لصوص الحضاره المصريه القديمه .. ومن ورائهم؟

لصوص الحضاره المصريه القديمه .. ومن ورائهم؟

بقلم/  أسماء القليوبي

 لم تقتصر محاولات سرقة الحضاره المصريه القديمه فقط على الآثار، بل امتدت  إلى تزوير التاريخ والاستيلاء على الأرض .

 حيث قامت في القرن الـ 19 حرب أهليه في أمريكا بين الشمال والجنوب ، وكان أهل الجنوب يستعبدون ذات الأصل الأفريقي للعمل في المزارع والمناجم ، علي عكس أهل الشمال كانوا معادين لمثل هذه السياسات ، وبعد نهاية الحرب انفصل الأفرو أمريكان و عاشوا منعزلين في الجنوب وأصبح لهم مجتمع مستقل وتزايدت أعدادهم ، وبدأوا يبحثون عن طريقة لكسب احترام ذات البشره البيضاء لهم ، ردا علي التهميش والعنصرية تجاه الأمريكيين من أصل أفريقي . 

   ومع بدايات القرن الـ 20 ظهر مصطلح المركزيه الأفريقيه ، وتتمركز هذه المنظمة في أمريكا ثم انتشرت في أفريقيا والشرق الأوسط  وتحاول نسب معظم الحضارات القديمة الي الأفارقة ، ومن أشهر روادها السنغالي " أنتا ديوب " والأمريكي " موليفي أسانتي " الذي أطلق مصطلح الأفرو سنتريك ، وانتشرت أفكارهم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي . 
   ومن أهم أهدافها القضاء على الجنس الأبيض في أفريقيا الشمالية والجنوبية ، والترويج بأن الحضارات المصريه والمغربيه والقرطاجية حضارات زنجيه  ، والمصريون القدماء كانوا أفارقة ، آثارنا المصرية ليست مصريه ، المصريين الحاليين ليس لهم علاقة بالعرق المصري وإنما هم محتلون عرب ، المصري النقي أما أن يكون قبطيا مسيحيا أو مصريا اسود .


  ثم تحولت إلى تيارات لها حركة ملموسة فقامت بنشر مقالات و الاستدلال بدراسات كاذبة تدعي بأن الملوك المصريين القدماء من السودان وليس لهم علاقة بالمصريين الحاليين بل هم من جنسيات مختلفة بعيدين عن العرق المصري الأصيل ، وأن علماء المصريات الحاليين يقومون بإعادة طلاء نقوش المقابر باللون الأبيض لاخفاء اللون الأسود الأصلي ، ويقومون بكسر أنوف التماثيل لتغيير الملامح الحقيقية المشابه للأفارقه ، وانتشرت تلك الأفكار في أوروبا وأمريكا بشكل كبير ، حتى أن السودانيين بدأوا في الترويج بأن أهرامات السودان اقدم من الاهرامات المصرية بحوالي 2000 عام ، ولأثبات صحة ادعاءاتهم ركزوا على تاريخ الأسر النوبية والكوشيه في العهد القديم .
   ولكن هناك دلائل عديدة تثبت ادعاءاتهم الكاذبة على الحضاره المصريه القديمه :
   أولا : الدراسات التي أجريت على نتائج الحمض النووي للمصريين أثبتت أن 73% من المصريين الحاليين تعود إلى المصري القديم 
   ثانيا : المومياوات المصرية قد تغير لونها للأسود نتيجة التأثر بعوامل الأكسده ولكنها كانت في الأصل فاتحة اللون ، وهذا ما سجله المصري القديم علي المعابد أيضا ، وعلى توابيت الملك توت عنخ أمون حيث وجد نقش لاحدي المعارك والتي تظهر الأعداء باللون الأسود ولون بشره الجنود المصريين فاتح .
   ثالثا : عدد التماثيل ذات الأنوف المكسوره قليل جدا مقارنة بالتماثيل ذات الأنوف السليمة مع العلم أن كان لدي المصريين القدماء عادة كسر أنوف تماثيلهم لاعتقادهم بأن التماثيل تتنفس ، وضرورة حجب الحياة عنهم ، على الرغم من أن ملامح الأفارقة ذات أنف كبير وشفاه سميكه وهو ما يختلف تماما عن ملامح التماثيل المصرية القديمة .
   ومن هنا زعموا بأن الملكة " تي " زوجة أمنحتب الثالث من أصل أفريقي لامتلاكها الملامح الأفريقية ، ولكن وجد أن اسم والد الملكة تي مكتوب بأكثر من طريقه دليل على أنه ذات أصل أجنبي وليس مصري .

      وإذا افترضنا صدق نظريتهم بأنهم أبناء الحضارة الأصليين وأن الحضاره المصريه أصلها كوشيه وتم سرقتها ، وقمنا بالبحث عن الحضارة الكوشية لم نجد لها أي أصل في التاريخ حتى اسما فلا يوجد ما يسمى " الحضارة " الكوشية ولكن يوجد مملكة كوش ، وهناك فرق بين كلمة حضارة ومملكة ، فالحضاره تعني كل ما يتركه الانسان من أدب وفن وعماره وغيره ، أما مملكة تعني  أن هناك حاكم يحكم  اناس آخرين في وقت معين .
وبدراسة التاريخ المصري القديم نجد أن الكوشيين حكموا مصر القديمة تقريبا في الأسرة الخامسة والعشرين ، أي بعد انهيار العصر الحديث واستمروا لقرن من الزمن  ، وصنعوا تماثيل خاصة بهم من الجرانيت الأسود بملامح زنجيه ، ثم تم طردهم من مصر على يد بسماتيك الأول ، وإذا تجولنا في أي متحف لم نجد قسم خاص بالحضارة الكوشية ، أي أنهم  كانوا مجرد جزء صغير من تاريخ مصر ولكن ليسوا أصحاب الأرض ، كما أن الأهرامات وجدت قبل مجيئهم بالاف السنين .

     ولم يقتصروا على المقالات والمحاولات الإلكترونية بل حاولوا تنظيم مؤتمر في أسوان في شهر فبراير الماضي تحت عنوان " العودة إلى الأصول " Returning to the source ، وبالبحث تم التوصل إلى أن الشركة المنظمة للمؤتمر شركة سياحية تسمى "Akht tours " وهي شركة أمريكية تأسست عام 2000 لتنظيم الرحلات السياحية إلى مصر وشمال أفريقيا ، وأعلنت أن المشاركين في المؤتمر من أعضاء الأفروسنتريك .، وظهرت فيديوهات لأحد المتحدثين  أمام الأهرامات وهو يشرح لفوج سياحي أن الأفارقة هم من بنوا الأهرامات ، إلى جانب بعض التغريدات لمتحدثه أخرى تقول " ماذا عن اغتصاب وسرقة تاريخ مصر الأفريقي " ، وانتفض المصريون ضد هذا المؤتمر على مواقع التواصل الاجتماعي ، وربطوا بينه وبين مؤتمر هرتزل عام 1897 والذي كان بداية احتلال الكيان الصهيوني للأرض الفلسطينية والتي بمطالبتهم في حقهم بأنهم أصحاب هذه الأرض ، حتى في 9 فبراير أعلن "أنتوني براودر "منظم المؤتمر عن الغاء عقده  ، والغريب أن أحد المواقع الإلكترونية من المشرفين على المؤتمر تم اغلاقه بدعوى الإصلاحات بعد الغاء المؤتمر !
    ومنذ شهور قليلة تم اختيار مصممة جرافيك تسمي " غادة والي " لتصميم لوحات مترو الخط الثالث وبعد أن انتهت ، فوجئ الجميع باعتراض فنان روسي على تلك اللوحات ووصفها بـ المسروقة من لوحاته الأصليه ، وبالفعل تم إزالة تلك اللوحات وتوجيه الاعتذار الى الفنان الروسي ، ولكن لم يكن الأمر مجرد سرقة لوحات ولكن كانت الرسامة قد أظهرت المصريين القدماء باللون الاسود ، ويذكر أنها أعلنت في مؤتمر الشباب أنها تتبني فكرة إعادة الهوية المصرية !
   فأي هوية تقصدها والي من وراء هذه اللوحات ؟!
   هل ذلك الأمر مقصود أم مجرد صدفة ؟ّ
 على الرغم من أن اللوحات الأصليه للعالم الروسي أو النقوش الموجوده بالفعل علي جدران المقابر لم تكن باللون الأسود !
   ومؤخرا وامتدادا لعمل الافروسنتريك قام متحف المتروبوليتان ، وهو أكبر المتاحف في أمريكا ويضم أكثر من  26 ألف قطعة أثرية مصريه ، بعمل جوله تحت عنوان " الأصل الأفريقي للحضارة " بعرض الآثار المصريه والأفريقيه معا ، وذكر المتحف على موقعه الرسمي أنه أطلق هذا الاسم على تلك الجولة على نفس اسم كتاب الباحث السنغالي الراحل أنتا ديوب تخليدا لذكراه  ، وهو أهم رمز في تاريخ حركة 
الأفرو سنتريك . 
   إذا فما الهدف من دمج حضارتين مختلفتين في نفس الجولة ؟
   وبما أن متحف كبير بحجم المتروبوليتان يتخذ تلك الخطوة الجريئه فذلك يؤكد أن حركة الأفرو سنتريك تزداد خطرا علي الحضاره المصريه القديمه دون أن تجد رادع لها . 
   ولماذا أقدم المتحف بحجم متحف المتروبوليتان علي تلك الخطوة علي الرغم من ثبوت الأكاذيب التي يروجها الأفرو سنتريك ؟
   إذا يبدو أن الأمر لم يتوقف على مجرد وقف العنصريه ضدهم ، ولكن من الواضح أنهم يتلقون دعم من مؤسسات بعينها .
   وبما أن للدراما والسينما تأثير كبير على الوعي لدى الإنسان ، فقد استغل الأفرو سنتريك تلك الفرصة ، حيث يوجد ممثلين اجانب ينتصرون لأفكار الأفرو سنتريك مثل ويل سميث ، والذي قامت زوجته مؤخرا بالتعاون مع نتفلكس منذ أيام قليلة بالبدء في تصوير مسلسل "African Queens" وتدور أحداث المسلسل حول مصر القديمة ويظهر فيه الممثلين ذات بشرة سوداء ، محاولة لإثبات الأصل الأفريقي للحضارة المصرية القديمة . 
   ولم يكن الأفرو سنتريك وحدهم هم من حاولوا سرقة الحضاره المصريه القديمه ، فحاول اليهود أيضا إثبات أنهم بناه الأهرامات ، وأن الهكسوس من بنوا اسرائيل الذين قاموا ببناء الحضارة المصرية القديمة ، وأن فرعون موسى هو رمسيس الثاني ، وكل ذلك تم ثبوت كذبه بأدلة تاريخية قاطعة .
   قامت مجلة Nature  العلمية البريطانيه الشهيره ، بإجراء دراسة تؤكد فيها أن جذور المصريين القدماء من بلاد الشام ، ولكن تلك الدراسات التي اعتمدوا عليها في الترويج لادعاءاتهم لإثبات صحتها ، قد أقاموها على مجموعة من المومياوات في منطقة واحدة وفي فترة زمنية محددة ، حيث قاموا بتحليل كامل لجينوم سكان مصر القديمة اعتمدت علي تحليل الـ DNA لتسعين مومياء عاش أصحابها من 1400 ق.م الى عام 400 ق.م وجميعهم من منطقة أبو صير في بني سويف ، ثم قاموا بتعميم  هذه الصفات على كل مراكز مصر ، وتم استخراج المومياوات وإجراء التحاليل  بطريقة غير شرعية  ودون وجود عالم مصري واحد وهذا غير قانوني ، وهو ما يثبت نية التحايل على التاريخ لإثبات أن المصريين القدماء جاءوا من بلاد الشام التي سكنها العبرانيون وبنو إسرائيل قبل مجيئهم إلى مصر ، وبذلك يكونوا هم أصحاب الأرض والحضارة القديمة ، ولكن من المعروف في مصر أن أبناء الوجه البحري يختلفون في بعض الملامح عن أبناء الوجه القبلي .

ويتضح أن محاولات تزييف التاريخ وسرقة الحضاره المصريه القديمه مستمرة ؛ لذا علينا متابعة تلك الحركات والدوريات العلمية التي تصدر في الجامعات والمراكز الغربية عن الحضاره المصريه القديمه ، ومواجهة ما يذكر فيها من أكاذيب ومعلومات مزيفة .