الصورة الدولية وحدود القوي ۲۰۲٣

بقلم/ وفاء الحسيني
إن مسار التاريخ لا يعرف المفاجآت أو الانقطاعات غير المتوقعة، والأحداث التي قد تبدو مفاجأة، تكون لها دائما مقدمات وإرهاصات.
وإذا كان الحدث الأكبر في العلاقات الدولية خلال عام ۲۰۲۲ ، هو نشوب الحرب الروسية في أوكرانيا واستمرارها شهورا دون بوادر لنهاية سريعة لها، فالأرجح أن تكون تداعيات هذا الحدث وما أعقبه من عقوبات اقتصادية وسياسية وإعلامية فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الغربي ضد روسيا هي العنصر الأكثر تأثيرا وبروزا على المشهد العالمي ۲۰۲۳ خصوصا ما يتعلق بالتفاعلات المعقدة على قمة العالم بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، فالصورة الدولية ٢٠٢٣ يتم تحديدها بناء على مسار هذه الحرب وما تقوم به تلك الدول، وما تمتنع عن القيام به ويمكن التدليل على هذا بعدد من النماذج التاريخية كالحرب الكورية التي دارت خلال أعوام ) ۱۹۵۰ إلى (۱۹۵۳) ، وأسفرت عن انقسام شبه الجزيرة الكورية إلى دولتين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وكذلك الحرب الطويلة في فيتنام.
وقد شهدت مرحلتين الأولى الانقسام أيضا إلى دولتين فيتنام الشمالية وأيدتها الصين والاتحاد والسوفيتي، وفيتنام الجنوبية وأيدتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، وارتبطت المرحلة الأخرى بالتدخل العسكري الأمريكي لنصرة فيتنام الجنوبية ضد قوات فيتنام الشمالية التي دعمتها موسكو وبكين، وانتهت الحرب بهزيمة القوات الأمريكية ودخول قوات الشمال مدينة سايجون عاصمة فيتنام الجنوبية في أبريل عام ۱۹۷۵ وزوالها كدولة مستقلة، وهناك أيضا الحروب الأفغانية التي أعقبت سقوط نظام حکم ظاهر شاه والتدخل العسكري السوفيتي (۱۹۷۹) إلى (۱۹۸۹) والتدخل الأمريكي في افغانستان (٢٠٠١) إلى (٢٠٠٢) ففي كل هذه النماذج ، ظهرت بوضوح حدود قوة الدول الكبرى وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها كاملة..
وإذا كانت فكرة حدود القوة صحيحة بشكل عام في سياق نظرية توازن القوى فإنها تصبح أكثر صحة ووضوحا في النظام الدولي الراهن وما أدت إليه العولمة من اعتماد متبادل وتشابك للمصالح وتداخل بين قدرات الدول وأدوارها.
انتهى عام ۲۰۲۲ بعدد من الأحداث التي قدمت مؤشرات للسلوك المتوقع من الدول الكبرى في العام الحالي، من أهمها إصدار وثيقة الأمن القومي الأمريكي، التي ركزت على هدفي المنافسة مع الصين واحتواء العدو الروسي، وانعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر، وفقدان القوات الرد الحزب الديمقراطي أغلبيته في مجلس النواب الأمريكي في بضرب جس انتخابات التجديد النصفي، والانسحاب الروسي من مدينة خيرسون الأوكرانية، وانعقاد القمة الأمريكية - الصينية في إندونيسيا على هامش اجتماع مجموعة الدول العشرين للحزب الشيوعي الصيني ومما ذكر نجد أن حدود قوة الدول الكبرى في أبعادها العسكرية والاقتصادية والسياسية مع التركيز على أمريكا وروسيا والصين، ولن يتم التطرق للاتحاد الأوروبي: إذ إنه ليس طرفا مستقلا في معادلة الصراع الدولي على قمة العالم.
أولا: الحدود العسكرية
اتضحت تلك الحدود بالنسبة لكل أطراف الحرب، فعلى جانب روسيا فشلت في تحقيق نصر حاسم في الأسابيع الأولى للحرب، وتراجعت عن محاولتها المبكرة في احتلال كييف وصولا إلى اضطرارها في نوفمبر ۲۰۲۲ إلى الانسحاب من مدينة خيرسون ومطلع ديسمبر ۲۰۲۲ سيطرت القوات الروسية الذي قامت به على أغلب الأقاليم الأربعة التي ضمتها إليها وتقدر مساحتها به ٤٦٠٢٩٧ كم ٢ . أي بنسبة ٧٠٦٦٪ من مساحة أوكرانيا وذلك بعد تراجعها عن مساحات أكبر كانت قد سيطرت عليها في الأشهر الأولى للحرب بنسبة ٢٠٪ من مساحة أوكرانيا استمرت الحرب بلا هوادة كما أدي حصول كييف على أنظمة دفاع جوى متقدمة من الدول الغربية، إلى عدم تمكن روسيا من إحراز انتصار حاسم، بل دفعها إلى تغيير قياداتها العسكرية الميدانية أكثر من مرة وشجعت الأجانب على التطوع بمنحهم الجنسية الروسية. وعلى جانب أوكرانيا، التي تلفت دعما عسكريا واقتصاديا ضخمًا من الولايات المتحدة ودول حلف الأطلنطي، فإنها تمكنت من صد الاندفاع الروسي، بل تنظيم هجوم، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أنه باستطاعتها الانتصار على القوات الروسية. وعندما قامت الطائرات المسيرة الغربية يضرب جسر شبه جزيرة القرم في أكتوبر كان الرد الروسي عنيفًا بضرب البنية التحتية الأوكرانية بشكل متواصل. أما على الجانب الأمريكي، فرغم التوافق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على دعم أوكرانيا، ظهرت أصوات في الكونجرس ترفض أن تعطى واشنطن الأوكرانيين «شيكا» على بياض. وألا يؤدى الدلم العسكري الأمريكي إلى خفض الجاهزية العسكرية للجيش الأمريكي وهو ما ظهر في انخفاض المخزون الأمريكي من الذخائر وشرائها من كوريا الجنوبية في نوفمبر۲۰۲۲ فنجد استمرار الحرب عند مستواها الراهن صعودا وهبوطا حسب الظروف، ولكن دون تصعيد نوعي.
ثانيا :حدود القوة الاقتصادية
حدود القوة الاقتصادية كشفت أحداث ۲۰۲۲ حدود القوة الاقتصادية للدول الكبرى. وظهر ذلك في تداعيات العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على روسيا وفى القيود التي فرضها تشابك المصالح الاقتصادية على السلوك الصيني، فبخصوص العقوبات الاقتصادية القاسية على إبقاء قنوات الكتلة الغربية، تصوراً منها أنها سوف تؤدى إلى تعطيل مسار الحرب وتقود الي المشكلات اللوجستية التي تعرض لها الجيش الروسي والتي ليست لها علاقة بقدرة الاقتصاد الروسي على تمويل الحرب، ولكن هذا لا ينفى أن العقوبات يكون لها تأثيرها في معدل نمو الناتج المحلى الروسي الذي قدر بعض المحللين أنه سوف ينخفض بمعدل ١٥ عام حدث باسم الكرملين ،۲۰۲۲ ، و ٥ ٢ عام ٢٠٢٣ فإن تداعيات هذه الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وارتفاع معدل التضخم في أغلب الدول التي فرضت هذه العقوبات وفى وأدى ذلك إلى موجة من التظاهرات والاعتصامات التي نظمتها نقابات العمال فترة تحديد شروط للمطالبة برفع الأجور. وبحسب تقرير الأمم المتحدة في مايو عام ۲۰۲۲، فإن المعدل المتوقع لنمو الاقتصاد العالمي في هذا العام هو ٣,١ بدلا من ٤٪ وتوقع التقرير انخفاض معدل نمو الاقتصاد في دول الاتحاد الأوروبي إلى ۲٫۷٪ بدلا من ٣٫٩٪، وهو التوقع الذي أعلن عنه في بداية العام سوف تتأثر الأوضاع الاقتصادية في أوروبا بمدى قسوة شتاء عام ۲۰۲۳، ومدى قدرة الدول الأوروبية على الوفاء بالحد اتفاق الدول الغربية الأدنى من احتياجات الطاقة لأغراض التدفئة وتسيير عجلة الإنتاج في الأشهر الأولى من العام. ومن الأرجح أن تتحلل حق الأذى بالاقتصاد بعض هذه الدول من التزاماتها البيئية الخاصة باتفاقية أن الصين لن تسمح، المناخ، فتعيد استخدام الفحم كمصدر للطاقة، وتعيد العمل رب بمكاسب بمناجم الفحم التي كانت قد أغلقت وتتوسع في أعمال الاستكشاف عن النفط والغاز وإيجاد بدائل للغاز الروسي المرار كوريا الشمالية من مصادر أخرى، لعل أبرزها الجزائر. كما تري الدول الغربية في عام ۲۰۲۳ على استمرار الاتفاقية التي تمت بوساطة تركيا لتصدير الحبوب من أوكرانيا وأن تسمح بتصدير الحبوب الروسية، لمواجهة أزمة الغذاء العالمي في الدول النامية، خاصة إفريقيا التي تعد من أكثر القارات تضررا بسبب ضعف الأمن الغذائي فيها. وزاد من وطأة هذه الأزمة قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر فائدة الاقتراض أكثر من مرة في عام ۲۰۲۲ /٢٠٢٣.
سوف يستمر هذا المزيج من الصراع والتنافس الحاصل في العلاقات الدولية بين أطرافه الثلاثة الرئيسية أمريكا وروسيا والصين، الذي يدور حول مصالح اقتصادية وجيواستراتيجية، وتستخدم فيه كل دولة أدوات القوة الصلبة والناعمة والذكية المتاحة لديها ولن تسفر هذه التفاعلات عن مولد نظام دولي جديد، ولا عن إعادة تشكيل النظام الدولي»، كما يتردد في مقالات الصحف السيارة، فلا يزال العالم يعيش في ظل مؤسسات النظام الدولي الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وفقا للقواعد التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، ولا ينبغي الخلط بين هذا الأمر والتغيرات التي تحدث في موازين القوى بين الدول في إطار النظام نفسه.
(حقوق الصورة: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات و الأبحاث)