فى ميل كاسح لتناول قضية التحديث فى القارة الإفريقية ، تنشأ الضرورة للقراء فى سوسيولوجيا الثقافة بالقارة ، حيث تختلط الأيديولوجيا بالانثروبولوجيا ، ويرتبط التفاعل الثقافى بجوانب مختلفة من عملية التحديث ، مالم يحدث التمترس فى أنماط من الهوية التاريخية التى تعزل الحراك كله .
والذين كتبوا فى سوسيولوجيا الثقافة وهم كثر، يركزون الآن على مدى الانتقال بعملية تحديث الثقافة ، وخاصة فى القارة الإفريقية من مجرد أنماط الحداثة الشائعة
مرتبطة بعملية التحرر الوطنى أو الاستقلالية إلى أنماط العولمة متعددة الأساليب .
لقد جَرَّت هذه العولمة المتجددة أنحاء من القارة الإفريقية ، إلى أنماط من التحديث مرتبطة بمعنى تقنية السلاح العالية ، أو طرح أساليب الزراعة الديجيتالية ، أو العسكرة الوطنية التى تميل لاستعمال قوتها هنا وهنالك فى الإقليم ...الخ
فى كتاب شيق للدكتور " عبد الغنى عماد" من "مركز دراسات الوحدة العربية " عن سوسيولوجيا الثقافة ، والانتقال من الحداثة للعولمة ، يتناول أبعادا ملفتة فى عملية التحديث بين المقاربات المختلفة أيديولوجية وأنثروبولوجية ، وتأثير البعد الرمزى فى الثقافات المختلفة ، وأثر أفكار " ألفن توفلر" وحديثه عن ثالوث المعرفة والفن والثورة ...الخ
وقد أُتيح لى المشاركة فى المؤتمر الدولى الرابع لملتقى الثقافات الإفريقية بالقاهرة ، والذى حضره أكثر من سبعين باحثا من مصر وبقية بلدان القارة الإفريقية ( عشرون دولة ) ، وكان حول الثقافات الإفريقية فى عالم متغير "، وأرى أن مراجعة عناوين بحوث هؤلاء الشبان واختياراتهم لما يتصورونه عن " عالم التغيير فى إفريقيا ، وهم مشغولون دائما بالحداثة والتحديث ، يمكن أن تقودنا للتصورات المتنوعة السائدة بين شباب القارة
ولنقرأ فى ، وسأورد هنا بعض العناوين الملفتة لشباب من البلدان المختلفة :
فمن اثيوبيا : تحدث الشاب عن تشكيل للاقتصاد العالمى ، ومستقبل القارة .
ومن أوغندا : سياسات التنمية النيوليبرالية وتأثير القوى البترولية .
ومن تنزانيا : دور الثقافة العربية فى تغيير هوية السواحليين .
ومن تونس : عالمية الفن الإفريقى ، وجمالية الصورة والأسطورة .
ومن السودان : حول الذكر ، وفهم جذور الرقص الدينى فى جنوب السودان .
ومن الجزائر : الهوية الثقافية والخوف من الآخر – الهويات المتعددة فى الجزائر .
ومن السنغال : ذاكرة شعوب " سنجامبيا" ، والهجرة الوافدة من مصر إلى غرب إفريقيا .
ومن نيجيريا : عن السوشيال ميديا ، والقيم الاجتماعية .
ومن موريتانيا : المرأة فى الثقافة الإفريقية .
أما من مصر فقد تنوعت الخيارات بين الثورة الرقمية ، والسينما الإفريقية ، وتفعيل اسهامات منظمات المجتمع المدنى ، والنزاعات الدولية حول الانهار الدولية ، والملكية الفكرية فى عصر الثورة الرقمية ، ثم الدياسبورا الإفريقية فى الصين ...
فأين هنا المجال لمفهوم التحديث فى إفريقيا ، بينما السائد هو الاقتراب الأكثر مباشرة لمجال العولمة وتأثيرها على الخيارات المختلفة .
إذن فشباب القارة أكثر ميلا لعولمتها إلى جانب تحديثها . بل إنهم يجُرون المحليات إلى محاولة تنظيرها لتكون أقرب للحداثة . وهذا الربط بين المحلى والعولمى ، هو ما يجعلنا نتساءل عن مدى فهم الشباب لقضايا سوسيولوجيا الثقافة محلية أو عالمية .
وقد أتيح لى أن أعيش بعض نواحى الحياة فى جنوب إفريقيا منذ صاحبت حركات التحرير فى لوساكا ( زامبيا) وحتى بدأوا فى بناء دولتهم الحديثة ما بعد الأبارتهيد ، ورأيت تنوعا هائلا فى مجريات التحديث ، وتنوع مفهوم سوسيولوجيا الثقافة من جوهانسبرج العاصمة الرسمية ن إلى كيب تاون التى يغلب عليها " التلوين" إلى ديربان وأجوائها " الآسيوية " ، وهنا تصورت أن دراسات سوسيولوجيا الثقافة ، ستجد مجالات واسعة للعمل ، وإثراء الفكر الإنسانى ، رغم التنوع المجتمعى فى هذه البلاد .
إن جنوب إفريقيا تعتبر مثالا حيا لدراسات سوسيولوجيا الثقافة حيث تعيش تنوعا بين أبناء " الزولو" شرقى البلاد ، والسيسوتو والخوسا والميتابيلى ...فى أنحائها المختلفة ، ومع ذلك فإن هذه الثقافات المتنوعة ، بعثت " ب مانديلا " زعيما للجميع ، كما بعثت " ب ثابو مبيكى " داعية للتحديث ، والتغيير الشامل فى أنحاء البلاد ، وفق مفاهيم متقدمة فى الواقع لسوسيولوجيا الثقافة والتحديث معا. من هنا قد تكون الزعامة الإفريقية وحدها أداة لدفع عملية التحديث ذى الطابع المحلى أو الوطنى لآن قيادات الشباب الحديث لا يبدون حماسا كبيرا للانشغال بهذ ه القضايا لأنها تبدو فلسفية أكثر منها مجتمعية أو محلية .