المفكر الكبير حلمي شعراوي يكتب: صورة الآخر ... والتمركز المعكوس

المفكر الكبير حلمي شعراوي يكتب: صورة الآخر ... والتمركز المعكوس
كانت صورة الآخر موضع قلق الأفريقيين بقدر تصدير الأوروبيين لصورتهم السلبية فى التخلف والبدائية والعرقية .وأطلق على ذلك العنصرية الأوروبية. وبينما يعمل الأفارقة على تحسين صورتهم فى إطار حركة التحرر والإستقلال أو الإقتراب التنظيمى من الأوروبيين وأشكال هيمنتهم الضمنية العنصرية المعلنة، فإننا نجد القلق العربى من صورتهم يرتبط بحالة تمركز معكوسة حول الذات باسم الدفاع عن الهوية الماضوية ضاربة باتجاهات الحداثة عرض الحائط مرتكزة على بحوث الهوية وتأكيد أبعاد السلفية . وقد عالج ذلك الراحل سمير امين بالتفصيل في كتابه :"نظرية في الثقافة" مرجعا حالة التمركز الاوربية الي زمن خلق صورة الغرب الابدي لتناظر صورة الشرق الابدي ( و اعتقد ان ذلك منذ الحروب الصليبية)
كاتب أسبانى –خوسيه انطونيو من جامعة غرناطه- اعتبر الفارق بين التصور العربى والأوروبى فارقا بين نظرة التعدد الثقافى التى أخذ بها الأوروبيون حديثا وبين التأويل التاريخى والقومى عند العرب .وأظنه لم يلحق بحالة التراجع االعربي الاكثر سلبا منذ تشوها صورتهم نتيجة الرعب من حالة الإرهاب ومنتوجه من التأثيرات والصور السلبية ليعتبر أن العرب تجاوزوا النظرة الاوربية وهم- فى حالة انكفاء- بعيدا عن "التاريخى والقومى" ومضاعفة أطراف منهم مناهج الإقصاء التى عرفتها فترات العنصرية والفاشية سابقا. ذلك لأن أثر حركة التحرر الوطنى والتنوير التى تبث التفكير الحديث افتقدت إلى العنصر الديموقراطى الذى يطور التفكير والسلوك السياسى والاجتماعى أيضًا.
لم تغفل الدراسات العربية والافريقية فى تنوع غير مجهول عن دراسة مشكلة الهوية وأثر ضخات من العولمة الإعلامية ممثلة فى تأثير عصر الصورة والثقافة البصرية والموروث على مثقفينا المحدثين....!
لكنى أعتقد أن أجواء الإعلام الغربى المرتبط بإدارة عمليات الإرهاب وتأثير صورته ونتائجه على كل تمظهرات التاريخ والفترة القومية جعلت الفكر العربى غير قادر على مراجعات هامة لكتاب ادوارد سعيد عن الاستشراق أو حسن حنفى عن الاستغراب وذلك منذ السبعينات والثمانينات من القرن الماضى وإن تجاهل البعض آثار" الاستفراق" - الخبراء عن أفريقيا africanists- مثل مسمى خبراء الشرق الاوسط الامريكيين نحو العرب والمسلمين.
لا أستطيع أن نتجاهل هنا دراسات عربية تضاعفت نسبيا بعد ادوارد سعيد وحسن حنفى متبلورة فى أعمال شاكر عبد الحميد وغيره فى المشرق العربى متعددون . لكن فأجانى عرض قريب لأعمال ندوة هامة عن" صورة الآخر... نظرات متقاطعة " عقدت بالبحرين فى نوفمبر ٢٠١٦ يستعرض فيها أكثر من خمسين مثقفا عربيا وغربيا إشكالية النظرات المتقاطعة فى ابعاد التقاطع في النظرات المتبادلة والتى جاءت جلها عن التبادل مع الصور الأوروبية عند الآخر العربى متجاهلين أى ذكر للصور مع غير العرب من الثقافات وخاصة الأفريقية بما كان يعوضهم مع ثقافات أخرى) ناهضة فى عصر الأمل مع نهضتنا المستقبلية.
ولم يثر هذا التساؤل إلا كاتب وحيد تقريبا "نادر كاظم" أو بنظرة نقدية من قبل آخرين.
ومعنى ذلك أن ثمة تمركزا حول الذات حتى بين المثقفين المحدثين ...!
وقد سبق انعقدت ندوة أخرى بعنوان صورة الاخر فى تونس ١٩٩٥( كان لي حظ المشاركة فيها ببحث عن" صورة الافريقي لدي المثقف العربي" كانت- أقرب إلى وقائع العالم العربى الذي كان اقل اضطرابا
وقد أضافت الندوة الأخيرة معالجة حديثة لموضوع كتب لأطفال العرب" فادية حطيط "" وما يصل إليهم من تأثيرات عبر الصورة . كما عالج أحمد بدوى موضوع الدينى والطائفى فى مصر فضلا عن معالجة تأثيرات الإعلام الصهيوني حول فلسطين
وقد حظي" الربيع العربي" بتحليلات متنوعة بداها مصطفي التير بحالة ليبيا وكيف تم وقوع الرفض العربي للاخر بتأثيرات متبادلة إيجابا وسلبا. وفسر محسن بوعزيزي ذلك بالتساؤل عما اذا كان العرب يعرفون عدوهم حقا....؟
في بحثي عن تحليل اعمق يخص صورة الافريقي بعد ما كتبه ايزاكييل ايمفاهليلي 1962 E.Emphahleli وجدت صديقنا الاقتصادي المالاوي "زيليزا" المعروف بمؤلفاته القيمة ، يراس تحرير موسوعة للدراسات الافريقية ضممن 0xford bibliography لنجد مقالا هاما عن التمركز حول الذات ل: curts keim يضع يدنا علي منهجية النقد الاوربي لموقفهم من الاخر كحالة تمركز عنصري مرجعا هذا التطور الي الاجواء بعد الحرب الثانية ...الخ
نحن إذن فى حاجة إلى دراسات متنوعة حول الصور المتبادلة فى العالم ليمكن مواجهة ما تفرضه العولمة على هويتنا فى ظروف تصاعد مطلب الاستقلالية وتفعيل الهويات وليس التمركز السلبى حول الذات ...