حيثيات من قضية تأميم قناة السويس

حيثيات من قضية تأميم قناة السويس

بقلم المهندس/ علي الحفناوي
رغم أنى لا أميل إلى التحاور حول فرضيات نظرية، إلا أنى رأيت نقل جزء من هذا الحوار الطريف الذى دار مع صديق...

• الصديق: هل كان عبد الناصر يستطيع تأميم القناة لو لم يكن والدك قد اكتشف الفرمان الأصلى لعقد الامتياز الذى يثبت أن شركة قناة السويس مصرية وليست أجنبية ؟
• أنا: عبد الناصر كان يستطيع اعلان قرار التأميم، ولكن في غياب السند القانوني، كان الخلاف مع إدارة الشركة المؤممة سيتحول إلى قضية اغتصاب لحقوق المساهمين في شركة غير مصرية، أي عملية استيلاء... فمثلا لا يمكن تخيل أن نقوم بتأميم شركة مثل سيمنس الألمانية أو غيرها من الشركات العالمية لأنها شركات غير مصرية.

• الصديق: ولكن حقوق المساهمين قد اغتصبت فعلا بالتأميم !
• أنا: عمليات التأميم تتم كل يوم في كل بلاد العالم، وحيثيتها القانونية هي نقل ملكية كيان اقتصادى إلى الملكية العامة من أجل تحقيق مصلحة عامة... ويكون شرط أي تأميم هو تعويض المساهم تعويضا عادلا لقيمة أسهمه... وهذا ما تم في تأميم شركة قناة السويس، وتم ذلك بالوفاق بعد مفاوضات طويلة. وللعلم، أحيانا يكون التأميم انقاذا لمستقبل بعض الشركات إن كانت متعثرة اقتصاديا.

• الصديق: وإن كان تأميم شركة القناة قانونى، لماذا قامت إنجلترا وفرنسا برد فعل عسكرى لاستعادة القناة ؟
• أنا: إدارة شركة القناة المؤممة أعلنت في حينه تضررها من العدوان الثلاثى، وأنها بريئة من قرار الهجوم العسكرى... فالدوافع الحقيقية لهذا العدوان لم تكن استعادة قناة السويس، انما كانت دوافع سياسية بحتة، وهذا وفقا لمذكرات أنتونى ناتنج، وزير خارجية بريطانيا الذى اعترض واستقال، والوزير الفرنسي كريستيان بينو. فقد أوضح كلاهما أن فرنسا كانت تريد التخلص من عبد الناصر بسبب دعمه لثورة الجزائر، وايدن في إنجلترا كان كارها لعبد الناصر لقيامه بافشال مشروع حلف بغداد الذى كانت بريطانيا أعدته لاستمرار سيطرتها العسكرية على الشرق الأوسط... وجاءت عملية التأميم كمبرر شكلى للهجوم العسكرى على مصر.

• الصديق: وهل هجوم دولة مثل فرنسا عسكريا على مصر كان سيخلصها من عبد الناصر الذى يدعم ويسلح الجزائريين ؟
• أنا: اعترافات رئيس المخابرات الفرنسية في تلك الفترة، والتي أذاعتها بصوته إذاعة "فرانس انتير" منذ سنوات قليلة، ومتوفر الحديث على الانترنت، أنهم قاموا منذ نهاية 1954 بعدة محاولات لاغتيال عبد الناصر، حتى أنهم لجأوا إلى دس السم في طعامه بمعرفة شخصية مقربة له، وأنهم كانوا قد أعدوا البديل الذى سيعود إلى صدارة الحكم في حالة نجاح الاغتيال. وبعد فشل ست محاولات، تحولوا إلى فكرة الهجوم العسكرى مع انتظار الفرصة المناسبة.

• الصديق: إذن فقد أعطاهم عبد الناصر المبرر للهجوم على مصر !
• أنا: بل كان من قبل التأميم قد أعطى مبررا للدول الاستعمارية القديمة لمحاولة التخلص منه شخصيا نظرا لمواقفه الداعمة لحركات التحرر في العالم الثالث، والتي لخصها في مواقفه المعلنة في مؤتمر باندونج سنة ١٩٥٥... وإن اكتفى بمشروعات التنمية في مصر فقط، وقبل بالدخول في حلف بغداد، وقبل بوجود دولة إسرائيل دون أن يتدخل في المطالبة بحقوق الفلسطينيين، وابتعد عن محاولات تسليح الجيش، وقبل بأن تظل قناة السويس تحت الهيمنة الأجنبية... لو قبل بكل ذلك، كان يمكن تفادى العدوان الثلاثى.