راهبة المسرح «نهاد صليحة»

راهبة المسرح «نهاد صليحة»
راهبة المسرح «نهاد صليحة»
«ماذا يبقى من الإنسان بعد الرحيل؟.. لا شيء تدركه الحواس ...لا شيء سوى صور تُومض في سماء النفس.. وأصداء كلمات تتردد في جنباتها فتُبدد وحشتها..وتُوهمنا، ولو للحظات، أننا ربما قهرنا الزمن، وأمسكنا بتلابيب الأيام التي تتسرب كالماء بين أصابعنا لتغوص في رمال العدم» كتاب ومضات مسرحية - نهاد صليحة
«صليحة» إحدي قلاع النقد المسرحي في مصر والعالم العربي، ظلت طيلة حياتها ومازالت سيدة النقد الأولي، مثلت حالة استثنائية عاشقة للمسرح، وإن لم يشأ لها القدر الوقوف علي خشبته، فاستبدلته بالاعتكاف في محرابه، فاستحقت عن جدارة لقب «راهبة المسرح»، بروح حرة وعقل واعي يقظ منحازاً للتنوير والجمال والحرية، والحياة.
«نهاد صليحة» هي كاتبة ناقدة، وباحثة مسرحية، وُلدت عام ١٩٤٥، ونشأت بحي شبرا، القاهرة، وخلال دراستها كان لمسرحيات شكسبير الفضل في نمو شغفها بالمسرح، فاختارت دراسة الأدب الإنجليزي لتتابع شغفها بالدراما، فتخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة القاهرة، ثم انتقلت إلي بريطانيا لاستكمال دراستها، حيث حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه في مجال الرواية الحديثة من جامعة «ساسكس»، وعملت أستاذا للدراما والنقد الفني، بالمعهد العالي للنقد الفني عام ١٩٨٤، ثم شغلت منصب عميد للمعهد من ٢٠٠١ حتي ٢٠٠٣، إلي جانب ذلك فقد عملت منذ عام ١٩٨٩، كمشرفة لقسم النقد المسرحي بجريدة « الأهرام ويكلي» حتي وفاتها عام ٢٠١٧.
اشهرت مؤلفات «صليحة» بين الفكر، والمسرح و الأدب و التنوير والقضايا النسوية، وكانت تلك المؤلفات تبرز نظرتها النقدية الواسعة، والتي من بينها «التيارات المسرحية المعاصرة»، و«ما بعد الحداثة والفنون الآدائية»، وكذلك «المرأة بين الفن والعشق والزواج»، وكتاب «عن التجريب سألوني»، و«المسرح عبر الحدود» قدمت كاتبتنا من خلالها حالة نقدية حية تتفاعل مع الواقع، وتستمد ثرائها وقوتها من فهم عميق لمكونات الحضارة الغربية، ولا تغفل عن البعد الثقافي المصري والعربي.
واهتمت «صليحة» بنقل الحراك المسرحي المصري إلي الأوساط العالمية، وبحسب رؤيتها فالفن لا يحدث من فراغ بل له صلة وثيقة بحياة الانسان، فكانت تري أن الكتابة المسرحية ليست فقط عروضاً للآداء، بل هي استعراض للظرف السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمشهد بأكمله، وكان لها في هذا الشأن عدة مؤلفات باللغة الإنجليزية من بينهم «المسرح المصري:اتجاهات جديدة» وآخر بعنوان «مسرح لورد بايرون: قراءة حديثة»، و«مسرحيات ومسرحيون»، كما يُظهر كتابها «تأملات مسرحية» الذي يعرض مقالاتها خلال الفترة بين عامي (١٩٩٤-٢٠٠٩)، بساطة سردها وحسها المرهف شغفها الشديد بالمسرح.
كما حصلت الكاتبة والناقدة الكبيرة «صليحة» على جوائز من مهرجانات عربية ودولية عديدة، من بينها، جائزة مهرجان الشارقة، وقرطاج، وجائزة مهرجان دمشق المسرحي عام ٢٠٠٨، وعرفاناً من الدولة المصرية بجهود أبناءها المُخلصين فقد تم تكريمها عدة مرات؛ لعل أهم تلك التكريمات حصولها على جائزة الدولة التقديرية في الآداب للنقد الفني، عام ٢٠١٣، وتخليداً لاسم «نهاد صليحة» فقد تم إطلاقه علي المسرح المكشوف بأكاديمية الفنون، والذي تم افتتاحه نوفمبر ٢٠٢١، تخليداً وتقديراً لإسهاماتها التنويرية في مجال الفنون و الثقافة.