روح عبد الناصر تحلق في برلين!

روح عبد الناصر تحلق في برلين!
بقلم/ ياسر أبو معيلق
"في السياسة لا توجد عداوات أو تحالفات. فقط مصالح"
على نهج "التأميم" تسير ألمانيا حالياً للخروج من أزمة الطاقة لديها، هذا بالإضافة إلى المنحى الفردي - الأناني - الذي تتبعه مؤخراً، سواءً فيما يخص البرود النسبي تجاه كييف والمماطلة في تزويدها بالسلاح، أو نهجها مع الصين ، التي كان المستشار الألماني شولتس أول مسؤول غربي يزورها بعد ٢٠١٩.
لكن هذا ليس كافياً، فقد اتخذت برلين خطوات أكثر تطرفاً، تناقض ما هو مألوف في اقتصادات الغرب اليوم: فبدلاً من الخصخصة، لجأت الحكومة إلى التأميم:
- البداية كانت مع شركة "يونيبير" - أكبر مستورد للغاز في ألمانيا، والتي أممتها الحكومة الألمانية لإنقاذها من الإفلاس في سبتمبر الماضي بمبلغ أولي قدره ٨ مليارات يورو يضمن لها حصة ٩٩٪ في الشركة، ومن ثم زادت هذا المبلغ إلى ٢٩ مليار يورو.
- ثم عادت برلين واستحوذت على مصفاة "شفيدت" لتكرير النفط والغاز ، والتي تتبع شركة "روسنفت" الروسية، ومسؤولة عن تزويد ٩٠٪ من احتياجات العاصمة برلين من الغاز.
- أمس، أعلنت الحكومة الألمانية عن تأميم شركة أخرى في مجال الطاقة، هي شركة "سيفيه" (Sefe)، التي كانت تُعرف سابقاً بـ"غازبروم جيرمانيا"، وهي مستورد آخر للغاز الروسي غارق في الديون. "Sefe" حصلت مطلع العام الحالي من بنك الاستثمار والتنمية الألماني (KfW) على قرض بقيمة ١١٫٨ مليار يورو، يرفع مجموع ما حصلت عليه من البنك إلى نحو ١٤ مليار يورو. إلا أن ذلك لم يمنع الأسوأ.
- المبلغ اللازم للاستحواذ على "Sefe" سيأتي من الحزمة التي أقرها البرلمان الألماني مؤخراً للحد من آثار ارتفاع أسعار الطاقة وتوقف الغاز الروسي، والتي تبلغ إجمالاً ٢٠٠ مليار يورو.
- بقي القول إن برلين تبرر قرارات التأميم هذه بأن الشركات المستهدفة "ذات أهمية بنيوية" لقطاع الطاقة في ألمانيا.
- المضحك المبكي أن اسم الشركة المؤممة حديثاً "Sefe" هو اختصار لعبارة "Securing Energy For Europe" (تأمين الطاقة لأوروبا). الشركة يفترض أنها ستؤمن الطاقة لأوروبا، لكنها لا تستطيع تأمين نفسها من الإفلاس!
الخلاصة:
في أوقات الأزمة، لن تتردد الحكومات التي تشدقت لسنوات بالديمقراطية وحرية السوق، ودعت الدول النامية والناهضة مراراً وتكراراً إلى خصخصة بناها التحتية، لن تتردد في الإلقاء بتلك المصطلحات من أقرب نافذة لإنقاذ بنيتها التحتية واقتصادها، إن كان ذلك عبر قوانين تتعدى على حريات المواطنين وتخالف بعض فقرات الدستور (مثلما حصل في بعض القيود المفروضة للحد من انتشار جائحة كورونا)، أو عبر قرارات تأميم واستحواذ حكومي قد تكون غير مسبوقة منذ نهوض الجمهورية الاتحادية الألمانية من رماد الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٩.
(الصورة لوزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، ومقر شركة غازبروم جيرمانيا. الحقوق: IMAGO/ dpa).