كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى مأدبة الغذاء التى أقامها رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى تكريماً له عام ١٩٥٨

إن هذه الزيارة لها أهمية كبرى فى العلاقات بين الاتحاد السوفيتى والجمهورية العربية المتحدة؛ فلأول مرة نتقابل مع قادة الاتحاد السوفيتى، ونتكلم فى جميع الأمور بصراحة ووضوح.
ولقد أثبت التعاون الذى تم فى السنين القليلة الماضية بين الاتحاد السوفييتى وجمهوريتنا العربية أنه يمكن أن يتبع سياسة مبنية على التعاون والصداقة.
ولم تكن مساعدتكم لنا متوقفة على شرط أو على التزام من الالتزامات، فقد ظللتم دائماً تحترمون سياستنا المستقلة؛ فلم يحدث أى تدخل بأى حال من الأحوال وقد كنتم تحترمون سياسة الحياد الإيجابى التى أعلناها. وقد أثبتت المحادثات التى تمت بيننا على أن التعاون بين البلدين مبنى على الصداقة والإخلاص، كما عبر عن ذلك أيضاً خطاب سيادة الرئيس الذى سيقابل من جميع أبناء الجمهورية العربية المتحدة بالتقدير الكامل.
فقد كانت الدعاية المعادية والدعاية الاستعمارية تحاول أن تثير الشكوك بين أبناء الأمة العربية من تعاونهم مع الاتحاد السوفيتى، وقد قلت فى تصريحاتى العديدة للصحف البريطانية والأمريكية عن تجربتنا فى التعاون مع الاتحاد السوفيتى: إن هذا التعاون إنما هو تعاون عن إخلاص لمساعدتنا فى التحرر والتخلص من مناطق النفوذ، ومن أجل مساعدتنا فى التطور الاقتصادى ومن أجل تصنيع بلادنا، وأن من يريد أن يخضع بلداً لا يمكن أن يعاونه فى أن يصل إلى مراكز القوة سواء من ناحية القوة العسكرية أو من ناحية البناء الصناعى.
وقد حاربنا لكى لا نكون ضمن منطقة نفوذ الدول الاستعمارية، وقررنا أن تكون سياستنا مستقلة تنبع من ضمير بلدنا، ولم نكن - أيها الأصدقاء - فى تعاوننا فى الأربع سنين الماضية إلا متتبعى سياسة التحرر التى رسمناها، وزادتنا هذه السنين ثباتاً على اتباعها.
وكان هذا التعاون نجاحاً للمبادئ التى أعلنها مؤتمر باندونج، وهى مبادئ التعايش السلمى والتعاون بين الأمم مهما اختلفت نظمها الاجتماعية.
وقد اشتركنا فى هذا المؤتمر، وكنا نعبر عن شعور الشعوب العربية التى عانت من سيطرة الاستعمار، والتى تريد التحرر السياسى والاقتصادى، كما تريد أن تبنى اقتصادها بناءاً قوياً سليماً.
هذه هى سياسة الجمهورية العربية المتحدة؛ الحرية والاستقلال للشعوب العربية جميعاً، والتعاون مع الدول بدون قيد ولا شرط. ويسرنى أن محادثاتنا قد أثبتت تفاهمنا الكامل فى هذا الموضوع، وإننا -إن شاء الله - سنستمر فى هذا التعاون المبنى على الصداقة والإخلاص.
لقد طالبنا فى مؤتمر باندونج بمنع التجارب الذرية، ومنع استخدام الأسلحة النووية، وتحويل الذرة للأغراض السلمية لمساعدة الدول المتخلفة اقتصادياً، ونادينا فى باندونج بخفض السلاح حتى يمكن أن تستخدم الأموال التى تصرف فى التسليح فى خدمة الإنسانية. وعندما أعلنتم - يا سيادة الرئيس - عن قراركم بمنع التجارب الذرية فى الاتحاد السوفيتى، أعلنت حكومة الجمهورية العربية المتحدة أنها تؤيد هذا القرار، وتطالب الدول جميعها بتأييدكم، وتطالب بالاتفاق على منع استخدام الأسلحة النووية.
إن التجارب الذرية تؤثر على البشرية، ومن حقنا أن ندافع عن كيان البشرية، ومن حقنا أيضاً أن ننادى بمنع التجارب الذرية فى الأجزاء المختلفة من العالم، وخصوصاً بعد أن أعلن أن فرنسا ستقوم بتجارب ذرية فى إفريقيا؛ الأمر الذى يعرض البلاد العربية للخطر.
إن هذا قد أعلن فى مؤتمر باندونج سنة ١٩٥٥؛ فقد أعلنت مبادئ التعايش السلمى والتعاون من أجل السلام العالمى، وأيدنا ذلك فى أواخر عام ١٩٥٧ فى مؤتمر الشعوب الإفريقية - الآسيوية الذى عقد فى القاهرة.
وفى شهرنا هذا عقد مؤتمر الدول الإفريقية المستقلة فى أكرا، وقد أجمع الرأى فى هذا المؤتمر على تأكيد مبادئ باندونج والتأثر بها.
ويسرنى - يا سيادة الرئيس - تعبيركم عن تفهمكم لكفاح الدول العربية من أجل الحرية والاستقلال، وتفهمكم لخطر إسرائيل الذى يهدد الدول العربية؛ باعتبار إسرائيل رأس جسر للاستعمار.
وإن شعب الجمهورية المتحدة والشعوب العربية تنظر إليكم نظرتها للصديق الذى يعاونها لا لسبب أو لمصلحة؛ ولكن من أجل تثبيت حريتها واستقلالها، كما عبرتم عن ذلك فى خطابكم الآن. إننا نعتز بهذه الصداقة ونعمل على تثبيتها وتدعيمها ودوامها.
وفى حديثى أرجو أن أحيى الصداقة السوفيتية - العربية، والرئيس "خروشوف" والقادة السوفييت الأصدقاء، كما أرجو دوام الأعياد السعيدة لكم.