قضيَّتا الاندماج واستخدام العنف: قراءة في فكر كل من مالكوم أكس ومارتن لوثر كينج الأبن

قضيَّتا الاندماج واستخدام العنف: قراءة في فكر كل من مالكوم أكس ومارتن لوثر كينج الأبن
قضيَّتا الاندماج واستخدام العنف: قراءة في فكر كل من مالكوم أكس ومارتن لوثر كينج الأبن
قضيَّتا الاندماج واستخدام العنف: قراءة في فكر كل من مالكوم أكس ومارتن لوثر كينج الأبن

الحلقة الثانية


كتابة وتحليل: سهر العنطوزي 

الباحثة في الشؤون الأفريقية

كما ذكرنا سابقا في الحلقة الأولي، يمثل كلا من مالكوم إكس ومارتن لوثر كينج الابن حجري الارتكاز التي قامت عليها حركة الحقوق المدنية للأمريكيين من أصوال أفريقية في الفترة (1954: 1968) وتركت اثرا على مستقبل الولايات المتحدة، وتكريما لمسيرتهما في الدعوة إلى حقوق الأمريكيين من أصل أفريقي، ومطالبتهما بإنهاء سياسات التمييز العنصري العرقي الموجه ضد السود في الولايات المتحدة الأمريكية يُحتفل بيومي 20 يناير و19 مايو كعطلة رسمية على المستوي الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية، تخليداً لذكراهما.

واستكمالا لما سبق، سيتم في تلك الحلقة مناقشة أهم الأفكار التي تناولها مالكوم أكس في خطاباته ومناظراته المختلفة للعامة والأكاديميين سواء كانت مسجلة تلفزيونية أو كتابية أو تم نشرها، وقد تم التركيز على الخطابات التي تناولت رؤيته وتوجهاته حول مفهوم الاندماج مع الرجل الأبيض في إطار الكفاح في الحقوق المدنية للأمريكان ذو الأصول الأفريقية في الولايات المتحدة الأمريكية، وموقفه من استخدام العنف لأجل الحصول على حقوق السود المهدرة.

الاندماج واستخدام العنف في فكر مالكوم أكس.

ناقش مالكوم أكس العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجها الأمريكان ذو الأصول الأفريقية في المجتمع الأمريكي في عدد من الخطابات والمناظرات العامة والمقابلات الإعلامية سواء الإذاعية أو التليفزيونية التي وصل عددها إلي أكثر من 70 خطاب ومقابلة في الفترة الزمنية (1960: 1965)، فترة زمنية قصيرة لكنها اعادت تشكيل وعي الأمريكان ذو الأصول الأفريقية لعقود كثيرة متتالية، ومن تلك الخطابات: خطاب ألقاه في جامعة كاليفورنيا بمدينة بركلي في يوم 11 أكتوبر عام 1963. وفي بداية خطابه، تحدث مالكوم أكس عن التخبط في وضع توصيف محدد للتنظيم الديني المكون من المسلمين المنضمين لمذهب الإليجا محمد سواء من الإدارة القضائية أو الإدارات التعليمية، وكيف أنه على هذا الأساس يتم منع السود المسلمين من ممارسة حقوقهم العامة وإن هذا التخبط من إدارات تعد هامة للدولة مقصود من الحكومة لمنع وجود توضيح للعامة عن طبيعة التنظيم الديني التي يمثله مالكوم إكس والأسس الدينية التي يسير عليها هو والمنضمين إلى الإسلام وفقا لمذهب الإليجا محمد، ويعد فعل عنصري صريح تجاهم[1].

تكلم مالكوم أكس عن الأزمة الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة الامريكية آنذاك، تلك الأزمة تعد الأخطر منذ الحرب الأهلية، فسواء في الولايات الجنوبية أو الشمالية، فالتوترات العرقية في تزايد، ويمكن ملاحظة تزايدها من خلال زيادة المشاعر والتصرفات العدائية العنصرية الصريحة، كذلك يمكن ملاحظتها في فقدان الجماهير السوداء الثقة في وعود السياسيين البيض الذين يطلقون على أنفسهم ليبرين، والذين وفقا لكلمات مالكوم أكس هم عبارة عن: "ثعالب، فهم منافقين يمثلوا أنهم أصدقاءنا ويشيروا بالغضب إلى أفعال الرجل الأبيض في الجنوب، بالرغم من أنهم يفعلوا نفس الشيء بنا في الشمال"، فالرجل الأبيض في فكر ورؤية مالكوم أكس هو رجل عنصري قاسي يسعي تجاه مصالحه و يلبس عدد من الوجوه لتحقيق ذلك فلا يمكن الوثوق به، فهو "ذئب في الجنوب و ثعلب في الشمال، فالرجل الأبيض في الجنوب صريح في عدائه وعنصريته، لكن الرجل الأبيض في الشمال يتقمص دور صديقك، فهو ذئب لأنه يستخدم الاندماج كوسيلة للتسلل داخل منظمتك لكى يخنق جهودك تجاه الحصول على الحرية الحقيقية"[2].

كما يوضح مالكوم إكس بأن الأزمة تصاعدت مع تظاهرات الجماهير السوداء البالغ عددها 20 مليون ضد اضطهاد واستغلال الرجل الأبيض، حيث فقدوا كل أنواع الخوف من الرجل الأبيض، وبسبب تلك الشجاعة أنتشر العنف وإراقة الدماء بين "مالك العبيد و عبيده السابقين"[3]، مما يطرح التساؤلات عن الحلول لأجل مواجهة تلك الأزمة الداخلية الأخطر التي تواجهها الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية، تلك الأزمة سببها ببساطة مطالبة 20 مليون "عبيد سابقين" بالحرية والعدالة والمساواة مع مالكهم السابقين، وقد قُوبلت مطالبتهم بالكرامة والحقوق الإنسانية بالوعود الكاذبة و العنف الصريح ومعاملة المواطنين من الدرجة الثانية، فالبرغم من حرب الاستقلال والحرب الأهلية، مازال السود في أمريكا يٌعاملوا معاملة مواطنين من الدرجة الثانية، حيث يعيشون في أسو أحوال للمعيشة، ينتشر الفقر والجهل والبطالة والجريمة والأمراض والموت بينهم في دائرة لا مفر منها، لا يستطيع المجتمع الأسود الخروج منها حيث يتحكم في اقتصادهم وتعليمهم ووظائفهم وجميع مناحي حياتهم الرجل الأبيض[4].

يقدم مالكوم إكس رؤيته الفكرية لمواجهة حصار السود الأمريكيين في حلقة مفرغة من الموت الاقتصادي والفكري والاجتماعي والسياسي، فالحل الدائم عنده هو في الانفصال كلية عن الرجل الأبيض، يكون هذا الانفصال من خلال إقامة ال20 مليون العبيد السابقين في أرض خاصة بهم، فمن خلال أقامتهم وتملكهم لأرض خاصة بيهم، حينذا سيقدروا على إنشاء وظائف خاصة بيهم، سيقدروا على التحكم في اقتصادهم، سيقدروا على حل مشكلاتهم الخاصة بدلا من انتظار الرجل الأبيض ليحلها بدلا عنهم، فحل أزمة السود في أمريكا وفقا لرؤية مالكوم إكس تكمن في تملك السود لأرض خاصة بيهم ينفصلوا بها كلية عن الرجل الأبيض، فعلى هذه الأرض ينفصلوا باقتصادهم وقوتهم العاملة عن الرجل الأبيض، ينفصلوا قضائيا من سلطة الرجل الأبيض، ينفصلوا ليكونوا أمة مستقلة خاصة بهم، وهذا هو الحل الوحيد الدائم لمنع تصاعد الأزمة الداخلية الأخطر التي تواجهها الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية وتمنع تحولها إلى حرب عرقية بين البيض والسود[5].

أما بالنسبة لوجهة نظر مالكوم إكس الفكرية تجاه الاندماج والمحاولات الإندماجية التي يطالب بها عدد من القادة السود، فيجدها مجرد حلول مؤقتة، فيفسر بأن الحلول الإندماجية التي يحاول بها الأبيض أن يعطيها للأسود في الجنوب هي مجرد رمز للاندماج وليس الاندماج الحقيقي بدليل أنه لا يوجد اندماج حقيقي للسود في المجتمع الأبيض في الولايات الشمالية، بالرغم من سعي السود في الجنوب إلى الحصول على الحلول الإندماجية مثل التي يحصل عليها السود في الشمال، إن تلك الحلول الإندماجية التي قُدمت للرجل الأسود في الشمال لم تنجح في جعل حياته أفضل بل زادت من مساؤي المعيشة، بالرغم من فرض الاندماج في المجمعات السكانية والمدارس، فإن محاولة الأسود للاستفادة من هذا الاندماج يصاحبه هروب الرجل الأبيض من تلك المجمعات السكانية والمدارس ليبحث عن مجمعات أخري يسكن فيها ومدارس يتعلم فيها أولاده بعيدا عن السود، وتترك تلك المجمعات والمدارس للإهمال، ويتكرر بذلك الظروف المعيشية السيئة التي حاول السود الهروب منها[6].

بالتالي فإن الحلول الإندماجية التي طالب بها القادة الزنوج مع الرجل الأبيض والتي حصلوا عليها من الليبراليين البيض في الشمال هي مجرد رمز عن الاندماج وليس الاندماج الفعلي بدليل فشلها في تحقيق هدفها بتحسين المجتمعات الزنجية، واستطاع الرجل الأبيض أن يفلت من تحقيق الاندماج الفعلي من خلال ترك المدارس والمساكن للسود وبناء مدارس ومساكن أخري أحدث لهم، ومع مطالبة القادة الزنوج بالاندماج مع الرجل الأبيض في الوظائف من خلال تحديد نسبة معينة للسود من وظائف الرجل الأبيض، فلا يتوقع مالكوم إكس تحقيقها لإن الرجل الأبيض لا يستطيع إعطاء وظيفته للسود ومن ثم إخلائها وبناء وظائف أخري أحدث لهم، وبالتالي سوف يتصاعد العنف، لأن الاندماج الحاصل في الشمال لم يكن حقيقيا والمطالب الإندماجية كانت لأجل أشياء سهل استبدالها وتركها للسود، لكن الوظائف واقتصاد الرجل الأبيض لن يسمح بأن يؤخذ منه تحت مسمي محاولات الاندماج، مما يؤدي إلى نفس الأزمة التي تعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية، أمكانية التصاعد إلى حرب عرقية تسيل فيها الدماء[7].

أما عن استخدام العنف في ظل النضال لأجل الحقوق المدنية، فتطرق إليه مالكوم إكس بإمعان في خطابه بمدينة مانهاتن بولاية نيويورك في 28 يونيو 1964 الذي يٌعرف تاريخيا بخطاب "بأي وسيلة ضرورية"، حيث مثل هذا الخطاب أهمية في فكر مالكوم إكس السياسي كنتيجة لمحتواه، كذلك مثل نقطة فاصلة بعد خروجه من تنظيم (أمة الإسلام) وبعد رحلته للحج ومروره بعدد من الدول الأفريقية من بينها مصر، في هذا الخطاب أعلن مالكوم إكس عن نشأة تنظيم (منظمة وحدة الأمريكيين من أصل أفريقي) لتكون أسوة بمنظمة الوحدة الأفريقية التي أُنشت قبل تاريخ الخطاب بعام واحد وتسير على نسق تحقيق القومية الأفريقية المطلوبة لكن في الولايات المتحدة الأمريكية ودول نصف الكرة الغربية[8].أعلن مالكوم إكس في خطاب النشأة قيم ومبادئ وأهداف المنظمة وأسباب نشأتها، إضافة إلي مناقشته عدد من البنود الهامة المتعلقة بالمنظمة والخاصة بقضايا الأمريكيين من أصل أفريقي مثل بند الدفاع عن النفس، والتعليم، والسياسات والاقتصاد و البند المجتمعي المتعلق بتجميع الأمريكيين من أصل أفريقي[9].

وضح مالكوم أكس شعار هذه المنظمة الا وهو "تحقيق الحرية والعدالة والمساواة للأمريكيين من أصل أفريقي بأي وسيلة ضرورية"[10].فالعنف عند مالكوم إكس يعد تحت بند الدفاع على النفس، خاصة مع تأكيد الدستور الأمريكي بحق كافة الأمريكيين بحمل السلاح، وباعتبار أن مالكوم إكس وغيره من السود في أمريكا هم أمريكيين فإنهم "لن يتخلوا عن إي حق مكفول لهم دستوريا"[11]، خاصة في ظل عدد من الاعتبارات من ضمنها: تاريخ العنف الممارس ضد السود، عجز الحكومة عن حماية أرواح وممتلكات السود في بعض المناطق بسبب عدم قدرتها على ذلك أو عدم رغبتها في ذلك. بالتالي من حق الأمريكيين من أصول أفريقية قانونيا ودستوريا الدفاع عن أنفسهم بأي وسيلة ضرورية[12]. كذلك يري مالكوم إكس أن الدعوات اللاعنفية هي دعوات سلبية تسمح بالتعرض بالوحشية بدون مقاومة بل هي لا تصلح إلا في حالة وجود نظام قيمي أخلاقي، والعنصرية القائمة على اللون ليست بأخلاقية، وإن مقاومة العنف بالعنف هي مساواة، فالعين بالعين والسن بالسن وحياة مقابل حياة، وهذا هو ثمن الحرية المستعد لدفعه مع غيره من السود[13].

أما بالنسبة للرؤية الفكرية لمارتن لوثر كينج الابن فيما يتعلق بقضية الاندماج وموقفه من استخدام العنف لأجل الحصول على حقوق السود المهدرة فانتظروها في الحلقة القادمة من السلسلة ...

المصادر

[1] Sandeep S. Atwal, ed., “Malcolm X: Collected Speeches, Debates and Interviews: (1960: 1965)”,( New York: Organization of Afro-American Unity, the Publications Committee, 2014), P. 161. 

[2] Ibid., P. 162.

[3] Ibid., P. 163.

[4] Ibid., P. 164.

[5] Ibid., Pp. 168: 169.

[6] Ibid., Pp. 166: 167.

[7] Ibid., Pp. 167: 168.

[8] Sameer Rao, “53 Years Ago: Malcolm X Pledged Worldwide Black Liberation 'By Any Means Necessary'”, Colorlines,( New York: Race forward, Jun 28, 2017), AT: https://www.colorlines.com/articles/53-years-ago-malcolm-x-pledged-worldwide-black-liberation-any-means-necessary

[9] Sandeep S. Atwal, ed., “Malcolm X: Collected Speeches, Debates and Interviews: (1960: 1965)”,Op.Cit., Pp: 394: 402.

[10] Ibid., P.392.

[11] Ibid., P.395.

[12] Idem.

[13] Ibid., P.168.