الضباط الأحرار ...٧١ عامًا على ثورة ٢٣ يوليو

كتبت/ آية نبيل
من القفص إلي سعة الفضاء سطّر المصريون التاريخ بحروف من ذهب، وقاموا بالكثير والكثير؛ رغبة في التخلص من الظلم والانطلاق إلي سماء الحرية بإرادة وعزيمة لا حدود لها ، شعبًا أصيلًا لا يخضع لأحد، قولًا واحدًا، ويدًا واحدة دائمًا في الأزمات.
لعبت الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية والشعوب دورًا هامًا في تغير النظام القائم المسيطر على الحياة السياسية والاجتماعية، والذى تطلب تغيره بنظام أخر يحقق رغبات وطموحات الشعوب، بثورة أو حركة شعبية من خلالها يتحقق الهدف المرجوة، وتكون هذه الثورة أو الحركة مؤيدة تأييداً كاملًا بإرادة قوية من شعوبها.
كانت بداية التحول في حياة الشعب المصري بقيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وقد أقسم الضباط الأحرار على تخليص البلاد من الحكم القائم وإقامة حكم ديمقراطي.
حركة الضباط الأحرار:
هو تنظيم قام به الضباط الأحرار حدث في ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وقد اطلقوا على أنفسهم،" تنظيم الضباط الأحرار" وقبل ذلك كانت تسمى " حركة الجيش" وكانت أعمارهم لا تتحاوز الخمسة وثلاثون عامًا ماعدا البعض منهم، ولم يكن الهدف من التنظيم خلق صلات أو نفوذ جماهيري، وهذا ميزهم عن باقي الحركات العسكرية.
قبل قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وصلت مصر لدرجة كبيرة من الاحتقان السياسي؛ نتيجة لانتشار الفساد، وتردى الأوضاع؛ علاوة على سيطرة الإقطاع والاحتلال الانجليزي، وهذه الأوضاع هي الدافع لقيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.
تمكن الجيش بقيادة الضباط الأحرار في فجر ٢٣ يوليو ١٩٥٢، بالسيطرة على المناطق الحيوية، ومحاصرة النقاط الاستراتيجية كالقصور الملكية، ووزارة الحربية، ومبنى الإذاعة، وكان الملك وحكومته في ذلك الوقت في مدينة الإسكندرية.
وصل " أنور السادات" إلى مبنى الإذاعة في السابعة إلا ربع صباحًا؛ لإذاعة البيان الأول الذي وضعه اللواء محمد نجيب ونص على ما يلى:" اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتأمر الخائنون على الجيش وتولى أمره إما جاهلًا أو فاسدًا .....والله ولى التوفيق".
استيقظ المصريون في فجر ٢٣ يوليو على ثورة الضباط الأحرار ضد الحكم الملكي. قام الضباط بانقلاب مسلح لم ترق به الدماء، ونجحوا في السيطرة على الأوضاع؛ مما أضُطر الملك إلى التنازل عن العرش، ونُفى إلى إيطاليا يوم ٢٦ يوليو؛ وترتب على ذلك إلغاء الملكية، وتحول نظام الحكم إلى النظام الجمهوري.
أظهر الشعب المصري تأييده للجيش وخرجت جميع فئاته وطوائفه لمساندة أهداف الثورة، وبذلك اعتمدت الثورة شرعيتها من الشعب بعد تأييده لها. مضى الشعب المصري في طريق الثورة، أيًا كانت الصعاب ومهما كانت التضحيات وأعلنت الثورة مبادئها المتمثلة في القضاء على الاستعمار، ومواجهة تحكم الإقطاع، والقضاء على الاحتكار، وإقامة عدالة اجتماعية، ومواجهة المؤامرات التي تستهدف الجيش.
تحول الوضع المصري تحولًا جذريًا بعد الثورة، حيث دعمت الثورة الطبقة التي عانت الظلم، والحرمان من العدالة الاجتماعية؛ فتشكيل الضباط الأحرار لم يمثل اتجاهًا سياسيًا واحدًا، بل ضم مختلف الاتجاهات؛ مما أدى إلى نقلة كبيرة في الوضع المصري، وارتبطت الثورة في أذهان المصريين بصورة الراحل جمال عبدالناصر الذي بات رمزًا ظاهرًا لحركات التحرر في مواجهة الاحتلال، واستمرت الصورة هكذا حتى يومنا هذا.
تمكنت مصر من تحقيق الاستقلال السياسي بالقضاء على النظام الملكي، وإعلان الجمهورية. تحررت أرض مصر من المستعمر الذي سلب حقوق الشعب، كما توجهت الثورة نحو تحقيق الاستقلال الاقتصادي بالتخلص من الاحتكار، وبذلك تمكنت من تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وحسنت من وضعها الثقافي والتعليمي.
إن مصر في أعقاب ثورة ٢٣ يوليو امتد دورها بشكل كبير في إفريقيا والمنطقة العربية، ولاقت حركات التحرر التي انطلقت في أعقابها الدعم المادي والمعنوي من مصر، حيث نجحت القاهرة في دعم حركات التحرر في اليمن والجزائر، وعرض قضيتهم في هيئة الأمم والمحافل الدولية، فكانت إذاعة صوت العرب تمثل دعم إعلامي؛ لخدمة الثورة في الجزائر، وأُنشئت إذاعة سرية خاصة للجزائر؛ لإذاعة البيانات، كما كانت الصحافة المصرية داعم للثورة الجزائرية.
أكدت الثورة للأمة العربية من المحيط للخليج إن قوة العرب في وحدتهم، يجمعهم تاريخ واحد، ولغة مشتركة، ومصير واحد، وبذلك تكون الثورة قد ضربت أروع الأمثلة؛ لانحياز الجيش المصري لأمال وطموحات الشعب في الحياة. إن ما قدمته الثورة بزعامة جمال عبدالناصر من دعم لحركات التحرر سواء في العالم العربي أو الإفريقي، ودورها الفعال في بروز منظمة الوحدة الإفريقية؛ أعطت لمصر مكانة دولية، وأسيوية، وإفريقية.