الدكتورة سهير القلماوي.. سيدة الكتاب وأول مصرية تحصل على الدكتوراه

إذا كنت أحد رواد معرض القاهرة الدولي للكتاب فستجد لافتة تحمل اسمها، فهي أحد مؤسسيه... ولكن هل تعرف من هي بالتحديد؟ فكل مُحِب يبحث عن تفاصيل محبوبه؛ ليكون قدوة له وأحد السائرين في سبيل نجاحه.. إنها الأستاذة الدكتورة سهير القلماوي التي عشقت الطب، وتمنت أن تُصبح طبيبة كأبيها، ليسوق لها القَدر أجمل الأرزاق وتكون أول فتاة تلتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية، والوحيدة بين أربعة عشر زميلا من الشباب الذين كانت تتفوق عليهم بنبوغها وهذا ما جذب إليها عناية أستاذها الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي ورئيس الجامعة آنذاك... ليس هذا فحسب، فهي أول مصرية تحصل على رخصة الصحافة في مصر لتكتب مقالاتها في مجلتي «اللطائف المصورة» و«العروس»، وفي أثناء دراستها الجامعية تحصل على شهادة الدكتوراة في الأدب لتكون أول امرأة تحقق ذلك.
ولدت سهير القلماوي في يوليو من العام ١٩١١م، لأب يعمل طبيباً في مدينة طنطا وأم شركسية، نشأت في عائلة تفخر بتعليم إناثها، التحقت بالمدرسة الأمريكية للبنات هناك. أحبت سهير الاطلاع والقراءة من صغرها وكان لوالدها مكتبة ضخمة استطاعت أن تستفيد من الأعمال الأدبية في سن مبكرة حتى أن كُتابا مثل الدكتور طه حسين، ومؤسس مدرسة الترجمة رفاعة الطهطاوي، وابن إياس ساهموا في موهبتها الأدبية بشكل كبير وشكلوا صوتها كأديبة، مما أثرى حياتها بالكتابة فيما بعد.
كانت سهير ترغب في دراسة الطب البشرى مثل والدها، لكن البيروقراطية الذكورية آنذاك رفضت تلبية رغبتها، فلم تجد غير كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول لتصبح أول فتاة تلتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية، والوحيدة بين أربعة عشر زميلا من الشباب. تأثرت القلماوي بالنساء المصريات اللاتي قمن بالمشاركة في ثورة ١٩١٩ من أمثال صفية زغلول وهدى شعراوي وكانت هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها السيدات في الثورات، فعاشت وسط تأثير هؤلاء النساء اللاتي نقلن المناظرات النسوية للشوارع لإنشاء حركة بعيدة المدى. وقد أثر هذا المقصد على بعض مبادئها النسوية في المطالبة بحقوق المرأة والدفاع عنها ومساواتها بالرجل، وساعدها أستاذها الدكتور طه حسين في شغل منصب مساعد رئيس التحرير في مجلة جامعة القاهرة عام ١٩٣٢م، وهكذا أصبحت القلماوي أول امرأة تعمل في الصحافة بمصر، مع تصاعد نشاطها عملت مذيعة لخدمة البث الإذاعي المصري.
بدأت الدكتورة سهير حياتها المهنية كأول مُحاضرة في جامعة القاهرة عام ١٩٣٦م، وصارت إحدى الوجوه النسائية الفاعلة في المجتمع المصري وخاصة بعد أن حصلت على الماجستير في الآداب، ثم سافرت في بعثة لفرنسا للتحضير لرسالة الدكتوراه عن " ألف ليلة وليلة "، وبالفعل حصلت على الدكتوراه عام ١٩٤١م، في أول رسالة علمية تناولت ألف ليلة وليلة من خلال دراستها وتقديمها من حكايات شعبية إلى عمل أدبي لتصبح أول فتاة مصرية تحصل عليها،
وفى حوار صحفي لها عندما سأُلت عن النوافذ العقلية التي نهلت منها سهير القلماوي وتعلمت منها الكثير، قالت: "أول قيمة أتذكرها من طه حسين هي الصلابة، ولو لم يكن طه حسين صلب الإرادة لما وصل إلى المكانة التي وصل إليها، كان يقول بصوته المميز الرنان: حنبقى ضعاف ليه؟، وكنت أشعر أنه يحرضني على الشجاعة".
وأضافت القلماوي: "كان طه حسين يقول الحياة مواقف، والأديب موقف والمشتغل بالفكر موقف، وكنت أحس أنه يبدر في أعماقي أهمية الشعور باتخاذ المواقف، تعلمت من طه حسين التمسك بالحق، وكان يقول من لا يتمسك بحقه يفرط في نفسه، وتعلمت أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، بل أهم الفضائل؛ لأنها تنم عن تواضع مع علم، تعلمت معنى الالتفات لعقلي فأنا من جيل كان يطل عليه عمالقة كطه حسين ولطفى السيد وكانا يؤمنان بتعليم البنت، وتعلمت من طه حسين أن الجامعات لها مكانة سامية، وكان يقول إن أهم جامعات في أوروبا أصلها كنائس، وأن الرواد في مصر والعالم العربي ذاكروا في الجوامع".
وتُعد القراءة عند الدكتورة سهير القلماوي حب وهواية والموسيقى غذاء وخبر، وذوقها الغنائي يتمركز في فيروز وأم كلثوم، أما السياسة فهي عندها الإحساس بالمجتمع ومشاكله اليومية والبسيطة.
سرعان ما شقت طريقها لتصبح أستاذة جامعية، وتوالت المهام والنجاحات من درجة علمية إلى وظائف قيادية حتى أصبحت أستاذًا للأدب العربي المعاصر عام ١٩٥٦م، بدأت عملها السياسي عندما دخلت البرلمان بما لها من ثقل علمي وخبرة في الميدان العلمي والأدبي كعضوة في العام ١٩٥٨م، ضمن المعينين بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية آنذاك.
كما عملت كرئيسة الاتحاد النسوي المصري، وفي العام ١٩٥٩م، أصبحت رئيسة رابطة خريجات جامعة المرأة العربية، حيث أسست هيئة للتعاون بين الاتحاد المصري والاتحاد العالمي للجامعات.
وفي عام ١٩٦٠م، عينت رئيس المؤتمر الدولي للمرأة؛ وفي عام ١٩٦١م، أصبحت رئيسة أول اجتماع للفنون الشعبية، حيث شكلت لجنة للإشراف على جامعة الفتيات الفلسطينيات للحديث عن اهتمامها بالقضية الفلسطينية وكان ذلك عام ١٩٦٢م.
ومن بين المناصب التي شغلتها أيضا وكان لها أثر في دورها الإيجابي في المجتمع، منصب رئيس الهيئة المصرية العامة للسينما والمسرح والموسيقى عام ١٩٦٧م، ورئيسة قسم اللغة العربية بين بكلية الآداب، ثم رئاسة مجتمع ثقافة الطفل عام ١٩٦٨م.
فكرت الدكتورة سهير القلماوي في تثقيف المصريين من خلال القراءة، فكان لها السبق الأول في إنشاء مكتبة في صالة مسرح الأزبكية، لبيع الكتب بنصف ثمنها، حتى يصل الكتاب إلى جمهوره البسيط، كما منحت الفرصة أيضًا، لأكثر من ٦٠ أديباً لتقديم مؤلفاتهم عندما قامت بإصدار سلاسل أدبية باسم "مؤلفات جديدة".
وتولت الإشراف على "دار الكتاب العربي"، ثم الإشراف على مؤسسة التأليف والنشر في الفترة من "١٩٦٧وحتى ١٩٧١م"، وخلال توليها منصب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب عملت على توسيع نطاق القراء وتشجيع الكتاب الشباب والنهوض بصناعة الكتب، وتحديدا في العام ١٩٦٧م، عندما شاركت الدكتور سهير القلماوي في تأسيس أول معرض كتاب في الشرق الأوسط وهو "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، وكلفها الرئيس جمال عبد الناصر بالإشراف عليه لتستطيع تقديم العلم والأدب لجميع المصريين. كما شاركت في عضوية مجلس اتحاد الكتاب، واختيرت عضواً بالمجالس المصرية المتخصصة.
رشحت الدكتورة سهير مرة أخرى لعضوية مجلس الشعب في الفترة من ١٩٧٩م حتى ١٩٨٤م، هذا بالإضافة لترأسها هيئة الرقابة في الفترة من عام ١٩٨٢ إلى عام ١٩٨٥م.
وعلى أثر ذلك المجهود العظيم حصدت الدكتورة سهير القلماوي مجموعة من الجوائز حيث حصلت على جائزة مجمع اللغة العربية عام ١٩٥٤م، وجائزة الدولة التقديرية في أدب الشباب، كما حصلت على جائزة الدولة التشجيعية، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب، ووسام الجمهورية من الدرجة الأولى، ووسام الإنجاز، والدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي العام ٢٠٠٨م، أعلن معرض القاهرة الدولي للكتاب الدكتورة سهير القلماوي، شخصية العام، وتكرر هذا مرة ثانية في اليوبيل الذهبي للمعرض، وذلك تقديرا لدورها الكبير في إنشاءه، والذي يشهد ملايين الزيارات من كافة أنحاء العالم.
رحلت الدكتورة سهير القلماوي عن عالمنا بعد رحلة من الإنجازات في شتى المجالات عام ١٩٩٧م. تاركة سهير العديد من الأعمال مثل؛ كتاب "أحاديث جدتي" وهو الأشهر، كما لا يزال تاريخها وأعمالها مجهولة عند الأجيال الجديدة، كأعمال "الشياطين تلهو، ثم غربت الشمس، المحاكاة في الأدب، والعالم بين دفتي كتاب"، كذلك ترجمات عديدة منها: "قصص صينية لبيرل بك، وعزيزتى اللويتا، رسالة أبون لأفلاطون"، وأيضا ترجمت عشر مسرحيات للأديب الإنجليزى ويليام شكسبير.