عبقرية المصريين القدماء في فن التحنيط (سر الأسرار) الذي حير العالم

عبقرية المصريين القدماء في فن التحنيط (سر الأسرار) الذي حير العالم

إعداد/ عبدالرحمن عيسى

كان المصريين القدماء يعتقدون أن الموت هو باب للعبور إلى عالم الحياة الدائمة وقد اسموها حياة الجنة الأبدية. في التحنيط هو أحد الأسرار الذي اختص به مجموعة من قدماء المصريون وحاولوا إخفاء هذه الأسرار بعيدا من أي إنسان خصوصا من ينتمون إلى الدول المجاورة. لكن مع مرور الزمن تمكن الباحثون من التعرف على هذه الأسرار عن طريق سجلات الكتاب والمؤرخون الكلاسيكيين الذين زاروا مصر والمعلومات التي قدمها العلم الحديث من خلال الكشف على الجثث وتحليلها وما وجد في القبور من أدوات و عقاقير تستخدم في التحنيط، و يبدو أنه رغم تقدم فن التحنيط إلا أن طرق التحنيط الجيدة من الدرجة الأولى والثانية بقيت حكرا على طبقة الملوك والأمراء والأغنياء من الناس، أما المصريين من الطبقة العامة فلم تحنط جثثهم بهذه الطرق بسبب تكاليفها الباهظة فلجأ المصريون لاختراع طريقة ثالثة للتحنيط رخيصة الثمن لهم لكنها لم تكن تحافظ على سلامة الجثة مدة طويلة.

و لنتعرف أكثر على عبقرية المصريين القدماء و إبداعهم في هذا المجال دعونا نتعرف على التحنيط فما هو التحنيط و خطواته كما المواد المستخدمة فيه.

التحنيط هو عملية حفظ جثث الموتى باستعمال مواد كيميائية، فيبقى جسم الإنسان محافظا على مظهره ويبدو و كأنه حي، عند تسجيته في مكان عام قبل إجراء مراسم الدفن، وذلك لأسباب طبية أو تزيينية بالإضافة إلى أنه يفي بمتطلبات بعض الديانات التي تؤخر الدفن لعدة أيام، أو تضطر لنقل الجثة إلى مكان آخر، فيمنع التحنيط تعفن الجثة.

خطوات تحنيط الموتى

 - تبدأ الخطوة الأولى بتغسيل الجثة لإزالة آثار العرق والدهون التي يفرزها الجلد بأستخدام الماء وقطعة من ألياف النخيل ثم ينشف الجلد و بعدها يتم قلب الجثة على وجهها وبقطعة "مطرانية" حادة كالمشرط يشرط الحناط جلد الرأس ثم يسلخ الجزء الأول والثاني مازال مغلق في سلخ الجزء كاشفا عن مؤخرة الجمجمة. ويكون كل ذلك من دون الحاجة لإزالة شعر الرأس كما يتم ذلك في العمليات الجراحية التي تجري في المخ الآن.

 - ويتبعها فصل مؤخرة الجمجمة وإزالتها وبذلك يصير منفذ لإخراج المخ. ثم يتم إخراج المخ المكون من (المخ – المخيخ – النخاع الشوكي – النخاع المستطيل) كما يتم إخراج المقلتين (كرتا العين) وبعد ذلك يتم تنظيف الجمجمة من الداخل. ولاحقا يتم إحضار البصل يقشر ويقطع قطع صغيرة جدا ثم يدق في الصلاية حتى تتلاشى هيئة البصل الأصلية ثم يوضع في إناء وتوضع معه كمية من زيت الزيتون ويوضع على نار هادئة ويقلب حتي تذهب رائحة البصل ويترك حتى يبرد لأنه دهان قاتل للجراثيم.

- تفرغ كرتي العين من المواد السائلة القابلة للتعفن ثم تدهن من الداخل بمزيج البصل وزيت الزيتون والذي تم تحضيره سابقا ثم تحشي بتركيبة تحتوي على شمع العسل ثم تعاد فتثبت في مكانها.

- يطهر المخ ويعالج بمزيج البصل وزيت الزيتون وتدهن الجمجمة من الداخل ثم يوضع المخ في مكان و يعاد وضع القطعة العظمية التي تم نزعها من مؤخرة الجمجمة يلصق بالصمغ ويلصق جلد الرأس أيضا فيبدو في النهاية و كأن شئ لم يكن. كما أنه لا يشترط وضع المخ في مكانه بل انه في اغلب الأحيان يوضع المخ في إناء معد لذلك ويملأ تجويف الجمجمة بخلطة من الحناء والراتينجات وزيت الزيتون ويوضع (المر) في الأذن والأنف.

 - يتم قلب الجثة على ظهرها وتشق البطن من جانبها وتستخرج كل الأحشاء من تجويف الصدر والبطن فتنظف وتعالج بالدهان وتوضع في الأواني الكانوبية مع إضافة الزيت لحفظها.

- يتم حشو تجويف البطن والصدر بالنطرون حتي يتشرب ملح النطرون وكل ذرة ماء بالجسم وبيان جفاف الجلد.

- يتم إزالة النطرون ويعاد وضع القلب في مكانه مرة أخرى ويملأ تجويف البطن والصدر بخلطة من النشارة والراتينجات والقرفة وحبوب العرعر وزيت الزيتون والمستكة والحناء بنسب معينة.

- يدهن سطح جلد الجثة بمزيج البصل وزيت الزيتون ثم تكفن بالقماش المصنوع من الكتان بعد غمره في زيت الأرز والعرعر ويترك حتى يتشرب الجلد الزيت ويسكب على الكفن كمية أخري من الزيت وهكذا حتى يتشرب الجلد أكبر كمية من الزيت وتترك فترة حتى يجف الكتان.

- و أخيراَ توضع الجثة في التابوت المصنوع لها والذي كان ينحت أحيانا على هيئة الملك كالتمثال المجوف وفي النهاية تعطر المومياء وتغطي بغطاء التابوت وتنقل إلي حجرة الدفن المخصصة لها وتوضع بجانبها الأواني الكانوبية التي تحمل الأحشاء والمخ. و من الأسرار غير المعروفة أيضا هو أنه توقد كمية كبيرة من الشموع داخل المقبرة وتغلق بإحكام لمنع دخول الهواء حتي ينفد كل الاكسجين داخل المقبرة ومعنى ذلك عدم وجود أي كائن حي كالنمل والكائنات الدقيقة التي من الممكن ان تؤذي المومياء وأيضا لإيقاف أي تفاعلات للجسد البشري.

المواد المستخدمة في التحنيط

من المواد والعقاقير التي كانت تستخدم في التحنيط النطرون و هي مادة تتكون من بيكربونات وكربونات الصوديوم و توجد في وادي النطرون، وتظهر عند تبخر البحيرات فتتكون طبقة بيضاء من الملح وهي النطرون، استخدمتها الأسرة الرابعة لتجفيف الجثث. كذلك مادة القار و هي الاخرى مادة توضع في جوف جسم الإنسان المحنط لحفظه من التحلل، ايضاَ من المواد المستخدمة المواد الراتنجية و تعتبر من المواد الأساسية في التحنيط وهي عبارة عن زيت ثخين مأخوذ من عصارة جذع النباتات، ومن أنواعه (الصمغ والمر). كذلك شمع النحل الذي يستخدم لقفل العينيين و خيار شنبرد (الكاسيا ) والقرفة بالإضافة إلى النباتات مثل استخدام البصل للحفاظ على الجثة من العفن والتمر لتجفيف جوف الجثة واستخدام أنواع الأزهار لتعطير الجثة، و من المواد النباتية المستخدمة ايضاَ نشارة الخشب والقطن لحشو جوف الجسم ونبات الحناء لتجميل الجثة. كما أن الملح كان يستخدم كبديل عن النطرون فهو يوجد في النطرون بنسبة 50% .كذلك تم إستخدام العقاقير ذات الروائح الزكية كمواد معطرة ومنها زيت الزيتون واللبان و صمغ الراتنج كالمر.

و ختاماَ تظهر عبقرية المصريين القدماء في التحنيط بوضوح إذ استفاد العالم من خلاله في الكشف عن المعلومات الكيميائية والنباتية وبعض المواد المستعملة في التحنيط في مصر القديمة و أيضا َ كشف لنا عن مدى تقدمهم في الجراحة والطب, إماطة اللثام عن الأمراض التي عان منها القدماء وطرق علاجها.التعرف على بعض عقائدهم الدينية وعن بعض أنواع الأغذية عندهم. كما ألقي الضوء على مدى تأثير بعض الحضارات المجاورة لمصر على عقيدة القدماء. و التعرف عن مدى الفن في اللفائف على جثث الملوك و عن مدى العبقرية في البحث والاكتشاف وتطور هذا العلم.