بين الرياضة والسياسة .. مشاهد من معاناة افريقيا في المونديال

بين الرياضة والسياسة  .. مشاهد من معاناة افريقيا في المونديال
بين الرياضة والسياسة  .. مشاهد من معاناة افريقيا في المونديال
بين الرياضة والسياسة  .. مشاهد من معاناة افريقيا في المونديال
بقلم/ كريبسو ديالو
عندما أتابع تعليقات وتحليل الإعلام الرياضى الغربى لمباريات شعوب "أفريقيا - أمريكا اللاتينية - أسيا" فى مونديال قطر، اتذكر الحادثة الشهيرة للاعب الأفريقي"ميبو إلونغا" الذي تم سبه بأقبح التوصيفات العنصرية على لسان المحللين الرياضيين فى الإعلام الأوروبي بسبب التضحية اللي قدمها فى كأس العالم فى ألمانيا الغربية عام ١٩٧٤ للحفاظ على حياة أفضل جيل كروى جاء في تاريخ الكونغو الديمقراطية وكان اسمها وقتها "زائير"، هذا الجيل  تأهَّل لكأس العالم للمرة الأولى والأخيرة فى تاريخ الكونغو الديمقراطية بعد أن هزموا المغرب ٣-صفر، واستكلموا الانتصارات بالفوز بلقب كأس أمم أفريقيا فى نفس العام فى مصر، فقد كان هذا الجيل يضم مجموعة من أمهر اللاعبين في تاريخ القارة الافريقية من بينهم: حارس المرمي (كازادي مومبا)، و(ريكا مافوبا) لاعب خط الوسط والمهاجم (مولامبا ندي) والذي بدوره كان السبب المحوري في فوز منتخب زائير لأول مرة في تاريخهم ببطولة كأس الأمم الإفريقية عام ١٩٧٤ بمصر والتأهل لكاس العالم في ألمانيا الغربية في نفس العام وقد بدأت القصة عندما دعاهم الديكتاتور «موبوتو سيسيكو» في قصره الفخم للاحتفال بالانجاز الذي اعتبره ترويج لحكمه.
قبل المقابلة تم التشديد على لاعبي المنتخب ألا يصافحوا يد موبوتو مهما حدث، ولا يتحدثون إلا حينما يسمح لهم مهما قال ولا يتحركون فجأة في حضوره لأنه كان مهووسا بأنه سيتم اغتياله... أما عن الجانب الغالب في محتوي كلام "موبوتو" للاعبين في المقابلة كان بالاقناع والترغيب والوعيد بأنهم سيؤدون بطريقة جيدة للغاية، ولو احرزوا لقب البطولة سيصبحون أثرياء، وأن  لاعب سوف يمتلك حصة من المناجم بالكونغو أو حساب بنكى فى باريس و وعدهم أيضاً بأن بعد أن يصلوا إلي ألمانيا الغربية هيرسل لهم مستحقاتهم المتأخرة، وكنوع من الرشوة والتحميس أعطى لكل لاعب في المنتخب منزلاً وسيارة.
سافر منتخب زائير بطريقة بدا عليها الثراء قد وصلوا إلى مطار فرانكفورت علي متن طائرة امريكية بأفخم ملابس البراندات العالمية، وكان اللاعبين آنذاك يتعاملون مع وجودهم في كأس العالم وكأنها مهمة قتالية من أجل تمثيل زائير وإفريقيا وليس موبوتو الذي كان أغلب وعوده بالثراء السريع للاعبي المنتخب الزائيري خالية الوفاض، وبالرغم من هزيمتهم من إسكتلندا فى مباراتهم الأولي مقابل هدف لا شيء صفقت لهم الجماهير على ما قدموه من مهارة واستبسال وأداء قوى، وبعد المباراة قدَّم الجهاز الإداري للمنتخب شكوى بسبب العنصرية التي تعرضوا لها لاعي المنتخب من الجماهير الاسكتلندية وبعض من اللاعيبة من الفريق المنافس بالأخص "بيتر لورمير جوردان" لكن الفيفا لم تهتم بالشكوى أو حتى الرد عليها.
بعد المباراة أراد اللاعبيين الخروج للتنزه، طلبوا من المدرب إن كان بإمكانه بمنحهم بعض المال اللي وعدهم بيها الرئيس موبوتو، لكن الإجابة كانت: انسوا الأمر، ابقوا في غرفكم وتصرفوا كمحترفين"، ثم لاحظ اللاعيبة بعد ذلك أن أفراد الأمن الذين جاءوا مع المنتخب احتفظوا بأموال موبوتو وأعادوهم لغرفهم وشددوا على أنهم ليسوا في ألمانيا للترفيه، كان هذا سبباً جعل أفراد المنتخب يشعروا وكأنهم في مقر تحت الإقامة الجبرية، وقبل يومين من مواجهة يوغوسلافيا حرض حارس المرمي "كازادي مومبا" والمدافع "ميبو إلونغا" الفريق عن كانوا اجتماعهم على العشاء علي التمرد في المباراة، وبطريقة سريعة وبدون مناقشة وافق أعضاء الفريق خاصة وأنهم شعروا بأن هناك خيانة.
كان موبوتو يشاهد المباراة في حلقة سيرك مغلقة لأنه نادرا ما يحضر فعاليات او أحداث في الأماكن المفتوحة خوفاً من الاغتيالات، وشاهد مباشرة حارس المرمي كازادي وهو يسمح باستقبال ٣ أهداف في أول ١٥ دقيقة من المباراة، المدرب "بلاجوي فيدنيتش" قرر استبداله ب "ديمبا توبيلاند". وانتشرت الشائعات فيما بعد بإن "ديمبا توبيلاند" لعب باقي المباريات كحارس أساسي، وكان أمر موبوتو الذي قرر معاقبة كازادي على الأهداف الثلاثة، لكن بعد ذلك سجلت يوغوسلافيا الهدف الرابع، ثم أهدى دفاع زائير ٥ أهداف للخصم، لينتهي اللقاء بنتيجة ٩-صفر.
بعد اللقاء غضب عارم عانى منه "موبوتو" ليس لفضيحة النتيجة فحسب، بل عندما صورت الكاميرات التلفزيونية في الدقائق الاخيرة من المبارة دكة البدلاء إذ أن الاعب "مازيمبي لوبومباشي" و'فيتا كينشاسا" يدخنون السجائر غير مكترثين لنتيجة المباراة....في غرفة خلع الملابس المدرب اخبر اللاعبين أن ينتظروا في قاعة تناول العشاء وتم التأكد من إخلاء المكان تماما من الصحفيين ثم دخل ٣ مسؤولين بدوا غاضبين وجادين للغاية يحملون رسالة من موبوتو. :
"كلكم جلبتم العار إلى زائير، أنتم فضيحة وحثالة، وأبناء عاهرات، إن استقبلتم أكثر من ٣ أهداف في مبارة البرازيل فلن تروا زائير أو عائلاتكم مجددا، أشعر بالخجل منكم لستم أبنائي أنتم لقطاء جميعا".
بعد انتهاء المسئول من قراءة الرسالة خيم الصمت والذهول على الأجواء بين اللاعبين لمدة ٣٠ دقيقة، جميعهم عاشوا حالة من الخوف والرعب، لم تعد الأمور بهذه البساطة، أرواحهم وعائلاتهم مهددة، بعضهم تمنى لو يترجى لاعبي البرازيل أن يفوزا فقط بنتيجة ١-صفر لكن الموضوع كان صعب لان المنتخب البرازيلي كان بحاجة للفوز بنتيجة ٣-صفر ليضمن التأهل من دور المجموعات .. انتهي الشوط الأول بنتيجة ١- صفر أطمئن لدرجة ما لاعبي زائير إلي حدٍ ما لكن فى الشوط الثانى دخل هدفان ثم احتسب الحكم ركلة حرة مباشرة لمنتخب البرازيل، واصطف لاعبى زائير في حائط للتصدي للكرة وبمجرد أن أطلق الحكم صافرته سامحًا للاعبي البرازيل بالتنفيذ الركلة، خرج «ميبو إلونغا» من حائط الصد وركل الكرة بعيدًا في مشهد غريب، ليتم معاقبته ببطاقة صفراء من قبل الحكم وبأوصاف عنصرية لاذعة صاحبته طوال حياته كتلك التي وصفه بها (غون موتسون) المُعلق من هيئة إذاعة ال BBC الذي نعت التصرف الذي أبداه "ميبو إلونغا" بأنه نوع من الجهل والتخلف الأفريقي. لكن لم يفهم أحد ماذا حدث، إلا إيلونغا اللي صرح في عام ٢٠٠٩ :"رأيت النجم البرازيلي "ريفيلنو" يستعد وسيفعل ما هو قادر عليه دائما، ٥ خطوات للخلف والكرة من هذه المسافة تعني هدفا، وكنا متأخرين فعليا بنتيجة ٣-صفر، هدفاً إضافياً يعني مقتلنا جميعاً، فكرت في أمر يضيع بعض الوقت، لذا قمت بالخروج من الحائط وركل الكرة والحكم كان رحيمًا بي جدًا وقرر إعطاءه إنذارًا ولم يطردني تمامًا من أرض الملعب ونجحت أن أمنع الهزيمة برابعية كانت سوف تشكل كارثة حقيقية على لاعبي الفريق".
.برغم النتيجة لكن عدد من الاعيبة خاف من العودة إلى الكونغو الديمقراطية ، ٦هربوا إلى أوغندا وقتل منهم اثنين في ظروف غامضة أحدهما كان المدافع كابسو، وعندما عاد باقي أعضاء المنتخب إلي «كينشاسا» وجدوا أن السلطة سحبت منهم جميع الهدايا التي منحها لهم موبوتو، السيارات والمنازل والأموال كل شيء ذهب مع الريح، انتهوا من دون أي شيء وأغلقت كافة الأبواب في وجهوهم، موبوتو دمر مسيرتهم الكروية.
انسحب المنتخب من تصفيات كأس العالم ١٩٧٨ بعدما قرر موبوتو رفع الدعم الاقتصادي تماماً عن كرة القدم خاصة وأن ما حدث في ٧٤ تسبب في معاملة سيئة للغاية لكل لاعبي كرة القدم في الدولة ولم يتشارك العديد من اللاعبين الذين خاضوا البطولة تخوفاً كثيراً من بطش «موبوتو» لتندثر الكثير من الكواليس وانتهى جيل ١٩٧٤ بالنسيان من صفحات التاريخ، حيث توفي الحارس «كازادي» فقيراً في عام ١٩٩٦، وعاش "مافوبا" في فرنسا بعد أن قدم إليها كلاجئ، وتوفي بعد "كازادي" بعام وحيداً، أما "إيكوفو مبونغو" فقد عمل كسائق أجرة.
وفي النهاية فشلت محاولة موبوتو لرفع قيمته السياسية من خلال كرة القدم واستمرت ركلة "ميبو إلونغا" قائمة بعد ٤٤ عاماً كموقف طريف من لاعب أفريقي -متخلف- كما كان يتم تشبيهه في الاعلام الغربي لأنه لم يبق الكثيرون الذين عاصروا هذا الحادث ليقصوا الدوافع الحقيقية من ورائه.