التنافس الروسي - الفرنسي في النيجر

التنافس الروسي - الفرنسي في النيجر
التنافس الروسي - الفرنسي في النيجر

دينا عبد الراضي الجنزوي
باحثة ماجستير – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

لا تزال القارة الإفريقية تشهد العديد من التوترات وحالات من عدم الاستقرار، لا سيما بعدما أضحت الانقلابات العسكرية هي السمة الرئيسة في بعض دول القارة، خاصة في منطقة غرب إفريقيا والساحل، وهي الظاهرة التي أرجعتها التحليلات إلى بعض العوامل، منها ارتفاع معدلات الفقر، وانتشار الفساد، وتراجع معدلات التنمية، فضلًا عن ضعف أنظمة الحكم في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهشاشة ديمقراطياتها. وفي هذا الإطار، يمكن إلقاء الضوء على النيجر كإحدى الحالات الحديثة التي أصابتها عدوى الانقلابات العسكرية؛ إذ تمت الإطاحة بالرئيس المنتخب "محمد بازوم" واحتجازه داخل القصر الرئاسي في العاصمة نيامي، وحل حكومته ومجلس النواب، وإعلان الحرس الجمهوري في البلاد سيطرته على السلطة، وتنصيب قائد الانقلاب العسكري الجنرال "عبد الرحمن تشياني" رئيسا للمجلس العسكري في البلاد، وعلى هذا المنوال، يصبح من الأهمية بمكان التطرق إلى أبرز الأسباب التي دفعت إلى حدوث الانقلاب العسكري في النيجر، وتأثير الانقلاب على مصالح فرنسا، فضلًا عن الفرص التي يقدمها لروسيا.

أوضاع داخلية هشة تمهد الطريق أمام الانقلاب العسكري
شهدت فترة حكم "بازوم" تزايدًا في التحديات الأمنية والاقتصادية،  إذ لا تزال البلاد واحدة من أفقر بلدان العالم، كما تحتل المراتب الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية لعام 2022 (189 من 191 دولة)، ويرتفع معدلات الفقر في البلاد؛ حيث بلغ معدل انتشار الفقر 41.4% في عام 2021، كما يعيش حوالي 10 ملايين نيجيري تحت خط الفقر، وهو ما يشكل ضغوطًا كبيرة على الإنفاق الاجتماعي ، أما على الصعيد الأمني، فقد عانت البلاد من تصاعد في موجات العنف والتطرف، وانتشار الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية وبوكو حرام،  الأمر الذي أدى إلى زيادة السخط الشعبي، لا سيما بعد تزايد أعمال هذه الجماعات في منطقة الجزر الواقعة بنهر النيجر بسبب الهجمات الإرهابية.  

وفي هذا السياق، نوهت بعض التحليلات إلى أن محاولات "بازوم" إعادة هيكلة الحرس الرئاسي عُدّت من ضمن الأسباب المباشرة للانقلاب؛ إذ تم تداول ما يشير إلى نيته الإطاحة بـ "تشياني" كرئيس للحرس الرئاسي، بسبب تشككه في ولائه، لا سيما وكون "تشياني" يحتفظ بعلاقات قوية مع رئيس النيجر الأسبق "محمدو يوسفو"، إلا أن نجاح الانقلاب العسكري أثبت عدم تمتع "بازوم" بالسيطرة على كافة مفاصل الدولة. 
وعلى الصعيد الإقليمي، يمكن الإشارة إلى ما وجده الانقلاب العسكري في النيجر من دعم إقليمي، لا سيما وأن الدول المجاورة أصبحت تحت حكم النخب العسكرية، مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا، فضلًا عن وجود عداء بين الرئيس "بازوم" والنظم السياسية في تلك الدول ودعمه لفرض عقوبات عليها بسبب الانقلابات العسكرية التي شهدتها.  علاوة على هذا، فإن فشل المنظمات الإقليمية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) والاتحاد الإفريقي في اتخاذ مواقف حازمة ضد الانقلابات العسكرية التي حدثت في غينيا وبوركينا فاسو ومالي كان سبباً في تشجيع المؤسسة العسكرية في النيجر على شن الانقلاب. 

تراجع النفوذ الفرنسي في النيجر
تمثل النيجر أهمية حيوية لفرنسا، لا سيما في ظل ما تملكه من موارد طبيعية؛ إذ أن فرنسا تعتمد على النيجر، التي تحتل المرتبة الرابعة عالميًا في إنتاج اليورانيوم، لسد 35% من احتياجها من هذا العنصر، كما تستفيد باريس من الدخول في مشروعات مشتركة مع النيجر لإنتاج اليورانيوم؛ حيث تم تأسيس مشروع مشترك بين البلدين تديره شركة "سومير" (Somaïr) المملوكة للجنة الطاقة الذرية الفرنسية، وهي الشركة التي تمتلك وتدير صناعة اليورانيوم في النيجر، وتجدر الإشارة إلى أن شركة سومير وشركتين فنسيتين أخرتين يملكان 85% من أصول الشركة، فيما تمتلك حكومة النيجر نحو 15% فقط. 

وعلى صعيد العلاقات مع فرنسا، تجدر الإشارة إلى استضافة النيجر قاعدة عسكرية فرنسية تضم حوالي 1500 جندي فرنسي، كما تصاعدت أهمية النيجر كحليف لفرنسا في مجال مكافحة الإرهاب والحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، خاصة في ظل ما تشهده باريس من توتر في علاقاتها مع مالي وبوركينا فاسو؛ إذ أنه بعد سحب فرنسا لقوات عملية "برخان" و"تاكوبا" من مالي، ثم قوات "فرقة السيف الضالع" من بوركينا فاسو، عرض "بازوم استضافة هذه القوات وأبدى اهتمامه بالتعاون مع باريس لمكافحة الإرهاب. وتشير التقديرات إلى أن سياسة فرنسا في نيامي فشلت في تعزيز التنمية، هذا فضلًا عن تدخلها في عملية صنع القرار لضمان استمرار مصالحها، والحصول على الثورات الطبيعية التي تملكها البلاد، مع حرمان الشعب من عائداتها. ومن ثمّ، فإن تجاهل فرنسا لمطالب النيجر الحقيقية للتنمية والأمن فتح المجال أمام روسيا للدخول وتعزيز نفوذها في الإقليم. 

تصاعد الدور الروسي في المنطقة كبديل للغرب
أشارت العديد من التحليلات إلى أن روسيا تعد الفائز الأكبر من الانقلاب العسكري في النيجر، لا سيما وأن النخبة العسكرية الجديدة أعلنت عدائها للتواجد الفرنسي في القارة، ما زاد من فرص قيام النخبة الجديدة بالاستعانة بروسيا في جهود مكافحة الإرهاب، الأمر الذي سيعزز النفوذ الروسي في النيجر والمنطقة.  وفي هذا الصدد، يمكن التطرق إلى أبرز الأدوات التي تستخدمها روسيا لتحقيق مصالحها في النيجر، ومنها: 

الأداة العسكرية: تجدر الإشارة إلى أن النهج الروسي تجاه النيجر ركز على التعاون العسكري، وهو ما يشتد إليه الحاجة في بلد يعاني من العديد من التحديات الأمنية؛ إذ وقّع البلدان اتفاقية لتزويد روسيا للنيجر بنحو 12 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز (Mi-35)، وذلك في أكتوبر 2019 ، فضلًا عن الاتفاقية العسكرية الموقعة في عام 2017، للقضاء على الإرهاب ، وتبادل المعلومات بشأن الملفات السياسية والعسكرية وتعزيز وحماية الأمن الدولي.  كما أصبح للشركات العسكرية الخاصة نشاط واسع في النيجر، لا سيما مجموعة "فاجنر" التي رحبت بالانقلاب العسكري على الرئيس "بازوم"، واعتبرت هذه الخطوة بمثابة انهيار للإرث الفرنسي الاستعماري على البلاد. وفيما يخص التعاون في المجال الأمني، فإن تحركات روسيا بعد الانقلاب العسكري في النيجر هدفت إلى سد الفراغ الأمني الذي خلّفه الانسحاب الفرنسي، إذ أشار تقرير صادر عن "لوموند أفريك" إلى قيام روسيا بإعلان تدشين تحالف جديد مع مالي والنيجر، وهو ما أُطلق عليه (محور موسكو-باماكو-نيامي)، لمواجهة تنامي الجماعات الإرهابية والمسلحة في الساحل بعد الانسحاب الفرنسي.

 
الأدوات الدعائية والقوة الناعمة: استخدمت روسيا الأداة الدعائية كجزء من تواجدها داخل النيجر، مستغلة الغضب الشعبي ضد التواجد الفرنسي، مع تجمع آلاف المحتجين في نيامي ضد الوجود العسكري الفرنسي في البلاد، ومطالبتهم بضرورة الانسحاب العسكري الفرنسي بالكامل، فضلًا عن رفع لافتات تأييد لروسيا، كبديل بعد الخروج الفرنسي. وقد استغلت روسيا هذ الحراك الشعبي ضد فرنسا والدول الغربية لإعادة تأكيد موقفها تجاه دعم سيادة الدول الإفريقية وانتقاد الاستعمار الغربي الحديث للقارة. 


وختامًا، تسبب الانقلاب العسكري بالنيجر في إثارة مخاوف بعض الدول الغربية، لا سيما فرنسا، التي تربطها بالقارة مصالح سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة، كما تسبب في تفاقم التنافس بين القوى الدولية حول إعادة التمركز في القارة، في ظل مساعي بعض الدول الكبرى مثل روسيا لفرض سيطرتها ونفوذها داخل القارة مستغلة الرفض الإفريقي لبعض القوى الغربية، ومن المرجّح أن يتضاءل النفوذ الفرنسي في الإقليم في مقابل تنامي النفوذ الروسي، في ظل استمرار سوء إدارة فرنسا لمصالحها في القارة الإفريقية، مع تنامي النفوذ الروسي -المرحب به- في منطقة الساحل الإفريقي؛ حيث أن الحضور الروسي أصبح سمة بارزة في القارة كبديل قوي للدول الغربية.