سم في العسل.. المغالطات المنطقية

سم في العسل.. المغالطات المنطقية

بقلم/ بيير فرج


عَمَلِيَّةُ الإقْناعِ عَمَلِيَّةٌ مُرْهِقَةٌ للطرفَين؛ فاعِل ومفعولٌ بِهِ. فأنتَ كفردٍ يَوَدُّ أن يُقْنِعَ آخَرًا بقضية منطقية أو بأهمية قضية منطقية أو بخطأ قَضية ما... تبذِلُ مجهوداتٍ جبَّارَةً لتَصِلَ إلى هَدَفِكَ الأسمى وهو الإقناع، كذلك أنت إن كُنْتَ المُسْتَهَدَف مِنْ عَمَلِيَّةِ الإقناعِ هذه فأنتَ أيضًا تَجْتَهِدُ لكي تُسَدِّدَ مَجْموعَةً هائِلَةً مِنَ الأسئلة التي يثيرُها ذهنِكَ جَرَّاءَ ما يُعْرَضُ عَلَيْكَ مِنْ فِكْرٍ، كَذَلِكَ تُداهِمُ السلاسِل التي تستعبدُ ذهنك بما يُسَمَّى: عادات، تقاليد، عُرْف، ..أو حَتَّى فِكْر مُسَيْطِر.

يلجأ الشُرَفاءُ مِنَ الناسِ - وأعني بالشُّرَفَاء شرفاء الفِكْرِ الذين يحترمون الحقيقة كفكرة - إلى الطُرُقِ المشروعَةِ في الإقناعِ بعيدًا عَنْ التأثيرات العاطِفِيَّة والاستثارِيَّة، وأَهَم ما يَتَجَنَّبونه هو إيقاع الغير في "الأخطاء المَنْطِقِيّة". لا أعني بذلك أنهم لا يقعون في خطأٍ مَنطِقِيٍّ لأننا كلنا مُعَرَّضون للخطأ، ولكن أَعْنِي فَنَّ تصنيعِ الأخطاء المَنْطِقِيَّة لا الموضوعية. وأُلْفتُ النَظَرَ قَبْلَ أَنْ أُدْلِيَ بالأمثِلَةِ والبُرْهان أنَّ الخطَأ الموضوعِيَّ هو أن أعطيك معلومة مغلوطة وهذا أتفه أنواع الغَلَط لا سِيَّما في عَصْرِنا هذا الذي أصبحَ فيه مراجعة المعلومة أمرٌ أيْسَر مِنْ تغميز العيش في الجبنة. مثال للخطأ الموضوعي: عدد الرجال يُمَثِّلُ ٥٠٪ من قرية "س" حينَما تكون النسبة هي ٤٠٪، فذلك خطأ موضوعي سهل، ولكن مِنَ المُهِمِّ كشفه. أما الخَطَأ المنطقي هو خطأ في بِنْيَةِ الحديث أو الكلام، والمُغالَطَة هي ببساطة أن تبتدع وتتفَنَّنَ أنتَ في بناءِ هذا الخطأ لكي تُقْنِعَ مَنْ هُوَ أمامَكَ بالفكرة.  


أولًا: أسهل الأخطاء

القط حيوان أليف

الحيوان الأليف يعيش في البيت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأسد يعيش في البيت.

هذه مغالطة تافِهَة من السهل جدًّا الالتفاتِ لها لأنك تَجِدُ عامِلًا جديدًا في النتيجة لا يلزم عن المقدمتين. حيث أن النتيجة غير موضوعية مِنْ جهة (الأسد لا يعيش في البيت) كذلك لا تلزم عن المقدمتين.

ثانيًا: سنة أولى خطورة

القط حيوان أليف

الماء يغلي عند درجة حرارة ١٠٠

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأسد يعيش في الغابة

هنا تَجِدُ أن المقدمتين صحيحتين والنتيجة صحيحة... تُفَكِّرُ وتُفَكِّرُ وتُحاوِلُ تُقْنِعُ الذي تتحَدَّثُ معه أن الكلامَ فيه خطأ، فستجِدُه يراجِعُ معكَ نفس الكلام ويثبت لك أن كل مقدمة على حدى صحيحة وأن النتيجة صحيحة فلا تجد ما تقوله له فيما يخص صحته. ولكن، الكلام لا يُدْرَسُ جُملًا منفردات وإنَّما في تَرَابُطِهِ وصحته ليست في مُفْرَدَاتِهِ فقط، بل في علاقة مفرداته ببعضِها ولزومِها منطقيَّا بعضها عن البعض.

ثالثًا: بدأنا في الجَّد

القط حيوان أليف

الحيوان الأليف يعيش في الغابة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القط يعيش في الغابة

هنا تَجِدُ أنَّ النتيجة تلزم عن المقدمتين، ولكن إحدى المقدمتين خاطئة ومِنْ هُنا النصيحة الأولى: إن وَجَدْتَ أن النتيجة تبدو غير منطقية من الكلام راجِعْ المقدمات قَّد يكون موضوع واحدة فيهما غير صحيح (في المثال: المقدمة الثانية غير صحيحة)

رابعًا: "الخَطَر"

الدولفين حيوان مفترس

الحيوان المفترس صديق الإنسان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدولفين صديق الإنسان

هنا سحر المنطق حرفيًّا! المقدمتان خاطئتان تمامًا وتلزم عنهما نتيجة صحيحة ١٠٠٪، ليست فقط صحيحة، ولكنها تلزم لزومًا منطقيًّا عن المقدمتين. من الممكن أن في قضيتنا هذه لن تَجِدْ صعوبة في فهم أن المقدمتين بهما خطأ موضوعي؛ فالدولفين ليس مُفْتَرِسًا، والحيوان المفترس ليس بصديقٍ للإنسان. ولكن تَخَيَّل إن كنت تناقش قضية لا تعلم فيها صحة المعلومات؛ تَخَيَّل إن كنت لا تعرف ما هو الحيوان المفترس ولا تعرف ماذا تعني كلمة "دلفن". الخداع يُصْبِحُ محبوكًا جدًّا... وهنا مصيبة المصائب.

الذي يَوَدُّ أن يخدَعَك مَنْطِقيًّا لن يدخُلَ عليك بالمغالطة في أول الأمر، بل سيبدأ بِعَرْضِ قضايا منطقية سليمة وسيدس لكَ المعلومة المغلوطة في صُلْبِ الحديث كدَسِّ السم في العَسَل.... احذروا...اختبروا الكلام مَنْطِقيًّا!