ندى فؤاد تكتب| ليما غبوي .. قوة المرأة والإيمان!

قادت المرأة حروب وأوقفت أخرى فعندما يتعلق الأمر بالسلام تتصدر المرأة الصفوف، لاسيما في إفريقيا التي شهدت عدد كبير من الحروب والأزمات الإنسانية، كانت المرأة ولازالت عنصر مؤثر في إقامة السلام مثلما حدث في ليبيريا، عندما شاركت ليما غبوي في انهاء الحرب الأهلية الثانية عام 2003 بعد أربعة عشر عاما من القتال، ولدت غبوي في وسط ليبيريا في عام 1972 وهي أم لستة أطفال شهدت ليما آثار الحرب على الليبيريين، فقررت التدريب كأخصائية اجتماعية ومستشارة للصدمات النفسية لعلاج الجنود الأطفال، لقد جلبت الحرب الأهلية الثانية عام 1999 الوحشية والاغتصاب الممنهج، وأدركت غبوي أن للنساء دور كبير في مواجهة الحرب، لاسيما انهن يدفعن الثمن الأكبر بسبب فقدانهم لأبنائهم وازواجهم، أصبحت مؤسسة ومنسقة لشبكة النساء في بناء السلام (WIPNET) في غرب إفريقيا، لذلك نظمت العمل الجماهيرى لنساء ليبيريا، فوجدت النساء المسيحيات والمسلمات في حركة واحدة داخل الأسواق والكنائس والمساجد، في اعتصامات ومظاهرات حاشدة في العاصمة "مونروفيا" للصلاة من أجل السلام، مرتديات قمصان بيضاء لكن لم تستجب الحكومة لهذه الاحتجاجات، فبدأت ليما في عام 2002 تبتكر طريقة جديدة وغير مألوفة، للاحتجاج والاعتراض عن طريق " الإضراب عن ممارسة الجنس " وحظى ذلك بتغطية إعلامية واسعة، ونجحت في لفت أنظار وسائل الإعلام الدولية إلى الحركة وقارنها البعض بالكوميديا اليونانية القديمة “Lysistrata” حيث تحجب نساء أثينا الجنس عن رجالهم حتى تتوقف الحرب مع إسبرطة، وذلك ما طلبته ليما من نساء ليبيريا واشترطت لإنهاء "الإضراب" الإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار، وإجراء مفاوضات بين الميليشيات المتحاربة لوقف الحرب، وبالفعل امتنعت النساء من إعطاء رجالهن حقوقهم الزوجية لمدة سنة، مما اضطر قادة الحرب إلى الموافقة على إجراء محادثات سلام لإنهاء الحرب بسبب انسحاب أغلب الرجال المحاربين من الفصائل المسلحة، منحهم الرئيس تشارلز تايلور أخيرا جلسة استماع في 2003، وتم تعيين غبوي لتقديم قضيتهم ووافق على المشاركة في محادثات السلام الرسمية بمدينة أكرا عاصمة غانا، لم تكتفي ليما بهذا التقدم إلا أنها قادت وفداً من النساء إلى أكرا، مارس الوفد ضغوطاً استراتيجية لضمان إحراز تقدم وعندما توقفت المحادثات، شكلت ما يقرب من 200 امرأة حاجزا بشريا لمنع ممثلي تايلور، وقادة الحرب المتمردين من مغادرة القاعة حتى الوصول إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، بالرغم من عنف الشرطة ومحاولتهم اعتقالهم أجبر صمودهم الوفود على البقاء في المقر، واستمرت المفاوضات حتى تم التوصل إلى اتفاق وتم توقيع اتفاقية "أكرا للسلام" التي وضعت حدا نهائيا للحرب بعد استمرار دام أربعة عشر عاما، مهد ذلك الإنجاز الطريق لانتخاب أول رئيسة جمهورية في إفريقيا، الرئيسة الليبيرية "إلين جونسون سيرليف" عام 2005.
برزت ليما كقائدة عالمية كما رويت قصتها في الفيلم الوثائقي "pray the devil back to hell"عام 2008 مذكراتها بعنوان "mighty be our powers" عام 2011 ، ثم لفتت أعمال غبوي نظر المجتمع الدولي فحازت على جائزة نوبل للسلام عام 2011، منذ حصولها على الجائزة تسافر ليما وتشارك في المؤتمرات الدولية الكبرى، للحديث عن الآثار المدمرة للحرب والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وهي الآن رئيسة مؤسسة غبوي للسلام في افريقيا مقرها مونروفيا وتوفر فرصا لتطوير التعليم، وتعزيز المشاركة للمرأة في حوكمة السلام والأمن في القارة، حصلت على درجة الماجستير في تحويل الصراعات من جامعة إيسترن مينونايت في فرجينيا، وثلاث درجات فخرية، وسعت إلى وضع حد "لثقافة الإفلات من العقاب "التي سمحت للقادة الأفارقة السابقين، بالإفلات من المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبوها في مناصبهم ، وهي المديرة التنفيذية لبرنامج المرأة والسلام والأمن في كولومبيا وتقول غبوي “كنا في الماضي صامتين، ولكن بعد أن قُتلنا واغُتصابنا ومرضنا وشاهدنا أولادنا وعائلاتنا تُدمر، علمتنا الحرب أن المستقبل يتحدد بكلمة لا للعنف ونعم للسلام ولن نستسلم حتى يعم السلام" وعند حديثها عن حركة نساء من اجل السلام قالت "دعونا نضع اجسادنا المسحوقة في الشوارع، دعونا نظهر للعالم بأننا قادرات أن نشفي الأمة بذواتنا المحطمة"
على الرغم من الوضع الحرج الذي يمر به العالم الان، إلا أن لدينا الثقة بأن التاريخ يهدي لنا دائما صناع وصانعات سلام قادرين على إحياء الإنسانية في نفوس البشرية