«بليغ حمدي».. فيضان الموسيقي العربية

«بليغ حمدي».. فيضان الموسيقي العربية
تزامناً مع احتفالات نصر أكتوبر يُذكرنا التاريخ بأروع وأهم من قدم أعمالا لنصر أكتوبر، وهو البليغ «بليغ حمدي»، فقد أثري الإذاعة العربية بألحانه ليست فقط الرومانسية، بل الموسيقية الوطنية الحماسية، أشهرها «ياحببتي يامصر» للفنانة شادية، و«علي الرباية بغني» للفنانة وردة الجزائرية،، وعلي ذكر وطنيته الشديدة وانتصارات أكتوبر المجيدة، فيذكر طُرفة أن بليغ حمدي عندما عرف بأن جنودنا تحارب وأوشكوا علي العبور هرَّع إلي مبني الإذاعة المصرية فمُنع من الدخول، لأنه من غير العاملين،، فاتصل بصديقه في ذلك الوقت وجدي الحكيم وقال نصاً (هعملك بلاغ في القسم ياوجدي عشان بتمنعني أدخل أعمل أغنية لبلدي) كان الأول يعلم شدة حب الثاني لمصر، فتفهم انفعاله وضحك، وأمر الأمن بالسماح لبليغ بالدخول وقتها وإنطلقت إذاعة الأغاني تدُقُ الأرجاء في كل مكان بالأغنية الشهيرة «بسم الله»، التي مازالت تحيّ العزيمة في نفوسنا وتأجج مشاعرنا إلي هذه اللحظة.
ولد الملحن العبقري «بليغ حمدي» في حي شبر بالقاهرة في ٧ أكتوبر عام ١٩٣١، وأتقن العزف علي آلة العود وهو في التاسعة من عمره، ثم درس أصول الموسيقي في مدرسة عبدالحفيظ إمام للموسيقي الشرقية، ثم درّسه درويش الحريري والذي كان له الفضل في تعريف بليغ علي الموشحات العربية،، إنتقل بعدها بليغ حمدي للدراسة في معهد الموسيقي العربية (معهد فؤاد الأول سابقاً) تزامناً مع دراسته في كلية الحقوق جامعة القاهرة، توفي بليغ في ١٢سبتمبر ١٩٩٣م عن عمر يناهز ٦٤عاماً تاركاً ثروة موسيقية عظيمة للتراث العربي أجمع.
وكان «بليغ حمدي» أول من أدخل الأصوات البشرية في تاريخ الغناء العربي في سياق الأغنية ذاتها للتعبير عن دراما النص، كما كان له السبق في إقناع كوكب الشرق «أم كلثوم» باستخدام آلة «الأوكرديون» في إحدي أغانيها، رغم رفضها التام للفكرة، إذ قالت مستنكرةً "أوكرديون إيه ده اللي يعزف ورايا يابليغ" حيث كانت تلك الآلة غير مرغوبة في ذلك الوقت لارتباطها بالفرق الشعبية، وبعد نجاح البليغ في إقناعها ظهرت لنا أغنية «سيرة الحب» التي خُلدت في تراث الغناء والوجدان العربي.
وهكذا برَّع موسيقار الأجيال في استحداث ألواناً جديدة في الايقاعات العربية، ولعل ليس أدل علي مهارة «البليع» الابداعية في مجال الموسيقي وتفرده، غن حداثة سنه، أكثر من أنه كان أول مُلحن في جيل الستينات تغني «أم كلثوم» ألحانه في حفلاتها الإذاعية الشهيرة التي دخلت تراث الغناء العربي من أبواب تسطع بالأضواء، كان من بينها أغنية «حكم علينا الهوي» من كلمات عبدالوهاب محمد وكانت تلك هي آخر ماغنت كوكب الشرق.
وعلي الرغم من الصداقة الشديدة التي تربطه بالراحل عبدالحليم حافظ، الذي كان رفيق عمره في ذلك الوقت، إلا أن بداياته لم تكن معه، اذ كان «العندليب» وقتها يعمل مع الثنائي اللامع الطويل والموجي،، وكانت بدايات بليغ مع صوتين نسائيين أشتهرتا فيما بعد بالأغاني الوطنية الحماسية وهما المطربة «فايزة أحمد» والمطربة «فايدة كامل» لحن لهما بليغ حمدي أغنيتين «متحبنيش بالشكل ده» و«حسّادك علموك »واللتين حققتا نجاجاً ساحقاً، وضعت بليغ حمدي علي رأس قائمة كبار المُلحنين، فقدم بعدها الملحن العبقري أولي ألحانه للعندليب عام ١٩٥٧ فخرجت لنا أغنية «تخونوه»، كما لحن له فيما بعد العديد من أغانيه مثل «جانا الهوي» و«الهوي هوايا» من كلمات الراحل عبدالرحمن الأبنودي.
وعرفت ألحان «بليغ حمدي» بتعددية ألوانها وبساطتها التي تجعل أي متذوق للموسيقي يستطيع أن يميز ألحانه بسهولة من بين عشرات الألحان الأخري، وعلي ذكر التعددية فقط كان لبليغ حمدي باع طويل في الابتهالات الدينية، لعل أشهرها مجموعة ابتهالاته التي لحنها للشيخ «النقشبندي» وكان «مولاي» و«مولاي إني ببابك» أشهر تلك الابتهالات.
وعن لقب «موسيقار الأجيال» و«البلبل» فنري أن ليس أحق منه جدارة بها، وكيف لا!، وهو من لم يقتصر ألوانه الابداعية علي الألحان الرومانسية والوطنية والدينية فقط، بل حتي الأطفال عنيّ بهم بليغ ولم يغفل عنهم ولحّن أجمل أغانيهم منها أغنية "أنا عندي بغبغان" للفنانة وردة.
أخيراً،، فمن أول الحلم الذي يشب فوق أطراف أصابعه، وحتي آخر العمر الذي يغيب في المدي، فوق القلب الذي هده التعب والترحال، ومن أول القصيدة وحتي صمت المُغني،، وبليغ حمدي يغني للناس والحياة والوطن ... ياحببتي يامصر.
ومن أول دبة في أرض الحنين، والبيوت التي تنتظر حبايبها لآخر خطوة في أرض السكون و«البليغ» يدندن ويهمس في أذن الليل، بودعك وبودع الدنيا معاك.
المصادر:
- سلسلة حكايات قصيرة من دفتر البليغ
- مقال مداح القمر، محمد الرفاعي