصر صنعت فرادته.
صدر الكتاب، ويذكر «عرودكى» أن سوزان أرسلت إليه نسخة، ففوجئ بأن الغلاف الخارجى لا يحمل اسمه كمترجم، ولا محمود أمين العالم كمراجع، ولا على صفحة الغلاف الداخلى، وإنما فى الصفحة التالية وببنط صغير جدا، وحين نشرت مجلة أكتوبر فى عددها الأول الفصول الأولى من الكتاب، تم تغييب اسمى المترجم والمراجع معا، حتى إن مجلة عربية أسبوعية تصدر فى باريس نوهت بذلك تحت عنوان طريف «الوحدة المصرية السورية تعود من خلال تغييب اسم المترجم والمراجع فى كتاب «معك» لسوزان طه حسين».
المصادر
اليوم السابع.