وقفنا ندافع عن وطننا والله معنا يدافع

وقفنا ندافع عن وطننا والله معنا يدافع

أيها المواطنون:

أتحدث إليكم فى ساعة لها معناها فى تاريخ شعب مصر، ساعة بدأت فيها العاصفة التى تجمعت على آفاق وطننا تهب عليه من كل اتجاه، تريد أن تقتلع زرعنا، وتهدم بيوتنا، وتدمر فى ساعات ما قضينا السنين نشيده من حضارة وعمران.

عاصفة عاتية ظالمة هدفها أن تبيد، ولم تكن لترضى عن الإبادة بديلاً، لم تكن تريد أن تؤذى فقط أو تجرح فقط؛ وإنما كانت فى حقدها الدموى مصممة على القتل، كانت لا تريد أن تمضى عن هذه الأرض؛ إلا بعد أن تتحقق أن كل ما تركته وراءها ليس إلا أشلاء ورماداً. ولكن الله كان معنا على العاصفة، وكان عدله - عز وعلا - يأبى أن يكون مع الظالمين علينا، لقد مستنا روحه المقدسة، فإذا أروع ما أودعه نفوسنا وقلوبنا من خصائص وصفات يظهر ويتجلى.. ظهر وتجلى أروع ما فى نفوسنا وقلوبنا، وخرج ليواجه أسوأ ما فى قلوبهم ونفوسهم.

ووقفنا ندافع عن وطننا والله معنا يدافع، كان الله قائدنا وراعينا ومرشدنا، وكانت قيادته ورعايته ورشده خطواتنا إلى التوفيق.. توفيقنا فى الأخوة الذين جعلوا من كل عاصمة عربية، بل من كل مدينة عربية، جبهة قتال تحارب معنا جيش العدوان؛ تصده وترده، وتجعل يوم هزيمته الكاملة قريب الميعاد.

توفيقنا فى الأصدقاء الذين تحركوا لنصرتنا فى كل بلد حر فى عالم يؤمن بأن القوة لا يمكن أن تكون حكماً فى أى نزاع دولى، وأن الحق ينبغى أن تكون له السيادة على المدفع.

توفيقنا فى أنفسنا حين أدركنا منذ اللحظة الأولى؛ أن السلام غير الاستسلام، وأن القتال قد كتب علينا فرضاً لله، للإنسانية، للوطن، لأبنائنا وأحفادنا.

وهكذا حملنا السلاح جميعاً، وطناً بأكمله ينطلق إلى المعركة وأمامه على الناحية الأخرى من خط القتال أكبر مجموعة من القوى تألبت على شعب واحد. وكنا فى أحلك ساعات التجربة التى عشنا فيها ندرك إدراكاً واعياً مستنيراً أن ليس أمامنا إلا أن ننتصر.

وانتصرت إرادة النصر متخطية كل العقبات، وما كان أصعبها، ولم يكن النصر هو مجرد انسحاب المعتدين؛ وإنما كان النصر هو تحقيق الأهداف الأولى التى من أجلها نشبت المعركة. هكذا كان النصر تثبيتاً لحقنا فى الاستقلال، وكان النصر تأكيداً لحقنا فى ملكية القنال.

وهكذا أيضاً لم تستطع العاصفة العاتية الظالمة أن تنال منا شيئاً.. زرعنا الذى أرادوا اقتلاعه، أكثر اليوم وفرة وأزهى خضرة، بيوتنا التى أرادوا هدمها؛ أكبر اليوم وأعلى، عمراننا الذى أرادوا تدميره؛ أعمق اليوم أساساً وأشمخ صرحاً.

وأكثر من ذلك كانت العاصفة العاتية الظالمة فرصة زادت فيها التجربة الروحية لشعبنا رحابة وعمقاً، فخرجنا من التجربة الهائلة ونحن أقوى مما دخلناها أملاً، وأصدق شعوراً وأصفى حساً، حتى الشماتة فى أعدائنا الذين ألبوا الشر علينا، وسيروا الجيوش إلى وطننا، ودفعوا العاصفة فى اتجاهنا دفعاً، حتى هذه الشماتة لم تعرف طريقها إلى وجداننا ونحن نرى هؤلاء الأعداء يتساقطون واحداً بعد واحد، ويدلفون إلى العار والنسيان، وكانوا يريدون المجد والصيت على حسابنا وحساب مستقبلنا.

أيها المواطنون:

فى هذا اليوم، فى هذه الساعة تخطر على لسانى كلمة واحدة أقولها وتقولونها معى: الحمد لله.

______________________________________________________

كلمة الرئيس جمال عبد الناصرفى ذكرى يوم الأبطال فى بورسعيد

بتاريخ ٢٨أكتوبر عام ١٩٥٧م.