كلمة مصر التى ألقاها البكباشى جمال عبد الناصر فى افتتاح مؤتمر رؤساء جيوش الدول العربية فى القاهرة

كلمة مصر التى ألقاها البكباشى جمال عبد الناصر فى افتتاح مؤتمر رؤساء جيوش الدول العربية فى القاهرة

أحييكم باسم شعب مصر وهو المحب للسلام، الذى ينشد عالماً يسوده الأمن وتربطه المودة والتعاون، والذى يدرك فى نفس الوقت حقائق الأحوال، ويرى من حوله فى كل ناحية ما يقنعه بأن حبه للسلام، ورغبته فى الأمن، ودعوته إلى المحبة والتعاون لا تكفى وحدها لترد عنه ولا عن غيره مخالب الشر وأنياب العدوان.

ويقينى أن هذه المعانى والإحساس بها لم يكن قاصراً على شعب مصر، وإنما وجد نفسه متجاوباً فيها مع إخوانه من شعوب العرب الشقيقة، ولم يكن ميثاق الضمان الجماعى بين دول الجامعة العربية فى حقيقة الأمر إلا نتيجة طيبة لهذه المعانى وإحساسنا بها جميعاً.

ولقد ساعدت التجربة المشتركة المريرة فى فلسطين على الوصول إلى هذه النتيجة، وإننا لنعتقد أن التكريم الحقيقى للدماء التى بذلت فى فلسطين هو أن تكون شعوب العرب التى عانت تلك التجربة فهمت عظتها الحقيقية ومعناها العميق.

والواقع أننا إذا أجَلنا النظر حولنا لوجدنا بالفعل طلائع لهذا الوعى؛ فلقد اكتسبت شعوب العرب الإحساس العسكرى والتفكير الحربى، وتعلمت شعوب العرب ألا تبخل على جيوشها بالمال، وفهمت شعوب العرب أنه إذا كان عليها أن تحارب حرباً واحدة فإن عليها قبل ذلك أن تحدد التعاون بينها وتنظمه بما يكفل تحقيق الهدف الواحد، والمؤكد أنه فى ظل هذا الفهم الذى بلوره ميثاق الضمان الجماعى تجتمعون اليوم - يا ممثلى جيوش العرب - لتباشروا مهمتكم الخطيرة.

إن عليكم أن تحيلوا الأفكار الواردة فى الميثاق إلى حقائق حية.. عليكم أن تصنعوا من الحروف جنوداً مدربين، ومن الكلمات فرقاً مستعدة، ومن العبارات جيوشاً متأهبة، وعليكم أن تواجهوا المستقبل بما يجب أن يواجه به من خطط مرتبة متناسقة لا تطير المفاجآت صوابها، ولا تفقدها الأحداث أتزانها.

تلك هى الرسالة المقدسة التى أنيطت بكم، ويزيد من قداستها أنها رسالة سلام، فهى لا تتجه إلى عدوان، ولا ترمى إلى مطمع، ولا تريد أن تقتسم غنيمة.

بارك الله اخوتكم فى السلاح، ووفقكم إلى تدعيم السلام الذى يتمناه العرب بالقوة التى تصونه.

والسلام عليكم.