أزمة بنوك أمريكا تصل أوروبا... وداعاً "كريدي سويس"
بقلم/ ياسر أبومعيلق
بعد موجة الفشل التي اجتاحت عدداً من البنوك الأمريكية الكبيرة مطلع هذا الشهر، والتي كان آخر ضحاياها مصرف "فيرست ريبابليك"، يبدو أن الموجة قد بدأت تنتقل إلى أوروبا الآن، وتحديداً إلى "كريدي سويس" السويسري.
كنت قبل عدة شهور قد أشرت إلى التعثر المالي الواضح لدى هذا المصرف العريق، والذي كان ضمن قائمة "البنوك المهمة للنظام المصرفي العالمي". لذلك، فإن فشل هذا البنك في "دولة المصارف" سويسرا، قد يعتبر مؤشراً هاماً على فداحة الأزمة التي يواجهها النظام المصرفي العالمي راهناً.
فما الذي حصل بالضبط لـ"كريدي سويس"؟
عندما ننظر إلى البنوك الأمريكية التي فشلت مؤخراً، سنجد أنها عانت من نفس المشكلة: نقص حاد في السيولة نتيجة تهافت المودعين على سحب ودائعهم، ما أدى في نهاية الأمر إلى تصفية أصول بخسائر كبيرة، وتقديم طلب حماية من الإفلاس.
أما "كريدي سويس"، فقد كان سبب تعثره في السنوات الماضية وفشله مؤخراً هو الإدارة السيئة والفضائح المتواصلة: فقد أدين البنك مؤخراً بتهمة مساعدة تجار مخدرات في بلغاريا على غسيل أموالهم، وتورط في فضيحة فساد في موزمبيق. كما طالت اتهامات التجسس موظفاً وأحد مدراء البنك، وصولاً إلى تسريب كمية ضخمة من بيانات العملاء إلى الإعلام.
حاول البنك إنقاذ سمعته بعد سلسلة الفضائح هذه، بما في ذلك تعيين رئيس جديد لمجلس الإدارة، وإعادة تسمية ذراعه الاستثماري سيء الصيت، وحتى السماح للبنك الأهلي السعودي بالاستحواذ على نسبة ٩٫٩٪ من أسهمه، ما جعله أكبر مساهم في البنك.
مسار الانحدار بدأ بعد أن نشر "كريدي سويس" تقريره المالي لعام ٢٠٢٢، والذي كشف عن خسائر إجمالية بقيمة 7.3 مليار فرنك سويسري (٧٫٤ مليار يورو)، ما أدى إلى هبوط كبير في سعر سهم البنك يوم نشر التقرير. لكن ما زاد الطين بلة كانت بعض الممارسات غير التقليدية التي لجأ إليها البنك لمحاولة جذب المودعين، مثل تقديم نسب فائدة عالية على ودائع قصيرة الأمد في آسيا (حوالي 6.5% في المائة على وديعة مدتها ٣ شهور).
الضربة القاضية للبنك السويسري العريق كانت سعودية! فقد صرح رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي السعودي، عمار الخضيري، الأسبوع الماضي بأن السعودية لن ترفع "أبداً" حصتها في البنك فوق الـ١٠٪، وقال بوضوح إن أسباب ذلك "تتعدى التبريرات البسيطة المتعلقة بالقيود القانونية والتنظيمية" (هناك قوانين ولوائح مختلفة تنطبق على الاستثمار الأجنبي في سويسرا فوق الـ١٠٪).
هذا التصريح لوحده أدى إلى سقوط حر لسعر سهم البنك، ما اضطره إلى استدانة ٥٠ مليار فرنك (نحو ٥٠ مليار يورو) من البنك الوطني السويسري (البنك المركزي في سويسرا)، وأعطاه دفعة صغيرة من الثقة في السوق. لكن ذلك لم ينجح في إخفاء حجم الكارثة التي يمر بها المصرف، الذي أصبحت قيمته السوقية الإجمالية (market cap) نحو ٧ مليارات دولار، أي ما لا يزيد عن ١٪ من إجمالي أصوله (وهذا لغير المختصين سيء جداً، وتحديداً عند تقييم سعر البنك في صفقات البيع).
رصاصة الرحمة تلقاها "كريدي سويس" يوم الأحد الماضي، عندما أعلن بنك "يو بي إس" السويسري اندماجه معه بقيمة ٣ مليارات فرنك (حوالي ٣ مليارات يورو). الاندماج هنا يعني أن "يو بي إس" اشترى "كريدي سويس" واستحوذ على كامل أصوله.
الأغرب في هذه الصفقة هو أن هيئات الرقابة المالية السويسرية خرقت عدداً من القوانين والأعراف المالية المتبعة في البلاد، إذ أعلنت عن:
١.إمداد الصفقة بخط ائتماني يبلغ نحو ١٠٠ مليار دولار، وشبكة حماية من الخسارة بقيمة ٩٫٧ مليار دولار.
٢. تجاهل حقوق حملة الأسهم، وإمرار الصفقة دون موافقتهم.
بالنهاية:
* هل يصبح التدخل الحكومي، على غرار ما فعله الفدرالي الأمريكي والبنك المركزي السويسري، ضرورة حتمية لإنقاذ البنوك (وأموال المودعين) ؟
* هل هناك بنوك أخرى حول العالم تنتظر أن تفشل بمجرد أن يبدأ تهافت المودعين على أموالهم؟
* هل ستكون هنالك حاجة إلى مبادرة عالمية (أو غربية بالأحرى) لوقف هذا النزيف المستمر؟
وأخيراً .. هل تعلمنا من هذه الأزمة المستمرة أن الثقة بالنظام المصرفي الغربي ليست مطلقة، وأن الحذر المرتبط بالضمانات، وتنويع الاستثمار، هما السبيل للخلاص مستقبلاً؟
(حقوق الصورة بتصرف: AFP)
