القارة السمراء... ينبوع لا ينضب

القارة السمراء... ينبوع لا ينضب

كتبت/ أروة حاتم

شخصيات إفريقية

عانت القارة السمراء منذ على مدار تاريخ دولها من التدخلات الخارجي، يمكننا أن ننسب أفضالًا كثيرة شهدها العالم إلى خيرات هذه القارة، سواء أعطتها عن طيب نفسٍ أو اغتُصبت منها... لكن لم يرضخ نسلها للموج العاتي، بل نهض من بين الركام ليعلن حتمية وجوده وقوته. في عيد القارة الأم للعالم بالخامس والعشرين من شهر مايو، نكرس السطور لتسليط الضوء على شخصيات إفريقية تعبر عن روح موطنها الكبير وتكشف عن قدراته. 

  • حلمي شعراوي... شيخ الدراسات الإفريقية

بزغ فجر العهد الناصري بعد غروب شمس الاستعمار عن مصر في خمسينيات القرن الماضي. فحمل لواء التحرير الإفريقي عدة أشخاص كلٌ في مكانه. برز دور المصري حلمي شعراوي في منصب منسق مكتب حركات التحرير الإفريقية في كنف الاتحاد الإفريقي، فكان هو حلقة الوصل بين حكومة عبد الناصر وتلك الحركات التي اتخذت من القاهرة مكانًا للتعبير والمطالبة بحقوقها، فلم تغلق تلك مكاتب   حتى نالت مرادها.

  بعد استقلال عدة دول إفريقية، كان الشأن الإفريقي للشعراوي الشغل الشاغل. حتى بلغت مؤلفاته، والتي يعتمدها المتخصصون الآن كمراجع لهم، العشرات من المقالات والدراسات والكُتب. وسافر شعراوي مع الوفود المصرية لمختلف الدول الإفريقية، مختلطًا بأهلها ومن ثم متحدثًا عنهم. واستقبلته بعض الدول للتدريس بجامعاتها وترأس الجمعية الإفريقية للعلوم السياسية.

ولأن المعرفة هي السلاح الأول في أي معركة، تأسس مركز البحوث العربية الإفريقية تحت إدارة حلمي شعراوي.  ويعد المركز حتى الآن ساحة للنضال الفكري من خلال طرح القضايا الإفريقية المُلحة ومناقشة سُبل علاجها. 

  • عبد الرزاق جرنة... نوبل عن آلام خلفها الاستعمار

كان حصول التنزاني عبد الرزاق جرنة على جائزة نوبل للأدب عام 2021 بمثابة مفاجأة سعيدة له وللقارة بأسرها؛ فلم تضم قائمة هذه الجائزة للأدب سوى أربعة أسماء إفريقية كان جرنة خامسهم. كان دافع جرنة دومًا ليس الكتابة بحد ذاتها ولكنه كشف المزيد من الأسرار عن عالم ربما لن يخبرنا عنه أحد. 

رغم هجرته لبريطانيا منذ ستينيات القرن الماضي، وعمله كأستاذ ومدير الدراسات العليا بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة "كنت"، إلا أن إفريقيا وزنجبار خاصة، مسقط رأسه، لم تبرحا خاطره؛ حيث كانت الهوية المتخبطة التي يواجه بها الأفارقة واللاجئون تحديدًا العالم تثير رغبته في التعبير عن تلك المعاناة. فعندما فروا من الاستعمار المادي، طغى الاستعمار المعنوي من خلال العنصرية والتحيز. فتُطرح مسألة الهُوية بمثابة العنصر المحرك لسلوك الإنسان الذي يتردد بين طمسه أو اختلاقه ليتواكب مع الثقافات الجديدة للدول الغربية التي اضطر الإفريقي أن يرتمي بأحضانها. كان تعبير جرنة عن هذه المآسي عاطفيًا خاليًا من المبالغات، فأتت أعماله تحكي قصصًا لنضال من نوع آخر عبر عنه أبطال رواياته. فشغلت مؤلفاته بذلك مكانًا مختلفًا غير نمطي، مما استرعى انتباه لجنة الجائزة. 

بعد الكشف عن جوانب خفية عاشها شرق إفريقيا في أعمال جرنة، كان استحقاقه لنوبل بمثابة بصيص الأمل في ظلام الحكاية المروية من ذاكرة التاريخ. اعتبر جرنة أن هذا الفوز هو إشارة إيجابية لكل من شابهه في الرغبة في التعبير عما كابده العالم بعد وأثناء الاستعمار والاستعباد. وكتب جرنة إثر فوزه تغريدة على موقع "تويتر" يهدي فيها هذا الفوز لإفريقيا والأفارقة وجميع قرائه.

  • لازار إلوندو أسومو... حارسًا للتراث الإفريقي


تولى الكاميروني أسومو رئاسة مركز اليونسكو للتراث العالمي عام 2021 تدفعه رغبة في إصلاح التوازن المختل في قوائم اليونسكو للتراث العالمي والذي "تستفيد منه بعض الدول". وهو ما يجعل من حماية المواقع التراثية المهددة بمختلف المخاطر سواءً المناخية أو التي تتعلق بالصراعات المسلحة في إفريقيا أولوية الرئيس الجديد لليونسكو.

بعد مسيرة علمية ومهنية طويلة زودته بالخبرة الكافية، يحظى أسومو بلقب أول إفريقي يُنَصب رئيسًا لمركز اليونسكو للتراث العالمي. وبعد عمله على إعادة بناء أضرحة تمبكتو بمالي سابقًا، يسعى الرئيس الكاميروني لتقصي المواقع الجغرافية في المناطق المُهمَلة خاصة منطقة إفريقيا جنوب الصحراء والدول الجزرية؛ فيرمي بذلك لتوزيع النفوذ الثقافي والمادي والجماعي لليونسكو على الدول توزيعًا عادلًا خلافًا لما هو عليه الواقع. 

باعتبارها "مهد الجنس البشري"، فإن تدمير وطمس أو إهمال المناطق التراثية في إفريقيا يعد طمسًا لجزء من التراث الإنساني عمومًا. وانطلاقًا من هذا الإيمان، عُني أسومو بالحفاظ حتى على "الغابات المقدسة" في منطقة غرب إفريقيا تقديرًا لقيمتها الدينية والثقافية وبالتأكيد البيئية فالغابات هي خط الدفاع الأول أمام هجمات التغير المناخي التي تتكبد القارة السمراء ثمنه وإن لم تشارك فيه.

  • چيسي ندابا، روفيمبو سامانجا، وأدريانا ماريه...  صناعة الفضاء الإفريقية

يجمع كل من ندابا وسامانجا الولع بالفضاء والعمل لتعظيم الاستفادة من بحوث وتكنولوجيا هذا المجال في خدمة الوطن.  ندابا هي مهندسة فضاء جنوب إفريقية والمؤسس المشارك لشركة "أستروفيكا الواقعة في كيب تاون والمتخصصة في تجميع وتصنيع واختبار أنظمة الأقمار الصناعية. على الرغم من كونه تخصصًا مربحًا إلا أنه لا يزال في تصنيف "الرفاهيات". أما سامانجا فهي مستشارة قانون الفضاء في بلدها زيمبابوي. ويتمحور هذا التخصص حول تنظيم استخدام تكنولوجيا الفضاء ودراسة الأضرار التي قد تحدثها الأجسام الفضائية والحفاظ على البيئة على الأرض وفي الفضاء. فكانت الثمرة المباشرة   لجهود كل من سامانجا وندابا هي تسهيل وتطوير العمل في القطاع الزراعي وتحسين إنتاجية المحاصيل؛ وذلك باستخدام الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية.

المريخ هو حلم ومجازفة لن تتوان أدريانا مارييه عن تحقيقها إن سنحت لها الفرصة.  مارييه هي مؤسِسة منظمة الأبحاث Proudly Human   المعنية بتكييف الحياة وإمكانية نقلها إلى أقسى البيئات ليس فقط على سطح الأرض بل إلى كواكب أخرى كالمريخ، اختيرت مارييه كواحدة من رواد الفضاء المائة المرشحين لمشروع Mars one  وهو خطوة أخرى لتذليل العقبات أمام   فكرة العيش على كوكب أخر. إلا أن جائحة كورونا حالت دون هذه الفرصة. ولكن، رغم الصعوبات التي واجهت مرحلة خوض مغامرة إلى المريخ ضمن مشروعهاOff-World، نفذت مارييه تجارب للعيش والتنمية بعزلة تامة في القارة القطبية الجنوبية وفي الصحاري لتأهيل مناطق متطرفة في محاولة لإيجاد مزيد من الحلول أمام تحديات كوكب الأرض.

وختامًا، بعد التعرف على بعض الشخصيات الإفريقية ذات الجهود الثمينة، يمكننا أن نصرح بأنه رغم تحديات القارة الإفريقية المختلفة، إلا أن لأبنائها أحلامًا شاهقة تمكنوا من تحقيقها. ولم يكن العطاء المتبادل قاصرًا بين الدول الإفريقية فحسب، بل امتد النفع إلى العالم بأسره. مما يؤكد يومًا بعد يومٍ وخلفًا عن سلفٍ القدرة اللامحدودة لهذه القارة على الازدهار والاصلاح.