أؤكد لكم أن الشعب المصرى فى مجموعه ليس شعباً خبيثاً أو ماكراً

أؤكد لكم أن الشعب المصرى فى مجموعه ليس شعباً خبيثاً أو ماكراً

إخوانى:

عندما أراكم وأسمع أصواتكم ترتفع روحى المعنوية، وأنتم لستم غرباء عنى، فقد عاشرت طبقاتكم، واختلطت أول ما اختلطت بالجنود الذين يمثلون الشعب على حقيقته وطبيعته، ورأيت طيبة الشعب وإخلاصه ممثلين فيهم أصدق تمثيل.

ولقد كانت حرب فلسطين فرصة أظهرت لى كيف كان الجندى العادى الذى لا يملك شيئاً فى هذا البلد يضحى بكل مرتخص وغال. وكنت أشعر أن هؤلاء الجنود قد افتدونى بأرواحهم، وكانوا يموتون لا حباً فى منفعة أو غنيمة أو بطولة؛ وإنما كان يتمثل فيهم عنصر هذا البلد الأصيل.. وأعنى به الطيبة والعزة.

وأرجو أن أؤكد لكم أن الشعب المصرى فى مجموعه ليس شعباً خبيثاً أو ماكراً كما يتقول عليه البعض، ويحاولون أن يلصقوا به مثل هذه الصفات التى هى بعيدة عنه بعد السماء عن الأرض.

والحق أن هذه الصفات تنحصر فى فئة قليلة احتكرت أرزاق هذا البلد وأقواته، أما طيبة الشعب المصرى التى تتمثل فى جميع طبقاته وأوساطه من العمال والفلاحين والموظفين، والمحبة التى يقولون عنها أنها غير موجودة؛ فهى حقيقة رغم أنف الجميع، أما الحسد والضغينة والبغضاء فلا تتمثل إلا فى فئة قليلة استغلت الشعب لمصالحها الخاصة.

وثمة صفة أخرى يتميز بها الشعب المصرى، وأعنى بها مواجهة الأيام والصمود للنكبات. ولو أن شعباً آخر تعرض لمثل ما تعرض له المصريون لتحلل وانتهى أمره، أما عندنا فما زالت القوى كامنة متحفزة وستظهر فى الوقت المناسب؛ لتقول لكل غادر: قف نحن لك هنا بالمرصاد، ولن نسمح لزيف أو استغلال أن يظهر مرة أخرى.

إخوانى:

هناك نغمة بغيضة مرذولة تتردد ونسمعها فى هذه الأيام، وتنادى باستعمال العنف والشدة، وأن هذه الثورة يجب أن تكون ثورة حمراء بدعوى أن البلد يخاف ولا يختشى، ولكن من هو هذا البلد؟ وما مجموعه؟ إنه أنا وأنت وهو، فهل تقبل أن يقال عنك هذا؟ كلا.. إننى أؤمن بأننا شعب طيب، ويجب أن ننسى هذه الأمثلة الاستعمارية التى حفظناها على يد الإنجليز.

ولا يعنى هذا أن نترك البلاد فوضى؛ فإن فيها بعض القادرين والمخادعين والمضللين، فيجب ألا تنعكس صفات هذه الفئة على المجموع وإلا كانت وصمة تصيب كلاً منا. إن الفاسدين والمخادعين هم القلة، ويجب أن يعاملوا كما عوملوا فى جميع البلاد والأديان. ويجب أن تؤمنوا معى بأن فى هذا البلد كثيراً من الخير وكثيراً من النفوس التى جبلت على الطيبة، ونستطيع أن نخلق من هذا البلد قوة تقف أمام كل مخادع ومضلل، ولا نمكنه من استغلالها، وهذا هو الأساس الذى بنيت عليه ثورة ٢٣ يوليو.

عندما قامت هذه الثورة كانت هناك قوى تتحكم فى أرزاق البلد، وتسند الاستعمار والفساد، وتمنع الشعب كله من أن يأخذ مكانه الطبيعى الصحيح، وكان كل من يطالب بالمساواة تكتمه هذه القوى الاستبدادية وتعمل على أن يبقى الفلاحون عبيداً للإقطاعيين، وعلى أن يبقى العمال أداة فى أيدى أصحاب رؤوس الأموال. وهذه القوى المخربة المانعة لعظمة الشعب هى التى كانت ثورتنا تهدف إلى تحطيمها وإبادتها؛ حتى يستطيع الشعب أن يأخذ حقوقه.

ولقد استطعنا فعلاً أن نقضى على الملكية وعلى سيطرة المال على الحكم، وإنى أؤكد لكم أن الرجعية لن تستطيع أن تصل إلى ما تصبو إليه إلا بواسطة التضليل والخداع. ولقد تطور الشعب وأصبح واعياً، ورأينا كيف قام الشعب يوم ٢٩ مارس قومته، ذلك الشعب الذى أحس بحريته وكرامته وقال للرجعية: قفى مكانك، واستطاع فى هذا اليوم أن يهزم الرجعية.

وأوصيكم بأن تتيقظوا؛ لأن قوى الرجعية ستحاول أن تستغل طيبتكم، وعن طريقها ستخدعكم وتضللكم، وقد حدث هذا من قبل عشرات المرات.

وإنى أوصيكم أن تدخروا حماستكم للأيام القادمة حتى إذا ما حاولوا خداعكم كنتم لهم بالمرصاد، فلا تنتكس ثورتكم. ونحن حينما قامت الثورة كنا فى ظروف عصيبة، وكنا نواجه قوى هدامة كثيرة. أما الآن فقد زالت والحمد لله.

ونحن نبنى لكل الناس، وإنى كحاكم.. مسئول عن مستقبل كل فرد وطائفة، ونضع نصب أعيننا توفير العمل للجميع، فلا تفكروا فى أنفسكم فقط؛ بل فكروا فى وطنكم وإخوانكم وأولادكم.. فكروا فى وطنكم وإخوانكم وأولادكم، لقد أصبحنا الآن نشعر بأننا مواطنون.. لنا فى البلد مثل ما لغيرنا.

واستطعنا الآن أن نشعر بحقنا فى الحياة، وهذا هو بدء التطور الذى قامت به الثورة. ومن هذا اليوم انتقلت ملكية الثورة من الجيش إلى المواطنين جميعاً، ولم تعد ثورة الجيش أو الضباط الأحرار، بل إنها الآن ثورة الشعب كله.. ثورة آبائكم الذين كافحوا مدة طويلة، وأصبح الشعب الآن هو المسئول عن حماية الثورة والدفاع عنها.

ومن هذا اليوم بدأت الحرب بين الرجعية والشعب؛ لأن الثورة هى ثورة الشعب. فالرجعية تعلن الحرب على الشعب كمجموع، وليس على رجال الثورة؛ لأنها سلمتكم الأمانة، والرجعية ترفض أن يأخذ كل منكم مكانه، وكانت فى الماضى تستغلكم وتتحكم فى أرزاقكم، وكان الانتهازيون يتحكمون فى لقمة عيشكم.

وإنى أقول لكم إن الرجعية لن تستسلم بسهولة، وستحاول أن تعود بنا إلى الوراء، ولن تستطيع أن تحارب الشعب إلا بالتضليل والخداع، فخذوا حذركم والله معكم.

والسلام عليكم ورحمة الله.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى وفد عمال محافظة السويس ٦/٤/١٩٥٤