الدكتور مصطفى مدبولي: المهندس الذي قاد مصر نحو التحولات الكبرى

في لحظة مفصلية من تاريخ مصر الحديث، وقع اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي على الدكتور مصطفى كمال مدبولي لتشكيل الحكومة المصرية في 7 يونيو 2018، خلفاً للمهندس شريف إسماعيل، ليصبح المهندس المعماري والتخطيطي البارز رئيساً للوزراء في واحدة من أدق المراحل التي تتطلب توازناً بين البناء والإصلاح، وبين التنمية والتخطيط بعيد المدى.
ولد الدكتور مصطفى مدبولي في عام 1966، وتخرج في كلية الهندسة بجامعة القاهرة عام 1988 بتخصص العمارة، قبل أن يكمل مشوارًا علميًا متميزًا حصل خلاله على ماجستير في تخطيط المدن من جامعة القاهرة عام 1992، ودبلومة دراسات متقدمة في إدارة العمران من معهد روتردام بهولندا عام 1993، ثم نال درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية (تخصص تخطيط مدن) عام 1997، بالشراكة بين جامعة القاهرة وجامعة كارلسروه الألمانية.
لم تكن خلفية الدكتور مدبولي الأكاديمية سوى بداية لسيرة مهنية امتدت عبر المؤسسات المصرية والدولية. فقد تدرج في مناصب التخطيط العمراني بدءًا من الهيئة العامة للتخطيط العمراني، حيث تولى منصب نائب الرئيس ثم الرئيس التنفيذي للهيئة، ليصبح لاحقاً المدير التنفيذي لمعهد التدريب والدراسات الحضرية، ثم المدير الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "الهابيتات" من 2012 إلى 2014، حيث اكتسب خبرة دولية عميقة في التنمية الحضرية المستدامة.
في فبراير 2014، تم تعيين الدكتور مدبولي وزيرًا للإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وهو المنصب الذي شهد خلاله الطفرة الكبرى في قطاع الإسكان بمصر، حيث أشرف على إطلاق مشروعات قومية غير مسبوقة، أبرزها مشروع الإسكان الاجتماعي، والعاصمة الإدارية الجديدة، ومدن الجيل الرابع، ما جعله يوصف بأنه "مهندس التوسع العمراني المصري الحديث".
ولم يغب اسم مدبولي عن المشهد التنفيذي في الفترات الحرجة، حيث كلفه الرئيس السيسي بتولي مهام القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء في نوفمبر 2017 أثناء رحلة علاج رئيس الحكومة آنذاك، وهو ما اعتبر تمهيدًا طبيعيًا لتوليه رئاسة الحكومة بعد أشهر قليلة.
منذ توليه رئاسة الحكومة في 2018، عمل الدكتور مدبولي على استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي، مع الدفع بقوة في ملفات الحماية الاجتماعية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتوسيع مظلة المشروعات القومية، بجانب إدارة الأزمات مثل جائحة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري.
كما أولى اهتمامًا خاصًا بملف تطوير البنية التحتية، والنقل الذكي، والتحول الرقمي، ما عزز من قدرة الدولة على التفاعل مع المتغيرات العالمية، ورفع من تصنيف مصر في تقارير التنمية الدولية.
يُعرف الدكتور مصطفى مدبولي برؤيته التخطيطية التي تربط بين الواقع والفرص المستقبلية، وهو ما يظهر جلياً في نهج الحكومة في بناء المدن الجديدة، وتطوير الريف المصري، وبرامج "حياة كريمة"، ومبادرات تنموية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية.
ويظل الدكتور مدبولي نموذجًا للمسؤول التكنوقراطي الذي استطاع أن ينتقل بخبرته من القاعات الأكاديمية ومؤسسات التخطيط، إلى موقع القيادة التنفيذية، ليضع بصمته في حاضر مصر ويصوغ ملامح مستقبلها.