هل يقود تعين أول سفير صومالي بإريتريا إلى فتح آفاق جديدة للعلاقات
كتبت/ دينا عبد الراضي الجنزوري
باحثة ماجستير – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة
أعلنت جمهورية الصومال الفيدرالية في وقت سابق تعين سفيرًا لها في إريتريا لأول مرة، منذ استقلالها عن إثيوبيا في عام 1991، حيث قدم السفير الصومالي أوراق اعتماده للرئيس الإريتري "أسياس أفورقي"؛ حيث شغل "إدريس" منصب السفير الصومالي لدى قطر، وتعد هذه الخطوة مسار جديد في العلاقات الثنائية بين البلدين، لا سيما بعدما شهدا منعطف من الصراع الذي امتد لفترة ليست قصيرة، وأعرب السفير الصومالي عقب اعتماده عن التزامه بالتمثيل الجاد القوي لبلاده، والعمل على تعزيز أواصر العلاقات الأخوية الدائمة التي تربط بين البلدين، وكتب "إدريس" على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي (X) "تويتر سابقًا" عن سعادته بكونه أول سفير للصومال إلى إريتريا في تاريخ البلدين الشقيقين، وجاءت هذه الخطوة عقب الاجتماع الذي عقد بين الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" مع الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي"، على هامش القمة السعودية الإفريقية في الرياض، وبحثا مستجدات الأوضاع في المنطقة، والتركيز على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، لا سيما فيما يتعلق بالمجال العسكري والأمني؛ حيث أن إريتريا لعبت دورًا كبيرًا في تدريب القوات الصومالية، التي لا تزال تقوم بعمليات عسكرية واسعة في مناطق مختلفة بالبلاد.
العلاقات بين البلدين
شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين حالة من التوتر في بعض الأحيان، لا سيما في ظل مساعي الإريتريين للانفصال عن إثيوبيا ونيل الاستقلال؛ حيث دعمهم في ذلك نظام "سياد بري"، لكن الحرب الأهلية التي تعرضت لها الصومال، مرورًا بالغزو الإثيوبي للصومال عام 2006، وتأسيس الإسلاميين الصوماليين أسمرة عام 2007 لإعادة تحرير الصومال، وهو ما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين، والتي استمرت حتى ظهر رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي "أبي أحمد" الذي عمل على تحسين العلاقات مع إريتريا، والوساطة من أجل تقارب وجهات النظر الصومالية الإريترية، ومن ثم توقيع الاتفاق الذي أدى لتشكيل التحالف الثلاثي عام 2018، وفتح مسار جديد للعلاقات بين البلدين.
وبعد تولي الرئيس الصومالي المنتخب "حسن شيخ محمود"، قام بجولة خارجية إلى عدد من الدول، وكانت إريتريا هي ثالث محطاته الخارجية وأولى الدول الإفريقية التي يزورها بعد انتخابه؛ حيث سعى إلى التأكيد على حرص بلاده على تعزيز أواصر العلاقات والاحتفاظ بالامتداد التاريخي للصومال بدول القرن الإفريقي، مع التأكيد على تبني مقديشو سياسة خارجية متوازنة تهدف إلى تعزيز التعاون مع دول الجوار، مع تجنب تجدد الصراعات والخلافات التاريخية، والتأكيد على أهمية التكاتف من أجل تحقيق مصلحة المنطقة؛ حيث تطورت العلاقات بين البلدين تطورًا إيجابيًا ملحوظًا، ووصل إلى درجة كبيرة من الثقة والتعاون العسكري؛ حيث أرسلت الحكومة الصومالية مجموعات امن الجنود العسكريين إلى إريتريا لتلقي عدد من التدريبات، لكن هذا الأمر آثار أزمة داخلية في الصومال وغضب ضد الحكومة، نتيجة غموض موقفهم والتكتم على حقيقة أوضاعهم خارج بلادهم، ووصل الأمر مداه بين الحكومة والشعب بعد تداول أنباء تفيد بمشاركة هذه المجموعات مع الحكومة الإريترية ضد تجراي.
توقيت تعيين السفير الصومالي
يأتي توقيت تعيين السفير الصومالي في إريتريا وسط تصاعد الأنباء حول مساعي إثيوبيا لامتلاك منذ بحري على البحر الأحمر؛ وسط حالة من الجدل عقب تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" خلال جلسة بالبرلمان الإثيوبي هذا الشهر؛ حيث أوضح أن سعي أديس أبابا لامتلاك منفذ بحري على البحر الأحمر وميناء خاص بها ليس أمرًا جديدًا، بل مسار مطروح لكل الحكومات الإثيوبية المتعاقبة، كما أشار إلى أنه لا يهدد سيادة دول الحوار في المنطقة، ولا يسعى إلى غزو أي دولة من دول الجوار على البحر الأحمر، كما أك على أن حكومته لن تتخلى عن هدفها في امتلاك منفذ بحري وعدم الاعتماد بشكل أساس على ميناء جيبوتي الذي تستخدمه وفقًا لاتفاقات تجارية محددة، كما أكد "أبي أحمد" على أهمية تحقيق المصلحة القومية الإثيوبية وإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر، لا سيما وأن أديس أبابا كانت تمتلك ميناءين بحريين قبل استقلال إريتريا عنها، ومنذ ذلك الحين، أصبحت إثيوبيا واحدة من دول القارة الحبيسة، وهو الأمر الذي يعرض مصالح إثيوبيا للخطر، مستندًا إلى أن جيبوتي أصبحت تستضيف مؤخرًا عددًا كبيرًا من القواعد العسكرية للدول الأجنبية على شواطئها، كما أن أديس أبابا لديها طموحات استراتيجية هادفة للوصول إلى الموانئ البحرية داخل منطقة القرن الإفريقي، وحرصها على تحقيق مشروع إقليمي لتعزيز التواجد الاقتصادي لأديس أبابا في القارة، مع التحول من دول حبيسة إلى دولة ذات موانئ بحرية.
وفي هذا السياق أيضًا وقعت جيبوتي وإثيوبيا مذكرة تعاون خلال الاجتماع العاشر للجنة خبراء الدفاع الإثيوبية الجيبوتية المشتركة، وتهدف هذه المذكرة إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الدفاع والأمن، ويأتي هذا في ظل تزايد مخاوف إثيوبيا من تزايد إخفاقها في تأمين أكثر من بديل للتواصل مع العالم الخارجي عبر طرق الملاحة البحرية.
كما يتزامن قرار تعيين السفير مع اتساع نطاق الحرب في غزة، وسط مخاوف دولية وإقليمية من تنامي الحرب وتمددها لتصل إلى منطقة القرن الإفريقي؛ وهو ما حذر منه التقرير الصادر عن موقع "ذا ناشيونال" الأمريكي؛ إذ أشارت مبعوثة الاتحاد الأوروبي إلى القرن الإفريقي "نيت ويبر"، أنه من المتوقع أن تتوسع نطاق الحرب في غزة لتشمل منطقة القرن الإفريقي، لا سيما بعد الدعوات التي أطلقتها "حركة الشباب" في الصومال التابعة لتنظيم القاعدة بشأن ضرورة دعم حركة حماس في حربها ضد إسرائيل، فقد أوضحت حركة الشباب أن هذه الحرب ليست حرب تحرير فقط، بل معركة الأمة الإسلامية بأكملها، ورغم العلاقات المتنوعة التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي بالصومال، فإن هناك حاجة ضرورية لتعزيز الأمن البحري داخل منطقة القرن الإفريقي بمساهمة كل من السعودية والإمارات، لا سيما في ظل التهديدات اليمينة، مع استمرار إطلاق الحوثيين الصواريخ تجاه إسرائيل، كما تقوم إسرائيل بالرد على هذه الصواريخ والتصدي لها، وربما يشكل ذلك تهديدًا ليس لدول منطقة القرن الإفريقي فقط، بل قد يمتد ليشمل بعض دول الخليج العربي منها السعودية والإمارات، لا سيما وأن أمن الملاحة البحرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر يحظى بأهمية دولية وإقليمية كبيرة، كما أصبح مضيق باب المندب ساحة للتنافس الإقليمي والدولي، إلى جانب تنامي الاهتمام بالاستثمارات في منطقة القرن الإفريقي على ضرورة حماية حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة البحرية.
الدوافع من هذا القرار
يأتي تعيين السفير الصومالي في ظل مساعي الرئيس الصومالي إلى تأسيس شراكات كبيرة مع دول الجوار، لا سيما إريتريا، التي شهدت سلسلة من الزيارات التي قام بها الرئيس الصومالي منذ توليه الحكم، وكانت أخر هذه الزيارات هي التي قام بها في 8 أكتوبر 2023، حيث عقد مباحثات ثنائية مع الرئيس الإريتري لبحث سبل تعزيز العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين البلدين، وتسعى الصومال إلى تعزيز العلاقات مع إرتيريا من خلال عدة مكاسب، أبرزها:
• تعزيز الدبلوماسية: حيث تسعى الصومال إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية وبناء نهج جديد، وهو الأمر الذي تبناه الرئيس الصومالي الحالي منذ توليه الحكم، والعمل على تعزيز العلاقات مع دول الجوار، والاستفادة من دعم هذه الدول في مواجهة الجماعات المسلحة والتهديدات التي تواجه الدولة، كي يتثنى له مواجهة حركة الشباب، التي صبحت تمثل مصدرًا للقلق داخل الصومال.
• تعزيز التعاون العسكري، والتي تعد واحدة من أهم الأدوات الحيوية في العلاقات الثنائية بين البلدين؛ حيث أصبحت إريتريا مركزًا تدريبًا لآلاف القوات الصومالية؛ وخلال السنوات الأخيرة؛ دربت إريتريا ما لا يقل عن 5000 جندي صومالي، وارسلت الصومال مجموعات كبيرة من هذه الجنود لمواجهة حركة الشباب الصومالية، وهو الأمر الذي يشير إلى مدى أهمية الأداة العسكرية بين البلدين.
• تعزيز حالة الاستقرار في الصومال، ولعل استقرار الصومال واحدة من أهم أهداف إريتريا، لا سيما في ظل التهديدات التي تمارسها حركة الشباب الصومالية في المنطقة، مع تزايد أعمال القرصنة البحرية، وأظهرت إريتريا مؤخرًا اهتمامًا حقيقيًا باستقرار الصومال، ليس فيما يتعلق بتدريب الجنود فقط، بل عززت التعاون الأمني لمواجهة هذه الجماعات، والتي من شأنها أن تمثل تهديد للجانبين.
• تعزيز التعاون مع الصومال في مواجهة إثيوبيا، وفي ظل الديناميات المتغيرة للعلاقات الثنائية بين إريتريا وإثيوبيا، ومع تنامي مساعي أديس أبابا الطموحة لاستعادة وصولها إلى البحر الأحمر، وقد يتجدد الصراع مرة أخرى بين البدين، لا سيما وأن هذا القلق يسبب قلق لإريتريا، لا سيما بعد خطاب "ابي أحمد" الذي ألقى باللوم على الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، والتي قبلت بقرار استقلال إريتريا، والذي تسبب في أن تصبح إثيوبيا دولة حبيسة، وفي هذا السياق تعمل إرتريا على الاستفادة من موقف الصومال الرافض لمطامح إثيوبيا، مع تنامي مؤشرات حول استعداد إرتريا لمواجهة حرب محتملة مع أديس أبابا.
السيناريوهات وراء هذا القرار يمكن القول بأن العلاقات الثنائية في الآونة الأخيرة وصلت إلى درجة كبيرة من التفاهم، لا سيما بعد التصريحات المتكررة لرئيس الوزراء "أبي أحمد" بأن إثيوبيا غير الساحلية يجب أن تؤمن ميناءها البحري الخاص، وهو ما تسبب في حالة عدم الارتياح بين الدول المجاورة، ويمكن تناول عدة سيناريوهات محتملة وراء تعين الصومال أول سفير لها في إريتريا، أبرزها:
السيناريو الأول: فمن المتوقع أن يؤدي هذا التقارب بين البلدين إلى التأثير على العلاقات الإثيوبية الصومالية، لا سيما في ظل المصالح التي الصومال بإثيوبيا في القضاء على حركة الشباب الصومالية؛ حيث اتفق قادة دول "قمة دول الجوار" والتي تضم إثيوبيا والصومال إلى جانب وكينيا وجيبوتي، على القيام بعملية عسكرية مشتركة في الصومال لتحرير الأراضي الصومالية من سيطرة هذا التنظيم، وقد يؤدي نمو العلاقات بين الصومال وإريتريا إلى توتر في العلاقات الإثيوبية، لا سيما في ظل الانقسام داخل القرن الإفريقي مؤخرًا.
السيناريو الثاني: قد تلعب الصومال دورًا دبلوماسيًا في تقريب وجهات النظر بين إثيوبيا وإريتريا فيما يتعلق بمساعي إثيوبيا لاستعادة وصولها إلى البحر الأحمر، مستغلة العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى العلاقات الطيبة التي تربط الصومال ودول الخليج، لا سيما قطر والإمارات؛ حيث أن السفير الصومالي الجديد كان سفيرًا للصومال في قطر، وتربطه علاقات قوية من القصر الملكي في الدوحة، وقد تعمل الإمارات أيضًا إلى منع زعزعة استقرار القرن الإفريقي والبحر الأحمر، لما يمثله من تهديد على دول الخليج.
السيناريو الثالث: ربما تسعى الصومال من خلال تعيين سفيرًا جديدًا لها في إريتريا إلى الحفاظ على التوازن داخل منطقة القرن الإفريقي، وتوجيه رسالة غير مباشرة إلى إثيوبيا، كي لا تمضي قدمًا في استخدام القوة العسكرية في تنفيذ طموحاتها الساعية إلى امتلاك منفذ بحري على البحر الأحمر.
وختامًا، يمكن النظر إلى توقيت تعيين سفير صومالي في إريتريا على أنه مساعي صومالية لتحقيق استراتيجية خارجية قائمة على التوازن والانتشار، فضلًا عن التأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.