دور الإذاعات الموجهة فى التعبير عن روح التضامن والدعم المتبادل بين دول شرق ووسط أفريقيا

دور الإذاعات الموجهة  فى التعبير عن روح التضامن والدعم المتبادل بين دول شرق ووسط أفريقيا
بقلم/ كريبسو ديالو

بعد بحث وتنقيب لسنوات أخيرآ وجدت بعض التسجيلات النادرة لاذاعة "راديو القاهرة" التى كانت تبث اشارتها من مصر باللغة السواحيلية عام ١٩٥٤. لتعبر عن روح التضامن والدعم المتبادل بين دول شرق ووسط أفريقيا وبالأخص كانت صوت الكينيين خلال عملية النضال من أجل الاستقلال. ولها الفضل في تسليط الضوء على محنتهم ومعاناتهم وفضح الممارسات والسياسيات التي ارتكبها الاستعمار البريطانى بحقهم بعد فترة طويلة من التكتم علي الأخبار المنبعثة من المستعمرة والتحكم فيها من قبل البريطانيين حرصآ منهم للتستر علي الانتهاكات والمذابح التي كان يقوموا بها وإطالة أمد حكمهم الاستعماري.
عندما بدأ الإرسال في عام ١٩٥٤، اعتبر الانجليز الإذاعة أنه عمل عدواني يهدف إلى تحريض السكان المحليين على التمرد والثورة. "جون لويد" وزير الدولة للشؤون الخارجية لبريطانيا وشؤون الكومنولث ارسل مذكرة استياء وتهديد للحكومة المصرية من أجل وقف الارسال وتسليم الصحفي "Kiarii Kariuki " المنفي في مصر الذي كان من اشهر الإعلاميين الذين عملوا في الإذاعة مع بعض الطلبة الكينيين الموجودين فى القاهرة وينقلون احداث انتفاضة "الماو ماو" التي اندلعت في الريف وزحفت الي المدن من منتصف الخمسينات الي مطلع الستينيات وبقيت آثارها الريديكالية حتى عجلت بالتحرر الوطني.

الإذاعة كانت تقدم نشرات اخبارية وحملات تضامنية وندوات باللغة السواحلية، مسرحيات وافلام صوتية، أشهرهم فيلم "الدم في القارة السوداء" الذي صور الهدف الأساسى للمنتدب البريطاني "شارلون اليوت" من استدعاء العائلات البريطانية للتوطين في ما يعرف بـ«الأراضى الخصبة العالية»، التي يسكنها قبائل «الكيكويو»، لحماية الخط الحديدى الذى قرر تشييده بين مدينة «ممبسا» على ساحل كينيا، والعاصمة الأوغندية «كمبالا» بالعاصمة الكينية «نيروبى». كان الكينيين المطرودون من هذه الأراضي يذهبون للإقامة فى مناطق خصصت لهم أشبه بالمستودعات البشرية شبيها بالبنتوستانات في جنوب أفريقيا. والذين لم يجدوا أماكن فى هذه المستودعات، كانوا يتحولوا اقنان فى الأرض التى يمتلكها البيض، وأصبح الكثير منهم يسمح له بزراعة ما يقتات به فقط مقابل تسخيره هو وعائلاته للعمل فى أرض الإقطاعيين البيض، وكان عقد العمل لهؤلاء يحرر لمدة من سنة إلى سبعة سنوات، وإذا بيعت الأرض ينتقل عقد العمل إلى المالك الجديد، ومن يهرب منهم يمكن اعتقاله وسجنه، ولزيادة سلطان أصحاب العمل على مستخدميهم كان مفروضا على كل أفريقى بحكم القانون أن يحمل تصريح عمل.
أيضا في يوم ٢٧ يناير، عام ١٩٥٥ غطت الإذاعة الحملة العسكرية الدموية التي قام بها الاستعمار البريطاني باستخدامه المدفعية والطيران فى ضرب عناصر «الماو ماو» فى الجبال التى تحصنوا بها، كان إجمالى الخسائر، بلغت ٨٠٠٠ قتيل وتنفيذ حكم الإعدام فى ٩٠٠، ولا تشمل هذه الخسائر القذف بالطائرات والمدفعية، كما كان هناك ٧٠٠٠ أفريقى فى معسكرات الاعتقال والسجون، وطرد ٦٠٠ ألف من أفراد «الكيوكويو» من أرضهم، وتحطيم واحراق ٢٠٠ ألف كوخ.
انا لست ناصري لكن لا أنكر دور مصر فى الستينيات فى دعم روح التضامن والإخاء والسلام من أجل التحرر السياسى والتنمية المستقلة فى القارة الأفريقية.... إذاعة "راديو القاهرة" كما كان يسميها الكينيين أو "صوت أفريقيا" كما كان يسميها المصريين كانت من ضمن الوسائل والأدوات المناهضة للإمبريالية ومد سبل التعاون الإقليمي في افريقيا، لابد كشف وتقدير هذا الدور العظيم.