بقلم الأستاذ/ سعيد الشحات
اصطحب الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام، فرنسوا ميتران رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى مطار القاهرة مودعًا، مساء ٣١ يناير ١٩٧٤.. كان «ميتران» عائدًا إلى فرنسا بعد زيارة إلى مصر بدعوةٍ من جريدة الأهرام، وكان زعيمًا للمعارضة الفرنسية ذات التوجه الاشتراكي، قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية لفترتين من عام ١٩٨١ إلى ١٩٩٥.
عاد «هيكل» من المطار إلى الأهرام فى الليل، ثم قصد بيته، وفقًا لما يذكره فى كتابه «بين الصحافة والسياسة»، مضيفًا: «هناك أُُبلغت أنَّ الرئيس السادات أصدر قرارًا بتعييني مستشارًا له، وتعيين الدكتور عبدالقادر حاتم رئيسًا لمجلس الأهرام».
كان الخبر، وحسب قول أحد شهود الحدث وتلميذ هيكل الكاتب الصحفي صلاح منتصر: «حديث مصر والعالم العربى بصورةٍ عامة وبعض العواصم العالمية»، ويذكر «منتصر» هذا الرأى فى سرده لوقائع قصة خروج هيكل من الأهرام، وكتبها فى ثلاثة مقالات نشرتها «المصرى اليوم» بدءًا من ٩ فبراير٢٠١٥.
يذكر «منتصر»، أن خبر إعفاء هيكل كان مقدرًا أن يتم إذاعته فى نشرة الساعة الثامنة والنصف مساء، طبقًا لأوامر السادات، لكن عبدالقادر حاتم كوزير للإعلام أذاعه الساعة الحادية عشرة، وظن السادات أنَّ نفوذ هيكل وصل إلى حد أنَّه كان من الممكن أنْ لا يذاع الخبر، ولمَّا سأل حاتم، أجابه بأنَّه رأى أنَّه سيكون من عدم اللياقة إعلاميًا إذاعة الخبر وبعدها مباشرة إذاعة خبر سفر ميتران عائدًا لبلاده، مما قد يجعل المستمع يربط بين الاثنين، لكن «منتصر»، وطبقًا لرواية حاتم له، أنَّه أقدم على هذا التصرف ليكن فى وقتٍ متأخر، ومع برد الشتاء ستفوت الفرصة على مَن عاشوا مع هيكل ١٧ عامًا فى المؤسسة ليتساءلوا عن السبب.
جاء القرار بعد أن أصبحت «الأهرام» واحدةً من كبريات المؤسسات الصحفية العالمية، وبدأت قصتها معه منذ أن تولى رئاسة تحريرها يوم ٣١ يوليو ١٩٥٧ وعمره ٣٤ عامًا، وحسب ما يروي هو فى «الأهرام»، يوم ١٠ يناير ١٩٦٩، كانت الخسائر قرابة المليون ونصف المليون جنيه، والتوزيع تراجع إلى ٦٨ ألف نسخة يوميًا، وكان متوسط العمر بين العاملين فى التحرير ٥١ عاما، ومطبعة الأهرام فى بولاق منذ عام ١٩٢٨ أى كان عمرها ٢٩ عامًا، وبذلك انتهى عمرها الافتراضى.
صدرت الأهرام فى صباح أول فبراير، مثل هذا اليوم، ١٩٧٤، وفيها آخر مقالات هيكل الشهيرة «بصراحة» بعنوان «الظلال والبريق» تحدث فيه عن «الظلال» التى تسقط على الرئيس الأمريكي نيكسون، و«البريق» الذى يتوهج حول كيسنجر، وانتهى فيه إلى القول إنَّ «الظلال والبريق» معًا لا يكفيان لتغيير سياسة الولايات المتحدة المنحازة تاريخيًا وواقعيًا للكيان الصهيوني، وفى نفس اليوم، ووفقًا لروايته فى كتابه «بين الصحافة والسياسة»: «دعوت الدكتور عبدالقادر حاتم إلى الأهرام لكي يتسَّلم كل شىءٍ فيه، وكان رأيي أنه من اللائق بالأهرام وبي أن يتم انتقال متحضر، وهكذا جمعت مجلس الإدارة ومجلس نقابة الصحفيين ومجلس التحرير، وقدمت لهم الدكتور حاتم باعتباره المسؤول الجديد، ثم سلمته تقريرًا من العقل الإلكترونى عن اقتصاديات الأهرام وتوزيعه وأرباحه، ثم غادرت المبنى لآخر مرة فى الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، عارفًا أنَّنى لن أعود إليه مرة أخرى مهما حدث أو يحدث، فأنا لا أؤمن بأن التجارب قابلة للتكرار وأنَّ التاريخ يعيد نفسه».
يضيف هيكل: «سألتني وكالات الأنباء العالمية فأصدرت تصريحًا مقتضبًا يقول: «إنَّنى استعملت حقي فى إبداء رأيي على صفحات الأهرام، ثم استعمل الرئيس السادات سلطته فى إبعادي عنه، وهكذا فإنَّ كلًا منا مارس ما لديه، واتصل بي السيد عبدالفتاح عبدالله وزير شؤون رئاسة الجمهورية وقتها- رقيقًا ومتفضلًا- يبلغني بأنه أعد لي جناحًا من خمس غرفٍ في قصر عابدين، ويسألني متى أنوي الحضور، وإذا كانت لى طلبات فيما يتعلق بمكتبي وما إذا كنت أريد انتداب سكرتارية لى من الأهرام للعمل معي فى رئاسة الجمهورية؟ وقلت له: «إنَّنى لن أذهب إلى عابدين»، قال: «لكن سيادة الرئيس أصدر قرارًا»، قلت: «هذا حقه، ويبقى بعده حقي أن أقبل أو لا أقبل».
يتذكر هيكل: «تقاطر على بيتي بعد الظهر عدد من كبار المسؤولين بينهم أصدقاء وأصدقاء للرئيس السادات، يحاولون إبقاء الجسور مفتوحة، وأول فتحها أنْ أذهب إلى عابدين، وبقيت على رأيي».
المصادر
اليوم السابع